جيش «منزوع السلاح»

: 7/23/12, 11:19 AM
Updated: 7/23/12, 11:19 AM
جيش «منزوع السلاح»

إنه الخوف.

خوف موضوعي وغير مفتعل. خوف مشروع غير مصنّع أو معقدن. خوف طبيعي غير ناتج من جبن أو إرهاب موروث. خوف مبثوث في يوميات اللبناني وإحداثياته. خوف من كل الجهات وأكثره من الداخل، أو من الصميم. خوف يقتحم اللبنانيين، يأتيهم من الشوارع والأزقة والإطارات المحروقة، خوف يتلبّسهم من أصحاب المقامات «الروحية» وسعار كلامهم الديني. خوف من وعلى وضد… خوف لتقرير المصير، فإما البغاء أو الرحيل. إنه الخوف غير الملتبس.

إنه الخوف.

خوف موضوعي وغير مفتعل. خوف مشروع غير مصنّع أو معقدن. خوف طبيعي غير ناتج من جبن أو إرهاب موروث. خوف مبثوث في يوميات اللبناني وإحداثياته. خوف من كل الجهات وأكثره من الداخل، أو من الصميم. خوف يقتحم اللبنانيين، يأتيهم من الشوارع والأزقة والإطارات المحروقة، خوف يتلبّسهم من أصحاب المقامات «الروحية» وسعار كلامهم الديني. خوف من وعلى وضد… خوف لتقرير المصير، فإما البغاء أو الرحيل. إنه الخوف غير الملتبس.

تقول دراسة «آراء» المنشورة في «السفير» في 21 تموز الفائت، «ان 53 بالمئة من اللبنانيين قلقون من عودة الحرب الأهلية»…. هم ما عادوا يسألون «هل ستقع»؟ بل يسألون «متى تقع؟».

محاولات طمأنة اللبنانيين تبوء بالفشل. قيل لهم: «حكمة القادة اللبنانيين تعصم لبنان من التجربة». لم يصدقوا. فهؤلاء، لم يبلغوا سن الرشد السياسي، ورتبة المصلحة الوطنية. إنهم في مرحلة دنيا، مراهقو رهانات إقليمية ودولية، مقامرو مذاهب وطوائف، مروجو مواقف نارية، مقلّدو عصابات النفوذ العربي المالي والمذهبي، ومرجعيتهم الثابتة، أتباع من قطعان، تسير على هدى إلى المقصلة. لا محاولة حتى الآن، تقنع اللبنانيين أنهم، في ما هم عليه، وفي ما هم يعانونه، في الطريق إلى محطة السلم الوطني. يرون بأم العين وعين العقل وعين العقل، انهم متروكون لمصائرهم، و«زعماؤهم» المتألهون جداً، صغار صغار جداً جداً.

أدمنوا التحريض، وأتباعهم يطربون على هذا الإيقاع ولو قادهم إلى السكر بالدم. وهو أسوأ الحرام.

إنه الخوف عارياً.

قيل للبنانيين كذلك، الشعب اللبناني خبر الحروب الأهلية، وتعلّم منها دروساً، أبرزها: «لا تقربوا العنف»، و«لن يلدغ اللبناني من جحر واحد مرتين»… عبث! هذا «الشعب» ليس شعباً. بالإمكان إلصاق صفات حقيقية لما يعتوره من آفات. إنه «شعوب» في مرحلة بدائية أو جاهلية. لم يرتقِ إلى القبلية وفضائلها، وإلى العشائرية وقيمها… ما زال يفضل الرقص على الإيقاع المذهبي، وهو ما دون الديني وما دون الطائفي وما دون دون السياسي.

شعب لبنان الصامت والمشلول والمقهور والخائف، رهين «شعوب» الشلل المذهبية المنتشرة كوباء لا رد لقضائه وقدره، في الشوارع والأزقة والإعلام والمنابر والمراجع والمرجعيات والمدارس والجامعات.

شعب لبنان القلق تخيفه «شعوب» لبنان التي رجعت في عقائدها ومسالكها وشعاراتها، إلى ما قبل السلفية بأزمنة. إن لفي السلف الصالح أمثولات عظمى، في ما نحن عليه، ينتمي إلى «ديانات» تمذهبت سياستها، تقديم الذبائح البشرية، لإرضاء الآلهة.

إنه الخوف ولا شيء غير الخوف.

