فجر وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو قنبلة دبلوماسية في وقت كانت مدفعية بلاده تركز ضرباتها للرد على القذائف السورية المخترقة للحدود، واقترح أوغلو أن يرأس فاروق الشرع نائب الرئيس السوري حكومة انتقالية لوقف "الحرب الأهلية"، وفيما اعتبرت الحكومة السورية أن الاقتراح دليل على تخبط وارتباك سياسي ودبلوماسي، انقسمت المعارضة وأبدت أطراف فيها تحفظها فيما رفضت أخرى الاقتراح رفضا قاطعا.
فجر وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو قنبلة دبلوماسية في وقت كانت مدفعية بلاده تركز ضرباتها للرد على القذائف السورية المخترقة للحدود. الوزير التركي اقترح أن يرأس فاروق الشرع نائب الرئيس السوري حكومة انتقالية لوقف "الحرب الأهلية"، وأعرب عن اعتقاده بأن المعارضة تميل إلى قبوله. أوغلو أطرى على الشرع في حديثه لشبكة التلفزيون التركي "تي آر تي" ووصفه بأنه " رجل عقل وضمير ولم يشارك في المجازر"، واكد أنه "لا أحد سواه (الشرع) يعرف في شكل أفضل النظام في سورية".
ولا يمكن إدراج اقتراح أوغلو إلا في إطار محاولة تركيا لإحياء المبادرة العربية، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لبعث الروح في عرض وزراء الخارجية العرب بداية العام الحالي المتضمن انتقالا سلميا للسلطة، وتسليم صلاحيات من الرئيس السوري بشار الأسد لنائبه في سيناريو يحاكي الحل اليمني بمقتضى المبادرة الخليجية.
ويكشف الإقتراح أن القيادة التركية مازالت تجهل أو تتجاهل طبيعة نظام الحكم في سورية، رغم ما أشيع عن علاقة استراتيجية وعلاقات أسرية بين قيادات البلدين، وفي نفس الوقت يبدو أن أنقرة لاتدرك حقيقة التغيرات التي طرأت على طبيعة الصراع بين المعارضة والنظام منذ إطلاق المبادرة العربية في يناير/كانون الثاني من العام الحالي. وربما يهدف المقترح التركي إلى إعادة لملمة المعارضة السورية حول هدف واحد بعدما ازدادت تشرذما في الآونة الأخيرة وبرز تراجع دور المجلس الوطني السوري، وظهور حركات منافسة كثيرة، ولعل الأهم هو تراجع دور المعارضة السياسية وخفوت صوتها مقابل ارتفاع ضجة المدافع والانفجارات في معظم أنحاء سورية وحصدها مزيدا من الأرواح معظمهم من المدنيين والعزل.
انقسام في صفوف المعارضة وتحفظ على الاقتراح…
وأظهرت ردود الفعل المباشرة على اقتراح أوغلو اختلافا في وجهات النظر بين مكونات المعارضة السورية، وحتى في داخل المجلس الوطني السوري ذاته، حيث اشترط عضو المكتب التنفيذي في المجلس الوطني السوري أحمد رمضان والعضو النافذ فيه أن "على الشرع أن يعلن أولا انشقاقه لنبحث إمكانية التعامل معه باعتبار أنه لا يزال جزءا من ماكينة النظام، وبالتالي لا يمكن إعطاء توقعات في هذا المجال". ورأى في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط السعودية أن "تصريحات أوغلو مؤشر مهم على أن حقبة الأسد انتهت من وجهة نظر دول كثيرة، وبالتحديد الدول المعنية بالملف السوري، وبالتالي فإن البحث بالمرحلة الانتقالية بدأ فعليا". كما استغرب رئيس مجلس أمناء الثورة السورية هيثم المالح الطرح التركي، واعتبر أن فيه كثيرا من "قصر النظر"، وأكد في حديث لنفس الصحيفة أن "ما نسعى إليه هو اقتلاع النظام وليس الشخص فقط". وأعلن أنه لا يثق بكل شخص تعاون مع الأسد، وبالتالي لا يرحب بتوليه أي منصب في المرحلة المقبلة.
