الكومبس – تقارير: تتوارد التقارير عن “انتهاكات” في بعض المناطق من سوريا بعد سقوط النظام السابق وتولي الإدارة العسكرية الجديدة زمام الأمور. ويتنامى الجدل على صفحات التواصل الاجتماعي بين من يعتبر هذه الحوادث “فردية” لا تمثل التوجه العام للحكم المؤقت الجديد، وبين آخرون ينبهون إلى خطورتها ويرون في تكرار “الانتهاكات” خطراً مستقبلياً على السلم الأهلي. ومع شبه غياب الإعلام الرسمي السوري وتخلي عدد من وسائل الإعلام عن دورها الناقد، ينشط عدد من المنظمات لملء الفراغ، وسط الحاجة الإعلامية إلى رصد الانتهاكات وتوثيقها وترسيخ مهمة الصحافة الناقدة في بدايات تأسيس سوريا الجديدة.
من المدن التي يثار الجدل عن الانتهاكات فيها، مدينة حمص التي تقع وسط سوريا حيث تشهد أحداثاً أمنية “مقلقة” تجاوزت حدود الفردية بحسب منظمات حقوق الإنسان. المدينة توصف بأنها صمام الأمان السوري، حيث يسكنها مزيج متوازن ومتعدد من الطوائف والقوميات، ما يجعل الرهان على أمنها وسلامها رهاناً على أمن وسلام سوريا بأكملها.
وللمرة الأولى منذ سقوط نظام الأسد ودخول الفصائل إلى المدينة وصف المرصد السوري لحقوق الإنسان الانتهاكات، التي تحدث في حمص، بأنها تجاوزت حدود الـ”فردية”، التي نُسب إليها عدد من التجاوزات الانتقامية في المدينة منذ دخول مقاتلي هيئة تحرير الشام إليها. وطالب المرصد القيادة في دمشق بضرورة “اتخاذ إجراء صارم لضبط هذه التصرّفات والانتهاكات التي تخطّت حدود الفردية”، على حد تعبيره.
وتوثق صفحة “المركز الوطني لتوثيق الانتهاكات في سوريا” على فيسبوك في العديد من منشوراتها أعمال عنف وقتل تحدث اليوم في سوريا. عدد كبير من هذ المنشورات يخص حمص وريفها، منها ما هو متعلق بمعاملة قاسية وغير إنسانية، وبعض هذه الفيديوهات والصور يحتوي على شتائم طائفية. بينما تظهر صور ومقاطع فيديو أخرى عمليات تعذيب لـ”مقاتلين سابقين” و”فلول للنظام”، وبعضها الآخر يعلن فيها عن “عمليات خطف” وفقدان التواصل مع بعض الشبان.
في فيديو مصور نُشر اليوم، يظهر مقاتلون يحتجزون عدداً من جنود الجيش السوري السابقين، ويطالب صاحب الفيديو “أبو محمد الجولاني” بإعدام عناصر سابقين في صفوف الجيش السوري لكونهم من إدلب فقط. فيما يحذّر ناشطون على وسائل التواصل من أن استمرار حملات الهيئة وتصرفات غير منضبطة لعناصر منها في حمص إلى تفجير الشارع في المدينة المنقسمة سياسياً واجتماعياً، وربما تحول الأمر إلى بوادر حرب أهلية في أي وقت، وهو ما كاد يحدث، خلال الأيام السابقة، لولا استيعاب الشارع في حمص لخطورة ما يحدث، واستنفار النخب من العلويين والسنّة، للعمل سريعاً، حيث تمت المطالبة بـ”محاسبة المتورطين الفعليين مع النظام والذين ثبت تلطخ أياديهم بدماء السوريين”.
كما نُشر عدد من مقاطع الفيديو التي تظهر حالات تعذيب وإذلال يتعرض لها مدنيون وبعض العسكريين الذين سبق لهم إجراء التسوية المطلوبة. ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان أحد هذه المقاطع التي تظهر عناصر الهيئة وهم يطلبون من المعتقلين تقليد أصوات الحيوانات. وأظهر مقطع آخر الاعتداء على مجند عسكري عاد من العراق بعد هروبه إليه ليلة سقوط الأسد. واعتبر المرصد السوري أن هذا الاعتداء “غير مبرر”، خصوصاً أن العسكري “سلم نفسه وسلاحه طواعية”.
ورافق حوادث الانتهاكات التي حصلت في المدينة اليوم سيل من الضخّ الذي اعتُبر تحريضياً لتضخيم الانتهاكات وتحميلها صبغات طائفية بحتة، ومنها شائعات عن اختطاف نساء وفتيات علويات، سرعان ما تم تكذيبها.
مراسل الكومبس تواصل اليوم مع 4 مدنيين يقيمون في حمص. وأكدوا أن الوضع في المدينة غير آمن، خصوصاً في الأحياء التي تسكنها غالبية علوية، حيث ينتشر الخوف بشكل أكبر مع تلقي العديد من الأخبار الجديدة، بحسب البعض. وتقول ريم من سكان حي النزهة ذي الغالبية العلوية “تتحول حمص إلى مدينة أشباح بعد الساعة الخامسة ظهراً (..) اضطررت وزوجي إلى حذف كافة الصور والمعلومات الشخصية والعائلية من هواتفنا الذكية لكثرة ما نسمع عن حوادث تشليح الهواتف المحمولة والذهب (..) نسمع بتجاوزات تجاه أشخاص لم يكن لديهم أي علاقة بالنظام”. وتمنى المدنيون الذين تواصل معهم المراسل أن تقوم قيادة العمليات العسكرية بالتحرك بسرعة لضبط هذه الانتهاكات التي تجاوز عدد كبير منها محاسبة فلول النظام، حسب قولهم.
وكان لافتاً اليوم انتشار عدد من الدعوات والأوسمة (هاشتاغ) والروابط التي يمكن فيها توثيق تجاوزات حقوق الإنسان، بهدف حث منظمات حقوق الإنسان العالمية والأمم المتحدة على التدخل. فيما طالب بعض القائمين على هذه الدعوات بإرسال قوات حفظ سلام للتدخل بشكل مباشر في سوريا، درءاً لحرب أهلية محتملة بحسب وجهة نظر أصحاب الدعوات في ظل تصاعد أعمال العنف والحد من الحريات الدينية في مناطق سورية عدة.
كنان سلوم
سوريا