حتى لا تركع أوروبا للإرهاب: رسائل قديمة لهجمات بروكسل الجديدة

: 3/23/16, 10:20 AM
Updated: 3/23/16, 10:20 AM
حتى لا تركع أوروبا للإرهاب: رسائل قديمة لهجمات بروكسل الجديدة

الكومبس – خاص: مرة أخرى يضرب الإرهاب في قلب القارة الأوروبية، وفي وسط عاصمتها الإدارية. مدينة بروكسل عاشت سلسلة هجمات، يوم الثلاثاء 22 من مارس، استهدفت عدة نقاط حساسة بينها مطار زافينتم، ومحطة لقطار الأنفاق وسط ما يعرف بالحي الأوروبي وتحديدا بين مقري المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، هذه الهجمات أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى والتسبب بحالات هلع وفوضى في المدينة.

ولأن هذا الهجوم ليس الأول الذي تتعرض له مدن أوروبية خلال الفترات الماضية، وهو يأتي بعد أشهر على هجمات باريس المروعة في نوفمبر من العام الماضي، نشهد تكرارا قد يكون رتيبا لإعادة التصريحات ونشر التحليلات وتوزيع الرسائل، دون القيام بتحرك فعلي لمكافحة جذور الإرهاب والتطرف والقضاء على منابعه. خاصة من ناحية العمل السياسي لتأمين الجوار غير الآمن. تصريحات تتوعد وتهدد وأخرى تنادي بزيادة الإجراءات الأمنية وبتغيرات سياسية.

لا شك أن هناك من رأى بهذه التفجيرات مناسبة “للشماتة” بالنموذج الأوروبي الحالي، وبسياسة الاتحاد غير المهتمة بالحرب الدائرة على مسافة ساعتين أو ثلاث ساعات في الطائرة من الحدود الأوروبية. ولا شك أن هناك من يجد بهذه الهجمات فرصة لابتزاز سياسي يمكن أن يمارس بسهولة على الدول الأوروبية، قد يتعلق بسياسة الهجرة واللجوء، أو بزيادة المشاركة أكثر في المعارك والحروب الدائرة على بعض مناطق ضفة المتوسط الأخرى، من خلال إرسال السلاح وربما الجنود، للمشاركة أكثر في تدمير ما دمر من بلدان كانت آمنة.

ولكن هل يدرك الأوربيون أن عليهم دور ومسؤولية لا تقل عن مسؤوليات اللاعبين الكبار في قضايا الشرق الأوسط، تماما كما يوجد دور ومسؤولية للولايات المتحدة والاتحاد الروسي، وربما أكثر بحكم قرب الجوار الجغرافي وبحكم تحمل تبعات الحروب وموجات الهجرة، الذي تحملته أوروبا أكثر مما تحملت روسيا والولايات المتحدة باضعاف.

عندما قررت الدول الأوروبية العيش سويا في قارة مفتوحة الحدود، تسيجها الديمقراطية وتحميها المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، تجاهلوا ربما أن جيرانهم من الدول العربية والشرق أوسطية أصبحوا أكثر قربا إليهم، ليس بحكم الجغرافيا فقط بل بحكم تطور وسائل الاتصالات والتواصل وبالتالي تقارب مناطق النفوذ والتأثير، بين ضفتي المتوسط على الأقل.

الدول الأوروبية التي أسست لإطار اتحاد بينها، عرفت أن مسائل الأمن والسياسة الخارجية والدفاع والبيئة وطرق المواصلات تحتاج إلى بنية تحتية مشتركة، حتى تسهل عليهم المشاركة بإدارة هذه القطاعات الهامة، ولكن أليس من الغباء السكوت على تدمير المنظومات المماثلة التي كانت موجودة وفعالة في دول مجاورة لهم، وبالتالي أصبح التنسيق مع الجيران يقتصر على استقبال موجات المهاجرين البائسين والمحبطين والفاقدين لممتلكاتهم ولجزء من ذويهم.

لعل أهم رسائل تفجيرات بروكسل الجديدة هي أن مسألة الأمن تتعلق أولا وأخيرا بسياسات كبرى، لا تعرف الحدود، لأن الإرهاب أصبح مسألة عالمية ووباء عابر للدول والقارات، فكما تعاني منه الدول الجنوبية للبحر المتوسط من الجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق وغيرها لا يجد هذا الوباء حدودا يقف عندها للانتشار أيضا إلى الشمال.

مسألة حماية الديمقراطية هي المسألة الأولى التي يخشى عليها الأوروبيون، كما لمسنا من خلال تصريحات المسؤولين، ومنهم رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين، عندما وصف التفجيرات التي ضربت بلجيكا، صباح الثلاثاء، بانها هجوم على أوروبا الديمقراطية، وأضاف “نحن لن نقبل مطلقاً أن يهاجم الإرهابيون مجتمعاتنا المنفتحة”.

هذا الكلام عن قضية حماية الديمقراطية، له أهمية مطلقة لأن هناك قوى في أوروبا نفسها تريد أن تستعيد ديكتاتوريتها من خلال أجندات عنصرية وشوفينية، ومسألة ابتزاز الرأي العام مسألة واردة جدا تحت تأثير صدمات الإرهاب، للعودة عن مبادئ التسامح في المجتمعات الأوروبية التي عانت وكافحت قبل أن تحصل عليها.

الديمقراطية هي إذا ليست مجرد ترف سياسي للرفاهية أو فقط عبارة عن نظام حكم في أوروبا، بل هي عصب الحياة الأوروبية، وكما كانت تخشى هذه الدول على ديمقراطيتها أثناء الحرب الباردة من المد الشيوعي، القادم من الشرق يجب أن تكون أيضا آمنة من جوارها الجنوبي وتخشى من أن يمتد خطر التطرف والإرهاب إلى عقر دارها.

السبيل إلى حماية سياج الديمقراطية الأوروبي لا يمكن أن يكون فقط بتشديد الإجراءات الأمنية بل أيضا من خلال مراجعة جادة للسياسات الكبرى اتجاه الجوار الجنوبي، واعتماد سياسية بعيدة النظر، في التعاون مع شعوب المنطقة في إعادة اعمار بلادها والمساهمة بإرساء السلام والأمن والقضاء على جذور الإرهاب بأنواعه وعلى جميع أشكال الاحتلالات والتطرف والاستغلال والتعسف والقمع لإعطاء الجيران الأمل بالعيش بحرية وكرامة وديمقراطية، تماما كما تريد أوروبا للأوروبيين أن يعيشوا. وحتى لا تركع أوروبا للإرهاب.

المحرر السياسي

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.