حياة الضفة الغربية الصاخبة تخفي كارثة اقتصادية متعمقة

: 9/17/12, 2:59 AM
Updated: 4/13/15, 5:06 PM
حياة الضفة الغربية الصاخبة تخفي كارثة اقتصادية متعمقة

نشرت وكالة رويترز الاخبارية على صفحات موقعها تقريراً مطولاً لمراسلها في الضفة الغربية المحتلة نواه براونينغ، يرسم فيها مشهداً سوداوياً للوضع الاقتصادي في الضفة الغربية والذي وصفه بـ "كارثة متعمقة".

بعد أبراج الحراسة الإسرائيلية المسوّدة بالقنابل الحارقة ومدخل مخيم للاجئين عليه ملصقات لمتشددين يحملون مدافع رشاشة، يتلألأ وسط مدينة رام الله.

ندوب النزاع المستعصية والاحتلال تتلاشى عن الانظار: مقاهي مع رواد يرتدون الملابس الأنيقة، ورائحة النجيلة تعطر الأجواء، وصخب النوادي العصرية يهز الليل. بي إم دبليو من الطراز الحديث تنساب في الشوارع المشجرة تحت الفلل والعمارات السكنية العالية النامية على تلال الضفة الغربية.

لكنه سراب أكثر منه معجزة

"نحمد الله على القروض"، يقول إبراهيم الفار، وصاحب المقهى المفتتح حديثاً من سلسلة المقاهي الايطالية الصاعدة سيجافريدو زانتيني في رام الله، العاصمة التجارية الفلسطينية ومقر الحكومة في الضفة الغربية التي تحتلها اسرائيل.

يتركز النمو في الضفة الغربية في رام الله، في العقارات والخدمات حتى في ظل معاناة العديد من القطاعات مثل الزراعة والبناء.

الإنفاق الحكومي والمعيشة على الائتمان وعلى جميع المستويات في المجتمع الفلسطيني أمر مستشرٍ، وكما أظهرت أزمة منطقة اليورو، فقد يكون ذلك سبباً للتراجع الاقتصادي.

ارتفعت نسبة القروض المصرفية للاستهلاك الشخصي في الأراضي الفلسطينية إلى خمسة أمثالها في العامين الماضيين، أي إلى 417 مليون دولار. إجمالي الائتمان لشراء السيارات وحده مسؤولا عن مبلغ إضافي قدره 119 مليون دولار، بحسب سلطة النقد الفلسطينية.

"اذا كنت غارقاً في المشاكل، لماذا لا تحاول أن تعيش جيدا، يكون لديك حياة ليلية وقهوة جيدة؟ إذا كنت قد صُفعت مرة من قبل الاحتلال، فإن صفعة فاتورة الائتمان لن تؤذي بذات القدر" يقول ابراهيم الفار.

المساعدات للسلطة الفلسطينية التي تعتمد على الجهات المانحة، والتي تمارس حكم ذاتي محدود في الضفة الغربية بموجب اتفاقات السلام المؤقتة مع اسرائيل، تباطأت الى حد كبير.

رواتب القطاع العام المتضخمة ومرة أخرى لا يمكن دفعها هذا الشهر بشكل كامل. القاعدة الانتاجية للاقتصاد تذبل في حين أن البطالة ترتفع إلى جانب الفقر.

الأزمة الاقتصادية تعمقت – النمو انخفض – من ذروة بلغت 9 % في عام 2010 بعد انخفاضه قبل ذلك بسبب الانتفاضة – إلى معدل 5.4 % في الربع الأول من عام 2012 مقارنة بالفترة نفسها عام 2011.

اقتراضات السلطة الفلسطينية توازي قرابة الثلث من إجمالي القروض الممنوحة من المصارف العاملة في الأراضي الفلسطينية والبالغة 3.5 مليار دولار ، ولكن مع ضعف المعونة المقدمة من المانحين وانخفاض العائدات، فليس من الواضح كم من الوقت يمكن أن تستمر (عملية الاقراض).

يقول مسؤولون ان الطلب الفلسطيني للحصول على قرض بقيمة 1 مليار دولار من صندوق النقد الدولي قد تم رفضه هذا الاسبوع. والمساعدات الخارجية تراجعت جزئيا بسبب الظروف الاقتصادية العالمية، وجزئيا كرد فعل على محاولة الفلسطينيين الفاشلة لاعلان دولة في الأمم المتحدة الخريف الماضي.

العنف الاسرائيلي – الفلسطيني انخفض بشكل كبير رسمياً منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية 2000-2005. لكن السلام وإقامة الدولة ما زالت مطمعاً بعيد المنال. المفاوضات مع اسرائيل جُمّدت منذ عام 2010 وسط هواجس مريرة لدى الفلسطينيين بشأن بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

البحث عن الأراضي

الإغراء العقاري يصبح واضحا من خلال النظر من نوافذ الطابق العاشر الفخم لمكتب كريم عبد الهادي، مدير شركة فلسطين للتنمية والاستثمار المحدودة، أو باديكو، أكبر المشاريع المملوكة للقطاع الخاص في الأراضي الفلسطينية وشركة قابضة في كل شيء من المطاعم والفنادق الفخمة إلى العقارات والبناء.

