الكومبس – أوروبية: خلال السنوات الأخيرة بدأ المسلمون في ألمانيا يلمسون قرب بداية شهر رمضان وأجوائه الروحانية من خلال أرفف محلات ألمانية أيضاً. فماذا يعكس هذا التوجه؟ وكيف يقيمه مسلمون وألمان؟ هل هو تسليع للمناسبة أم تعزيز للتقارب الثقافي؟

قبيل بدء شهر رمضان خصصت محلات ألمانية شهيرة في ألمانيا رفوفاً وضعت عليها زينة رمضانية وأنواعاً مختلفة من التمور وحلوى الكنافة وغيرها من الأطعمة ذات الشعبية الكبيرة في هذا الشهر. وعلى رأس هذه المحالات سلسلة محلات “ألدي” Aldi التي تأسست العام 1913، وتعد أكبر محلات تجارة التجزئة في ألمانيا ولها فرعان: ألدي الشمال Aldi Nord وألدي الجنوب Aldi Süd.

هذا العام تعرض متاجر “ألدي” تقويم رمضان في حوالي 2000 فرع من فروعها في جميع أنحاء ألمانيا. في السنوات السابقة، كانت سلسلة المحلات الألمانية تكتفي بتهنئة عملائها المسلمين بشهر رمضان عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. إضافة إلى نشر وصفات متنوعة لأكلات خاصة برمضان وهذا العام تم نشر أول وصفة منذ حوالي أسبوع تقريباً كما يظهر على حساب “ألدي” على موقع “إنستغرام”.

بعض المحلات الألمانية بدأت خوض هذه التجربة بشكل خجول خلال الأعوام الماضية، مثل سلسلة محالات “فولفورت” التي لها أكثر من 800 فرع في ألمانيا. وهو ما أكده المتحدث الإعلامي للسلسلة، رولاند ريسل، في حديثه لـDW عربية “لقد عرضنا بالفعل بعض المنتجات الخاصة بشهر رمضان للمرة الأولى في العام 2023. وكان المقصود من تجربة البيع هذه أن يكون ذلك بمثابة اختبار لتحديد الطلب الأساسي لعملائنا. وقد حظيت هذه المنتجات بشعبية كبيرة بين عملائنا وموظفينا، ولهذا السبب قررنا بسرعة تقديم مجموعة من المنتجات الخاصة برمضان أيضاً في العامين 2024 و2025. وقد تم تطوير مجموعة واسعة بمساعدة موظفينا المسلمين وموردينا الذين يوفرون لنا البضائع من تركيا ودول عربية أخرى”.

بين الترحيب والانتقاد

اهتمام المحلات الألمانية ببيع المنتجات الرمضانية خطوة وصفها مسلمون يعيشون في ألمانيا منذ أعوام بـ”الجيدة” وتعكس الوعي المتزايد بالتنوع الثقافي والديني في ألمانيا، كما أوضح الصحفي الجزائري المقيم في ألمانيا، رشدي شياحي في حديثه لـ DW عربية “هذه الوفرة في السلع الرمضانية تلبي احتياجات المجتمع المسلم الذي يشكل نسبة متزايدة من السكان في ألمانيا وتسهل عليه الحياة اليومية من خلال الوصول إلى منتجات خاصة برمضان، مثل التمور، الحلويات، المشروبات وبعض الأطعمة الحلال”.

وترى نادية يقين، باحثة في قضايا المرأة والثقافة والهجرة من معهد الدراسات الشرق الأوسطية بجامعة فيليبس ماربورغ أن عرض السلع الرمضانية في المحلات الألمانية “يسهم في التعريف بهذا الشهر المبارك وبطقوسه، وهذا من شأنه أن يخلق نوعاً من الألفة والتعارف والاحترام والعيش المشترك الذي يقوم عليه الإسلام”. وأوضحت يقين من أن هذا التحول “يعكس من جهة أخرى القوة الاستهلاكية للمسلمين ومساهمتهم في الاقتصاد الألماني، كقوة ليس استهلاكية فقط، بل أيضاً اقتراحية، بحيث يتم أخذ مناسباتها الدينية بعين الاعتبار وتوفير حاجياتها”.

على صفحة محل “تيدي” على فيسبوك، تحظى المنشورات الخاصة بشهر رمضان بعدد أكبر من ردود الفعل من غيرها من المنشورات. إذ تفاعل أكثر من 750 شخص مع منشور حول تقويم رمضان برمز “غاضب”. وهو ما يظهر أنه إلى جانب الترحيب من البعض، ينتقد البعض الآخر هذا الاتجاه ويرون فيه تحولاً في المعنى الروحي للشهر إلى موسم آخر للبيع بالتجزئة على غرار عيد الميلاد.

