روسيا وتحديات التخفيف من التبعية للنفط وتحديث الاقتصاد

: 9/17/12, 2:58 AM
Updated: 9/17/12, 2:58 AM
روسيا وتحديات التخفيف من التبعية للنفط وتحديث الاقتصاد

تزداد المخاوف من تعرض روسيا لأزمة اقتصادية طاحنة بعد تراجع أسعار النفط، وتوقعات بهبوط سعر البرميل إلى 50 دولارا في حال خروج اليونان من منطقة اليورو، وتحتم التغيرات في أسعار النفط والتغيرات في سوق الطاقة العالمية على الحكومة الروسية الاسراع في تحديث الاقتصاد وتخفيف اعتماده على النفط، إضافة إلىالتنسيق مع كبار منتجي الطاقة العالميين.

تزداد المخاوف من تعرض روسيا لأزمة اقتصادية طاحنة بعد تراجع أسعار النفط في الشهور الثلاثة الأخيرة بنحو 30 في المئة، وتذبذبها حول 90 دولارا للبرميل، في انتظار مآلات حلول الأزمة الاقتصادية في أوروبا، ودق كثير من الخبراء نواقيس الخطر من تعرض روسيا لأزمة طاحنة في حال تحقق السيناريوات الأسوأ وهي تراجع الأسعار إلى نحو 50 دولارا، وحينها سوف تجد روسيا نفسها أمام عجز كبير في الموازنة، وعدم قدرة على الوفاء بالإلتزامات الاجتماعية، والوعود الانتخابية التي قطعها الرئيس فلايمير بوتين أثناء حملته الانتخابية.

الرئيس بوتين وإن طمأن مواطنيه، وأشار إلى وجود احتياطات مالية كبيرة تتجاوز 640 مليار دولار، إلا أن رسالته الأخيرة حول التوجهات العامة للموازنة الثلاثية 2013-2015 تشير بوضوح إلى تخوفه من التداعيات المحتملة للموجة المقبلة من الأزمة الاقتصادية العالمية، فمن ناحية أكد أن الدولة تستطيع دعم القطاعات المنتجة في الاقتصاد، لكنه دعا في المقابل إلى مراجعة حجم النفقات الحكومية وامكانية تقليصها، دون المساس بالأجور والإعانات.

روسيا والاعتماد على النفط..

بالأمس حدد الرئيس بوتين أمام حكومة دميتري مدفيديف مهمتين من الواضح أنها لا يمكن الجمع بينهما في السنوات الثلاث المقبلة إلا باستخدام مدخرات روسيا من العملات الصعبة وموارد صندوقي الاحتياط والرفاه، فالرئيس طالب الحكومة بتنفيذ الوعود الانتخابية، وعدم تأثر مستوى حياة المواطنين والمساعدات في الموازات المقبلة، وفي ذات الوقت شدد على ضرورة تقليص الاعتماد على استخراج الخامات وتسويقها في الخارج، والتركيز على تنمية الصناعات التحويلية وتلك المعتمدة على التقنيات العالية.

ومن عام إلى آخر يزداد تأثر الاقتصاد الروسي والموازنة بالعوامل الخارجية، وانعكاساتها على أسعار النفط والغاز اللذين يمدان الموازنة الروسية بأكثر من 55 في المئة من وارداتها، وفي العام الماضي استطاعت روسيا التغلب على مشكلات الموازنة، والتفت المسؤولون عن مهمة تحديث الاقتصاد، وتخفيف اعتماده على تصدير الخامات. وزادت الحكومة من حجم المصروفات على الجوانب الاجتماعية على أبواب الانتخابات التشريعية والرئاسية، وساعدها في ذلك ارتفاع أسعار النفط وبلوغه أكثر من 124 في منتصف مارس/ آذار الماضي، ومكن ارتفاع أسعار النفط روسيا من تحقيق فائض في موازنة العام 2011 يقدر بنحو(0.8) في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بعد توقعات سابقة بعجز قدره (1.3) في المئة.