الرئيس السابق للمجلس الوطني برهان غليون رمى الكرة في نصف ملعب النظام، ورغم تاكيده أن الهدف هو وقف القتل وحقن الدماء، وأن الشرع غير متورط في أعمال القتل إلا أنه استبعد عمليا الفكرة، وأشار في اتصال مع وكالة الأنباء الألمانية إلى أن "المعارضة من الممكن أن توافق على هذا الاقتراح، في حال إذا قبل الأسد فعليا بالتنحي عن الحكم.. ولكني لا أعتقد أن الشرع الآن في هذا المنحى.. أي أنه ليس قادرا علي شغل هذا المنصب أو راغبا في شغله".
ولم يذهب رئيس المجلس الحالي عبد الباسط سيدا بعيدا في تعليقه على الاقتراح التركي، وقال في لقاء مع "العربية" إن "اقتراح تولي نائب الرئيس السوري فاروق الشرع السلطة سيكون محل نقاش". وشدد على ضرورة إشراك "الرموز الوطنية التي أيدت الثورة منذ انطلاق شرارتها في إدارة المرحلة الإنتقالية".
تخبط وارتباك سياسي ودبلوماسي…
الرد الرسمي السوري المباشر على تصريحات أوغلو لم يتأخر هو الآخر، فقد أكد وزير الإعلام عمران الزعبي أن "ما قاله وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو يعكس تخبطا وارتباكا سياسيا ودبلوماسيا لا يخفى على أحد"، ونقلت وكالة سانا الرسمية عن الوزير السوري قوله "إن تركيا ليست السلطنة العثمانية والخارجية التركية لا تسمي ولاتها في دمشق ومكة والقاهرة والقدس". وذكرت سانا أن الزعبي نصح "الحكومة التركية بالتخلي عن مهامها لصالح شخصيات يقبلها الشعب التركي وفي هذا مصلحة تركية حقيقية"، ودعا الحكومة الحالية إلى التوقف عن "تدمير مستقبل الشعب التركي الشقيق".
وحقيقة فإن الموقف الرسمي السوري واضح، حتى قبل تصريحات أوغلو، فوزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج في الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب تشرين اعتبر أن بلاده "تتعرض لحرب شبه كونية، لأنها ترفض التخلي عن مقومات السيادة والكرامة، وتتمسك بحقوقها واثقة من قدراتها على إسقاط المؤامرة والمتآمرين" وأكد الفريج "أن الفصول الأخطر في هذه المؤامرة قد تداعت وسعار الترهيب والقتل في طريقه إلى التلاشي وفلول المرتزقة من وهابيين وقاعدة وأصحاب فكر تكفيري تسحق تحت أقدام جنودنا الأبطال". ويكشف الخطاب أن الحكومة السورية ماضية في حلها الأمني وتعتقد أنه بات قريبا ما يوصد الباب أمام حلول من باب تنازل الرئيس الأسد عن الحكم. كما أن ظهور الرئيس الأسد شخصيا بمناسبة إحياء ذكرى حرب تشرين بالقرب من قدسيا والهامة وهي أماكن عمليات يؤكد أن الجيش السوري أنه يقوم بتطهيرها من المسلحين يرسل إشارة إلى ثقة النظام بقوته، وقدرته على الحسم.
العرض القديم المتجدد…
تطرح فكرة تولي فاروق الشرع الفترة الانتقالية منذ أكثر من سنة، وفي العام الماضي سرت شائعات بأن الشرع زار موسكو سرا والتقى مسؤولين روس للاتفاق على الفترة الانتقالية، وهي أنباء لم تتأكد هذه الأنباء حتى اليوم.
وعرضت الجامعة العربية مبادرتها المعروفة للتسوية السياسية بعد فشل مهمة بعثة المراقبين العرب، وسحبهم. ونصت المبادرة في يناير/كانون الثاني من العام الجاري على ضرورة تسليم الأسد صلاحياته لنائبه الشرع.
