الكومبس – خاص: أقام منتدى الحوار الثقافي العراقي في ستوكهولم، الأحد الماضي 24 نيسان/ أبريل، ندوة عن الآثار العراقية، حاضر فيها خبير الأثار حسن حسين، خريج جامعة بغداد وأحد طلبة العلامة طه باقر، وأدارها الكاتب كريم السماوي.
تحدث المحاضر عن المواقع والمدن الأثرية، مثل بابل وآشور والوركاء ، وعن الديانات والآلهة وملحمة كلكامش والكتابة السومرية.
موضوع الندوة
نشأت في أرض ما بين النهرين أولى الحضارات البشرية في العالم، على يد سكانها القدماء قبل ستة آلاف سنة قبل الميلاد، التي عرفت بمنجزاتها العلمية العديدة: (الصناعة والزراعة والعمارة، اللغة والكتابة والأدب، الطب والفلسفة والدين، التقنية وعلم الفلك والرياضيات)، وفي إدارة الحكم والدولة في العدل والحقوق والواجبات، وفي القوانين التي تحافظ على المجتمع وتصون كرامة المرأة وترعى الثقافة الفنون، وقد أثرت هذه الحضارة على مختلف حضارات ودويلات العالم القديم، وكانت الكتابة المسمارية، ملحمة جلجامش، الديانة والآلهة، المواقع والمدن الآثارية في بلاد الرافدين (بابل، آشور، الوركاء) كل هذه الكنوز الآثارية.
المحاضر في سطور
الأستاذ حسن حسين: مواليد العراق في مدينة واسط عام (1952)، حاصل على شهادة البكالوريوس في الآثار، من كلية الآداب قسم الآثار في جامعة بغداد (1975)، درس علم الآثار على يد الأستاذ طه باقر (أحد أشهر علماء الآثار) والدكتور بهنام أبو الصوف، وعمل في مجال التنقيب لمدة خمس سنوات، في حفريات سد حمرين مع البعثة الإيطالية، كما عمل في حفريات سد حديثة، وأعمال الصيانة في قلعة كركوك، وفي دار الإمارة في الكوفة.
الكنوز الأثرية في العراق
تحدث الأستاذ حسن حسين عن الكنوز الآثارية في العراق، وعن تجربته الشخصية في التنقيب مع البعثة الإيطالية، في سد حمرين وسد حديثة، وتحدث عن الحضارات: (السومرية، الآشورية، والبابلية)، وقدم بعض التوضيحات عن قوانين (حمورابي) وكلام موسع عن ملحمة (جلجامش)، وتوسع في الشرح عن المدن السومرية والآشورية والبابلية، وتحدث عن الآثار الآشورية في سهل نينوى وأهمية زيارتها، وتوقف عند القوانين الآشورية، وذكر كتاب (قاموس الحياة الآشورية)، وهو كتاب مفصل يقع في (30) جزء، صادر عن جامعة واشنطن، كما تحدث عن أبحاث (فؤاد صفر ومحمد علي مصطفى)، حول مدينة (الحضر) قرب نينوى، التي يمتد عمرها إلى (500) سنة تقريباً، نصفها قبل الميلاد والنصف الآخر بعد الميلاد)، وهي مدينة كاملة محاطة بسورين ومعابد وتماثيل، وتحدث بألم عن “تدمير آثارنا من قبل أوباش العصر الدواعش”، وتهديم (السور والبوابة الداخلية) في نينوى، وتكسير (الثيران المجنحة) وتحطيم (المتحف) في الموصل.
قوانين المرحلة القديمة
تميزت الأمسية بالحديث عن حضارة أرض الرافدين، بالتوقف عند القوانين المتقدمة، التي سنت في تلك الحقبة من تاريخ البشرية منها: قانون حماية حقوق المرأة، التي ما زالت تفتقر إليه الكثير من الأنظمة والدول في زماننا هذا، حتى أن أول تمثال (عبد) كان على شكل امرأة (آلهة الأم، الأرض)، وكذلك قانون التعويضات للمزارعين المتضررين من الفيضانات والكوارث الطبيعية، وكانت التعويضات توازي ما كان يجنيه المزارع في السنوات الماضية، أما قوانين حمورابي في مسلته الشهيرة (مسلة حمورابي) فقد بلغت من العدل والحكمة ما أذهل العالم على مر العصور، كما جرى الحديث عن فن العمارة وتخطيط المدن الحضرية، حتى أن بعضها كانت تتميز بوجود المجاري تحت الأرض، وتوقف الباحث عند لوح من الألواح الموجودة في متحف بغداد، الذي يتضمن شرحاً مفصلاً لإحدى النظريات، التي عُرفت فيما بعد بنظرية (فيثاغورث)، أي “أن مساحة المربع في الوتر توازي مساحة المربعين الآخرين في المثلث القائم الزاوية”، وهذا يدل على أن حضارة وادي الرافدين كانت تهتم بعلوم الرياضيات، كما إن الكتابة المسمارية التي بدأت أبجديتها على أرض الرافدين، كانت انقلاباً على الواقع السائد، وانعطافة كبيرة غيرت مسيرة الإنسانية، وكتبت في أوروك ذات الأسوار، وهي أول مدينة حضرية كتبت فيها أقدم ملحمة في التاريخ الإنساني، وهي (ملحمة جلجامش) ملحمة الخلود الإنساني، واهتمت هذه الحضارة بالأديان أيما اهتمام، وكانت المعابد تقارب في مهمتها، ما نعرفه اليوم من مساجد وكنائس ومعابد، حتى أن الفرد يتطهر بالماء المقدس، ولا يدخل المعابد إلا بعد أن يخلع نعليه، تقديساً واحتراماً للمعابد التي يقدم لها النذور.
نقاشات
كل هذا وغيره تناوله بالتفصيل الباحث حسن حسين، إضافة إلى مداخلات وأسئلة الحاضرين التي تميزت بالحرص والدراية وحب المعرفة، والتي عبر فيها الحاضرون عن ضرورة أن تكون لدينا ثقافة تهتم بآثارنا، التي نهب جزء كبير منها وغرق جزء آخر خلال فترات نقلها ودمر الأوباش ما تبقى، ومع كل هذا وذاك فلا يزال تحت التراب الكثير منها، فأرض الرافدين هي أرض الحضارات الأولى.
إن المعلومات القيمة الموثقة، والشرح العلمي الدقيق، والحديث الرصين المحكم، كانت سمات المحاضرة التي قدمها الأستاذ حسن حسين، والتي باح بأسرار القصد منها: “إن هدفي في هذه المحاضرة هو إعلاء لكلمة العراق فوق مسميات الأحزاب، ورفض لكل الأفكار البالية والظلامية الهدامة، ودعوة لمن يسافر إلى العراق الآن، أن يزور المتحف الوطني في بغداد ومتحف الأخضير في كربلاء”، إذن هي دعوة لنا جميعاً لمعرفة المزيد عن حضارة بلاد الرافدين، وللحفاظ على آثارها الكثيرة المنتشرة في وادي ما بين النهرين، من العتاة والسراق والجهلة وأعداء الحياة، فهي تاريخ الإنسانية التليد، وارثها النادر الثمين، وثقافتها الغنية بالعطاء والتنوع والإبداع.
محمد المنصور