سونيا ألمانية تعيش في مدينة كولونيا، تقول إنها “لطالما انتقدت الضجة وحمى الاستهلاك المصاحبة للأعياد المسيحية وعلى رأسها عيد الميلاد” وأوضحت لـ DW عربية رأيها بالقول “هي بالفعل أكثر من اللازم بالنسبة لي وأنا لا أحب كل هذا الزخم في التسوق للأعياد، بما في ذلك عيد الحب وما إلى ذلك. لكن إن كان هذا موجوداً، فلماذا لا توجد منتجات شهر رمضان أيضاً من منطلق المساواة. وهذه المنتجات غالباً ما تكون جميلة”.

سيدة ألمانية أخرى، تدعى أورسولا دوميرموث ترى أنها “فكرة جيدة أن يكون إلى جانب تقويم عيد الميلاد، أيضاً تقويم رمضان”. لكنها “غير متيقنة ما إن كان ذلك مناسباً للمسلمين أيضاً”. وبغض النظر عن فكرة التسليع تقول إن هذا “يعكس إشارة إيجابية عن احترام جميع فئات المجتمع وكافة الأديان”.

تعزيز التقارب الثقافي

وفق رابطة التجارة في ولاية هيسن الألمانية، نقلاً عن تقرير نشره موقع “هيسن شاو” الألماني فإن العرض يختلف باختلاف المنطقة: “في البلديات والمدن التي تقطن فيها نسب أعلى من المسلمين، هناك طلب أكبر على هذه المنتجات، وعلى هذا النحو يتفاعل تجار التجزئة مع العرض. لكن رغم الزيادة الواضحة في المبيعات، فإنها لا تقارن بفترات الأعياد الأخرى مثل عيد الميلاد المسيحي”.

وعند تحليل هذه الظاهرة الاقتصادية في سياقها الاجتماعي يري الباحث في علم الاجتماع، هشام عبيدي أن هذا “دليل على أن الحرية التي يتمتع بها السوق والاقتصاد الألماني وصلت إلى المسلمين واستفادوا منها، تماماً كما استفادت هي منهم. انتشار الرموز الإسلامية مثل الهلال والفانوس في مجال كان حكرا على الرموز المسيحية مثل الصليب هي صورة من صور التحولات التي يعيشها المجتمع الألماني. وهذا الأمر يسهم في تعزيز ظهور المسلمين وحضورهم في المجال الألماني، بعد عقود من المواراة”.

مستهلكون جدد؟

من وجهة نظر اقتصادية تعتمد ألمانيا على سياسة اقتصاد السوق الحر، بمعنى أن السوق يحكمه العرض والطلب وتسود فيه حرية الأفراد والشركات في عرض السلع التي يرونها مربحة، وهو ما يشير إليه الباحث في علم الاجتماع، هشام عبيدي، في حديثه لـ DW عربية “رمضان فرصة أمام هذه المحلات لتحقيق ربح مادي في إطار ما يمكن تسميته “اقتصاد المواسم”، حيث تتغير العروض والسلع المعروضة حسب المواسم، سواء كانت لها علاقة بالدين، مثل شهر مضان وأعياد الميلاد المسيحية، أو لكونها مناسبات ثقافية وفلكلورية وحتى رياضية، على غرار بيع الملابس التنكرية في الكرنفال وأقمصة منتخبات البلدان خلال كأس العالم”. وتابع الباحث في علم الاجتماع “ما حصل هو أن السوق الألماني اكتشف مستهلكين جدد بطاقة شرائية مهمة، وهم المسلمون، خاصة في رمضان الذي أصبح شهر استهلاك بامتياز”.

إلى جانب الزينة والمأكولات الخاصة بشهر رمضان، تعرض محلات “بريمارك” وهي علامة تجارية أيرلندية للأزياء تأسست العام 1969 ولها عدة فروع في ألمانيا “بيجامات العيد” للعائلة. وعن سر هذا الاهتمام بأزياء العيد، أوضحت المتحدثة باسم العلامة التجارية في ألمانيا، يانا بولا، أن “التنوع هو فلسفة الشركة. يعمل لدينا حالياً أكثر من 4000 شخص في 27 متجراً في ألمانيا من أكثر من مئة جنسية مختلفة. ونحن نأخذ هذا التنوع بعين الاعتبار في منتجاتنا الخاصة بشهر رمضان. في ألمانيا، نقدم منتجات رمضان، مثل بيجامات العيد العائلية، في عشر فروع في جميع أنحاء ألمانيا”. وعن حجم الإقبال أشارت بولا إلى أن هذه المنتجات تحظى بشعبية كبيرة لدى العملاء وسيستمرون في تقديمها مستقبلاً”.

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية وDW