محاولات الطمأنة فاشلة. كأن يقول البعض، ليس من مصلحة فريقي 8 و14 آذار، وحواشيهما الطائفية والمذهبية، وشللهما المتهافتة إعلاما وتحريضا، أن يجروا لبنان إلى «حروب أهلية» أو إلى «تأجير» لبنان مرة أخرى، ليكون ساحة لتصفية الحسابات… من يصدق ذلك؟ إن أفعالهم تدل عليهم. ليس بينهم من يتنازل. يصرون على استعمال اللغة التي فجرت لبنان. يتصرفون وكأنهم في ميدان، يقودون ميلشيات متسلحة بالحق… أشد فتكاً من القتل. إن لبنان صار ممتلئاً بالميلشيات؟

إنه الخوف من الجغرافيا ومن عليها ومن حولها، من بعيد أو من قريب. إنما يتفلسف البعض مع دفاع دائم عن تفاؤل ضروري، فيسأل: «من سيقاتل من؟»، فإذا عرفت ما هو معروف، بين السنة والشيعة وما بينهما وبين الدروز وما بين الجميع والمسيحيين بمناحيهم، فبماذا سيقاتل؟ بذاته أم بذوات غيره. ليس في وسع أي فريق أن يخوض حربا، وان كان يمارس عنفاً موضعياً، هو ابن خطوط التماس المذهبية المستقرة!

لا جواب، إنما، أليس لبنان اليوم في حرب عن بعد؟ فكيف يتقاتلون ميدانيا عن قرب؟ لبنان مفروز جغرافياً: السنة في مدنهم وعكارهم وإقليمهم، في شبه حفاء مذهبي، وفي غلبة عددية غير منفوحة، والشيعة في أريافهم جنوبا وبقاعاً، الدروز في شوفهم والجوار وعلى التخوم مع سوريا وفلسطين، والمسيحيون في «لبنانهم الصغير»… فأين ستقع الحروب الأهلية، وخطوط التماس بين المذاهب قليلة.

ومع ذلك، لا تقنع هذه الكانتونات المتباعدة ولا تفتي بعدم إمكانية وقوع الحرب. فالحرب لا تأخذ إذنا من أحد، وتأتي بصدفة مأساوية… ونحن أهل الصدف هذه. الاغتيالات من هذه الصدف المدروسة.

لا شيء يقنع اللبناني الخائف. لا أوروبا العاجزة ولا أميركا الخائبة. تقولان: من مصلحتهما استقرار لبنان. هذا من الصحيح المذموم. الصح لدى الدول هو تأمين مصالحها، ولو أدى ذلك إلى حريق روما، في بغداد أو دمشق أو بيروت.

لا شيء يقنع اللبنانيين الخائفين. لا رئيس الجمهورية، ولا رئيس الحكومة ولا «حكوماته»، ولا المجلس النيابي، ولا مؤسسات الدولة الرسمية، وبالطبع، ليست المرجعيات الطائفية في هذا الوارد.

يبقى الاعتماد على الجيش وحده.

إنما، من يصدّق ذلك؟ لا أحد. الجيش اللبناني، كي يكون فاعلا، يجب ان «ينزع سلاحه منه». استعمال الجيش لسلاحه ولو دفاعاً عن النفس، يصيبه في مقتل… الجيش، إذا أطلق النار على أي كان، يصيب نفسه. الجيش مطلوب كمتراس فقط. الجيش الذي تطمئن إليه «قيادات» الشقاق اللبناني، هو الجيش الذي يصوّب على الخصوم، وإلا اعتبر منحازاً… مسكين جيش لبنان. لا يسلّح لمواجهة إسرائيل، ويلزم تجريده من السلاح للحفاظ على السلم الأهلي الهش.

جيش في وضعية سوريالية… لم يعد محلّ اطمئنان. لم يعد موئل حماية. هو بحاجة إلى من يحميه ويدافع عنه، عبر اللافتات المذهبية التي احتلت بعض شوارع لبنانه.

من يقنع اللبنانيين بأنهم ليسوا في خطر: دمشق الحرائق تقترب من قلب لبنان، بعدما كانت أصابت الأطراف. اسرائيل تتحفز استعداداً.

السؤال: متى تبدأ الحرب الأهلية؟

أكثر المواقيت رواجاً: بعد سقوط النظام في سوريا، أو بعد الانتخابات الأميركية، أو…

ومع ذلك، وبرغم كل ما ورد أعلاه، بالإمكان الاطمئنان إلى الحظ والصدفة، فقد يشهد لبنان عنفاً متنقلاً مضبوطاً، لا ينزلق إلى حروب أهلية.

لعلنا هذه المرة من أصحاب الحظوظ..

نصري الصايغ

السفير البيروتية

23 يوليو 2012

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.