الأبراج الاسمنتية ترتفع من الأرض في قلب مناطق خضراء فارغة – يصفها عبد الهادي ب"بقع صلعاء" – وتعتبر الى حد كبير خارج صلاحيات الإدارة والبناء الفلسطينية وفقا لاتفاقات اوسلو لعام 1994 التي تحدد مناطق مختلفة من السيطرة في الضفة الغربية.

الجدار الذي تبنيه اسرائيل يلوح في المشهد – جزء من الجدار الذي تبنيه اسرائيل وتقول أنه يضمن أمنها ضد الانتحاريين ولكن محكمة العدل الدولية تقول انه غير قانوني ويشجبه الفلسطينيون باعتباره استيلاء على أراضيهم. وفي حين تسيطر اسرائيل على مفاصل التجارة، لكنها نعمة لسوق العقارات.

"الأرض في فلسطين هي واحدة من أكثر الاستثمارات أماناً، لسببين أن اتفاقية أوسلو جعلتها نادرة، ولأن سعرها تاريخياً لم ينخفض أبداً"، يقول عبد الهادي.

"الشيء نفسه لا ينطبق على العقارات، ورغم أن قيمتها لم تنخفض، إلا أن بعض المشاريع الإسكانية فارغة، والناس لم يشتروها بعد."

شركة عبد الهادي تستثمر في نادٍ فخم للأعضاء فقط ومنتجع صحي مع إطلالة على ساحل البحر الأبيض المتوسط الجامح، ويستورد من مطعم فاخر في الأردن، ولكن آفاق المشاريع التي من شأنها أن تخلق عددا كبيرا من فرص العمل وتحفز النمو باتت باهتة.

قطاعات مثل الزراعة والتصنيع والبناء انكمشت في الربع الأول من هذا العام، وفقا للارقام الاولية من البنك الدولي.

"إن المشكلة تكمن في البيئة الاستثمارية غير الودية، والناجمة عن جدار الاحتلال الاسرائيلي وقيود الحركة والوصول، هذا يجعل المستثمرين غير واثقين من جلب المال إلى فلسطين"، يقول محمد اشتية، الوزير المسؤول عن المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار.

تدار حوالي ثلثي الضفة الغربية إدارياً وأمنياً وبشكل حصري من قبل اسرائيل، بينما تطفو الكانتونات التي يديرها الفلسطينيون غير مستقرة في فسحة من المستوطنات الإسرائيلية والقواعد العسكرية والطرق.

لكن اشتية يعترف أن حكومته تستحق اللوم أيضا.

"إن السلطة الفلسطينية ليست هي المالك لوسائل الإنتاج، لكن كان ينبغي لها أن تشجع المزيد من الاهتمام من جانب القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر في تطوير القاعدة الانتاجية هنا"، حسب قوله.

"أمركة"

إضافة لاحتلال الأراضي ومحدودية المياه، حتى موجات الهواء في الضفة الغربية لا توفر منفذاً آمنا للنمو الاقتصادي.

تمنع السلطات الاسرائيلية السلطة الفلسطينية وبالتالي شركات الهاتف المحمول من الحصول على تردد الجيل الثالث 3G عالي التقنية، في حين تم منحها حتى للمستوطنات اليهودية.

يقول سام بحور، رجل الاعمال الذي تحول الى مستشار للاتصالات التجارية، أن أي احتمالية لصناعة التكنولوجيا المتقدمة قد تم احباطها بهذه الخطوة.

"اسرائيل تسيطر وبشكل كامل على الأصول التي يمكن أن تفضي لاقتصاد حقيقي، وقد تُركنا لإدارة الفتات،" يقول (بحور). مضيفاً "انه اقتصاد يعتمد على مساعدات المانحين، وسيبقى كذلك حتى انتهاء الاحتلال."

المنظمات الدولية ومؤسسات القطاع العام تتركز في رام الله، التي يقطنها 75000 نسمة، على حساب سحب فرص العمل والثروات من بقية الضفة الغربية إلى مدارها، تاركة غيرها من البلدات والمدن في ظلها.

الفقر والبطالة ازدادت في الضفة الغربية عام 2012، وكلاهما في يؤثر على نحو خمس السكان البالغ 2.6 مليون نسمة.

"ان الحكومة تركز على النمو بغض النظر عن كيفية تحقيق ذلك، المهم أن يؤدي ذلك إلى استحسان الخارج،" كما يقول ناصر عبد الكريم المحلل الاقتصادي لوكالة رويترز.

"لسوء الحظ، الكثير من ذلك يعتمد على الإنفاق الحكومي، والذي هو متعادل (متساو)، وليس توزيع الثروة بين الناس والمناطق الجغرافية"، كما يقول.

كما يفسد الانقسام بين قطاع غزة والذي تديره حركة المقاومة الاسلامية حماس، وحزب الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح في الضفة الغربية، والتفاوت في الثروة والانشغال بتدبير أمورهم، إلى زيادة العداوة بين الناس، والموجودة أصلاً وبالفعل.

"المديونية والمشاكل المالية تؤثر سلبا على المجتمع، وتجعل الناس "يتأمركون"

بطريقة ما" يلاحظ المستشار بحور.

"إن التركيز على الفرد وملكيته آخذة في الازدياد، والإحساس بالانتماء للمجتمع والجماعة يتلاشى".

وكالة رويترز

7 يوليو 2012

ترجمة مركز الشؤون الفلسطينية – لندن

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.