أوروبا وإسرائيل

رسائل سرية تكشف عن معارضة داخلية لسياسة أوروبا تجاه إسرائيل

: 2/8/24, 3:14 PM
Updated: 2/8/24, 6:51 PM
مئات الموظفين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يطالبون بتغيير سياسات حكوماتهم مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة
مئات الموظفين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يطالبون بتغيير سياسات حكوماتهم مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة

وقع نحو 900 من الموظفين الحكوميين والمسؤولين والدبلوماسيين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا على رسالة تطالب حكوماتهم بتغيير سياساتها تجاه إسرائيل. فهل تتم الاستجابة لمطلبهم هذا؟من داخل مكتبها في قلب لاهاي، اعتادت الدبلوماسية الهولندية أنجيليك إيبي أن تقضي أيامها في رسم استراتيجيات مستقبل السياسة الخارجية الخاصة ببلدها طوال حياتها المهنية الممتدة لأكثر من عقدين من الزمن. وخلال مشوارها المهني، عملت أنجيليك كنائبة لسفير هولندا في سلطنة عمان وانخرطت في سياسات الشرق الأوسط.

ورغم خبرتها الكبيرة، إلا أن أنجيليك باتت الآن بلا عمل حيث قررت في يناير / كانون الثاني الماضي الاستقالة من وظيفتها في الخارجية الهولندية احتجاجا على رد فعل حكومتها إزاء الحرب بين إسرائيل وحماس. وفي مقابلة مع DW عبر الهاتف، قالت أنجيليك “أنا العائل الرئيسي لأسرتي، لكني أبلغت زوجي بأنني لا يمكنني أن أكون جزءا من هذا بعد الآن لأن نزاهتي الشخصية والمهنية باتت على المحك”. وقبل استقالتها، شاركت الدبلوماسية الهولندية في تنظيم اعتصامات بشكل أسبوعي أمام المباني الحكومية في لاهاي للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.

يشار أن حركة حماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

وفي بيان مشترك صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وصفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي الذي قامت به حماس داخل إسرائيل بأنه “الهجوم الأكثر دموية ضد اليهود منذ المحرقة”. وعلى وقع الخشية من أن يؤدي وقف إطلاق نار فوري إلى تشجيع حماس، ترددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في دعم الطرح رغم أن العديد من الدول الأوروبية أيدت دعوات وقف إطلاق النار بشكل أحادي الجانب. في المقابل، دعا التكتل الأوروبي إلى إنشاء “ممرات إنسانية وهدنة” في غزة.

ودعا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى زيادة وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة مع دق ناقوس الخطر إزاء الوضع المتردي الذي يعاني منه سكان القطاع. وتعد الولايات المتحدة من أكثر الدول الداعمة لإسرائيل فيما يتعلق بالدعم العسكري، فيما استمرت صادرات الأسلحة إلى إسرائيل من العديد من دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك هولندا وألمانيا.

“مخاوفنا”

ورغم أن الدبلوماسية الهولندية أنجيليك إيبي باتت عاطلة عن العمل، إلا أن جدول أعمالها مزدحما بشكل كبير حيث انخرطت في العمل مع دبلوماسيين سابقين آخرين من هولندا والولايات المتحدة للتواصل مع دبلوماسيين غاضبين من الحرب.

وأصدر 800 موظف حكومي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الجمعة (2 فبراير / شباط) رسالة مفتوحة – دون الكشف عن هويتهم – تحث حكوماتهم على تغيير المسار. وقال الموقعون في رسالتهم: “لقد أعربنا داخل أماكن العمل عن مخاوفنا من أن سياسات حكوماتنا/ مؤسساتنا لا تخدم مصالحنا..وقد تغلبت الاعتبارات السياسية والأيديولوجية على مخاوفنا المهنية”.

وقالت أنجيليك إنه منذ نشر الرسالة، ارتفع عدد الموقعين إلى ما يقرب من 900 شخص. وقال أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي الذي صاغ الرسالة إن هناك “ثقافة صمت” داخل المكاتب الحكومية. وأضاف المسؤول في مقابلة مع DW عبر الهاتف شريطة عدم الكشف عن هويته، أن الأشخاص الذين يتحدثون علنا “يُنظر إليهم باعتبارهم نشطاء عاطفيين للغاية”. وقال المسؤول الذي تمتد خبرته المهنية لأكثر من 14 عاما في مجال الخدمة المدنية والتوظيف والتكامل الاجتماعي، إنه عمل من وراء الكواليس على إنشاء مجموعات على تطبيق “واتس آب” بهدف جمع المسؤولين الأخرين الذين يتقاسمون الرأي نفسه.

وفي الرسالة، كتب موظفو الخدمة المدنية أن الحكومات الغربية دعمت إسرائيل “دون شرط أو مساءلة. ثمة لخطر منطقي من أن سياسات حكوماتنا تساهم في وقوع انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي”.