ولا يقتصر الاهتمام الخارجي بتولي الشرع الفترة الانتقالية على موقعه كنائب للرئيس السوري على غرار التجربة اليمنية فحسب. ويعود الاهتمام إلى المواقف التي نقلت عن معارضته للحل الأمني منذ اندلاع الأحداث في مدينته الأم درعا، ومن ثم الاشاعات عن ترؤسه الخلية السياسية لحل الأزمة، وحواره مع الشخصيات المعارضة. وكان خطاب الشرع في مؤتمر الحوار الوطني الذي نظم في يوليو/تموز من العام الماضي نقطة انعطاف مهمة في موقف الشرع من الأحداث وموقف السلطات منه.
وأثار الخطاب المذكور موجة غضب عارمة في صفوف المتشددين في حزب البعث، خصوصا أنه دعا إلى انهاء العمل بالمادة الثامنة من الدستور التي تنص على الدور القيادي للحزب في الدولة والمجتمع، وانتقد فهم القيادات السورية للتطورات الجارية، وطريقة التعامل مع الأزمة. وبدأت حملة منظمة لتشويه صورته، واتهامه بمحاولة "تلميع" نفسه سياسيا ومع عدم تنفيذ السلطات لمقررات مؤتمر الحوار وقع الشرع في تشابك النيران بين المعارضة والنظام الذي يعد جزءا منه، لكن دون الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يملك سلطات تنفيذية واسعة. وبدأت مرحلة انسحاب الشرع من ملعب السياسة الكبير في سورية. ورغم أن المبادرة العربية جاءت لإعادة رسم دوره إلا أن الواضح أنها أنهته سياسيا في نظر طيف من مراكز قوى السلطة باتت تنظر إليه كمنافس للرئيس الأسد.
ولم تتعد مرات ظهور الشرع منذ اختتام مؤتمر الحوار صيف العام الماضي عدد أصابع اليد الواحدة في مناسبات رسمية، وظهر الشرع في جنازة نائب وزير الدفاع وصديقه آصف شوكت الذي قضى في انفجار استهدف خلية الأزمة، وبث التلفزيون السوري مقاطع فيديو أثناء استقباله مسؤولا إيرانيا عقب اشاعات راجت عن انشقاقه في شهر أغسطس/آب الماضي وبيانا عن مكتبه ينفي حصول الانشقاق.
حول توقيت وحظوظ تمرير الاقتراح التركي…
لم تحظ تصريحات أوغلو باهتمام كبير من صناع القرار في العالم، والأطراف الخارجية الفاعلة بالأزمة السورية، وربما يعود ذلك إلى أسباب عدة أهمهما أنه لا جديد في الاقتراح المطروح على مائدة البحث منذ أشهر طويلة. كما أن تحليلا سطحيا لطبيعة إدارة النظام للأزمة منذ اندلاعها وحتى اللحظة الراهنة لا تشي بأنه مستعد لتقديم تنازل بهذا الحجم في وقت يعلن فيه أنه في طريقه إلى الحسم و"تطهير البلاد" من فلول "العصابات المسلحة"، أضف إلى ذلك أن الشرع لا يملك نفوذا وسندا، حتى لو وافق على الاقتراح، في داخل النخب العسكرية والأمنية والسياسية، ولا يستطيع البوح برغبته علنا، إن وجدت أصلا، إلا في حال تأمين خروجه من البلاد وهو ما بات صعب المنال.
وأخيرا فإن اقتراح أوغلو الشرع لرئاسة حكومة انتقالية يحجب الأضواء عن شخصيات أخرى يتم تداولها في الإعلام مثل مناف طلاس، ورياض حجاب وربما يعزز تحليلات باقتراب عقد صفقة خلف الكوابيس لحل الأزمة في سورية، يكون للشرع دور فيها، لكن هذا الدور بات أبعد أصعب عقب تصريحات الوزير التركي التي تنم مرة أخرى، في حال تناولناها بحسن نية، على أن صناع القرار في أنقرة مازالوا عاجزين عن فهم طبيعة الأزمة السورية، وطريقة الحل. فاستبدال الأسد بأي شخص كان لن يحل الأزمة في ظل المعطيات القائمة وتعقيدات الأزمة، وطرح الأسماء قبل توافق جميع الأطراف الداخلية والخارجية يزيد الأمور تعقيدا.
سامر الياس
روسيا اليوم