وقالت أنجيليك إن الرسالة وقعها مسؤولون من ألمانيا وبلجيكا وفنلندا والمملكة المتحدة وفرنسا والسويد ومؤسسات داخل الاتحاد الأوروبي، فيما لم تتمكن DW من التحقق من هويات الموقعين أو عددهم. ونظرا لأن حكومات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توظف مئات الآلاف داخل سلك الخدمة المدنية، فإن توقيع 900 موظف على الخطاب يمثل أقلية ضئيلة، لكنه يعد أكبر وثيقة احتجاجية رسمية حتى الآن.

وأضافت أنجيليك “أعتقد أن (الخطاب) يمثل قمة جبل الجليد”، مضيفة أن مسؤولين أمريكيين يشعرون بالقلق بشكل خاص بشأن التوقيع على الرسالة بسبب محدودية الحماية التي توفرها وظائفهم.

يشار إلى أن تقارير كشفت الشهر الماضي عن أن أكثر من 1500 مسؤول وموظف في الاتحاد الأوروبي وقعوا على رسالة تدعو إلى فرض حظر على الأسلحة الموجهة لإسرائيل فيما ذكرت قناة الجزيرة القطرية في أكتوبر / تشرين الأول الماضي بأن رسالة أخرى وقعها 800 من موظفي التكتل الأوروبي أشارت إلى أن “الاتحاد الأوروبي يخاطر بخسارة كافة مصداقيته” بسبب تعاطيه مع الصراع.

إسرائيل ترفض الاتهامات

ورفض مسؤولون داخل إسرائيل الاتهامات التي حملتها الرسالة بما ذلك الاتهام بإن إسرائيل لم تظهر “أي حدود” في عملياتها العسكرية في غزة. وأكد المسؤولون الإسرائيليون أن الجيش الإسرائيلي “يفعل كل ما في وسعه للحد من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة”.

وقال الموقع الإلكتروني للجيش الإسرائيلي إن “حماس تستغل هذه الجهود من خلال تشجيع المدنيين الفلسطينيين على تجاهل تحذيرات الجيش الإسرائيلي”، مستشهدا بإرسال رسائل نصية ومكالمات هاتفية وإسقاط منشورات من قبل الجيش الإسرائيلي إلى السكان المدنيين في غزة.

وردا على الخطاب الذي وقعه مئات المسؤولين في أوروبا وأمريكا وبريطانيا، قال مسؤول إسرائيلي لـ DW في بروكسل إنه “ليس من السهل في هذا التوقيت الذي تمر به بلادنا أن نرى بعض الأفراد يختارون موقفا معادٍ”. وقال المسؤول “إنهم يحاولون استغلال الوضع وربما يحاولون تدمير علاقات العمل الجيدة بيننا وبين بلدانهم وتقويض كافة الانجازات التي حققناها حتى الآن. إنه لأمر مؤسف، لكننا لا نعتقد أن هذا الأمر يعكس رأي كافة شعوب هذه الدول”.

النقاش مستمر

ويبدو أن عددا من وزارات الخارجية في أوروبا والولايات المتحدة باتت تدرك حالة السخط المتنامية داخل أروقتها. وفي بيان لـ DW ، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الهولندية إنه “من الطبيعي أن يكون هناك نقاش مجتمعي حول الصراع بين إسرائيل وحماس وهذا النقاش تشهده وزارتنا. نشعر أنه يجب أن يكون هناك مجال لهذا النقاش ونشجع الموظفين على الدخول في حوارات داخلية”.

وأضاف الناطق “جرى تحديد سياسة الوزارة من قبل وزرائنا (بعد أخذ المشورة من موظفي الخدمة المدنية) والبرلمان يُساءل الوزراء”. وقالت وزارة الخارجية الألمانية لـ DW إنها “اُحيطت علما” بالرسالة فيما أفادت المفوضية الأوروبية بانها “تدرسها”. وفي تصريح لـ DW، قال متحدث باسم الخارجية البريطانية إن بلاده “تريد رؤية نهاية للقتال في غزة في أقرب وقت ممكن وسوف تواصل الدعوة إلى احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين.”

انقسامات داخل الاتحاد الأوروبي؟

وفي مقابلة مع DW، قال ميهايل شيهايا، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز السياسة الأوروبية، إن الرسالة وغيرها من خطوات يمكن أن “تزيد الضغوط على صناع القرار الأوروبي والأمريكي للضغط من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وتمهيد الطريق أمام إيجاد حل طويل الأمد”.

لكنه قال إن الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي ربما تعرقل العمل المشترك، مضيفا “سيواصل التكتل الأوروبي نضاله من أجل التحدث بصوت واحد بشأن الصراع في غزة”. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي بذل خلال الأسابيع الأخيرة الكثير من الجهد للوساطة من خلال اجتماعات جمعت مسؤولين عرب وإسرائيليين وفلسطينيين لمناقشة سبل التوصل إلى حل الدولتين.

وقال شيهايا إن هذه الخطة في “حاجة إلى دعم قوي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي حاجة للحصول على موافقة إقليمية لاتخاذ خطوات عملية نحو تنفيذها. عدا ذلك فإنها ستكون مجرد حبر على ورق”.

أعده للعربية: محمد فرحان

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.