الأوضاع العالمية والوعود الانتخابية…

لكن أوضاع الاقتصاد العالمي الحالية تلعب ضد الحكومة الروسية فأسعار النفط تراجعت إلى نحو 90 دولارا، ويغلب التشاؤم على مختلف التوقعات وخصوصا في حال خروج اليونان من منطقة اليورو، أو اشتداد الأزمة في بلدان أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال، وفي حال تراجعت أسعار النفط إلى نحو 50 دولارا، سوف يجد صناع السياسة النقدية والمالية أنفسهم أما خيارات صعبة أحلاها مر، فإما ضخ مزيد من الدولارات لدعم الروبل حتى لا يواصل مسيرة الهبوط الحر التي بدأها منذ بداية مايو/ أيار وخسر جراءها حتى الآن نحو 15 في المئة من قيمته، وحينها تخسر روسيا مبالغ مهمة من احتياطاتها الأجنبية، وموجودات صناديقها السيادية. وفي حال عدم دعم الروبل فإن التضخم يمكن أن يسجل مؤشرات قياسية قد تصل، حسب خبراء، إلى عشرين في المئة، في حال تراجع سعر صرف الروبل إلى أربعين روبلا مقابل الدولار، كما يؤدي ذلك إلى تآكل نمو الأجور الحقيقية. وبين هذا وذاك لن تستطيع الحكومة انجاز مهمة تحديث الاقتصاد وتخفيف اعتماده على النفط على المدى القريب.

ومن غير المرجح أن تفلح الحكومة في التخفيف من تأثيرات تبعات الأزمة المقبلة بالاعتماد على مبلغ 200 مليار روبل(6 مليارات دولار بسعر الصرف الحالي)، التي أعلن وزير المال الروسي أنطون سليوانوف منذ أيام أن الحكومة خصصت هذا المبلغ من موارد صندوق الاحتياط من أجل دعم الطبقات الاجتماعية الأفقر، والمؤسسات المالية، وللتذكير فإن الأزمة الماضية في 2008 كلفت روسيا أكثر مابين 200 و300 مليار دولار حسب تقديرات مختلفة، كما لا يجب أن نغفل أن الوعود الانتخابية للرئيس بوتين وحدها تصل حسب بعض التقديرات إلى نحو (4.8) ترليون روبل، أو ما يعادل (1.5) في المئة من حجم الناتج المحلي الاجمالي سنوياً، في سنوات رئاسة بوتين الست، ومن أجل تنفيذ هذه الوعود فإن السعر المطلوب للنفط هو 100 دولار للبرميل، وفي حال انخفض السعر إلى 80 دولارا فإن احتياطات روسيا لا تكفي أكثر من عام واحد لدعم الموازنة.

النفط نعمة أم نقمة…

يجمع كثير من الخبراء أن تراجع أسعار الطاقة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي لعدب دورا رئيسا في انهيار الاتحاد السوفيتي، وفشل إصلاحات غورباتشوف، وفي العام 1998 شهدت روسيا أزمة عاصفة وضعت البلاد على شفا الافلاس إثر تراجع الطلب على النفط وهبوط أسعاره عقب أزمة النمور الآسيوية، وفي الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 تأثرت روسيا كثيرا بعد تراجع أسعار النفط إلى حدود 35 دولارا للبرميل.. ولايجد المتتبع لأوضاع روسيا صعوبة في اكتشاف ازدياد اعتمادها على موارد النفط والغاز، عاما بعد آخر، ما يؤخر مشروعات تحديث الاقتصاد وتنويعه، ويجعلها عرضة للتأثر بالعوامل الاقتصادية والسياسية الخارجية، ورغم ادراك كل القيادات والحكومات الروسية ضرورة القيام بخطوات جديد للتخلص من التبعية لصادرات موارد الطاقة، فإن الواقع يشير إلى عدم انجاز هذه المهمة الملحة، رغم توفر امكانات كثيرة في حال ضخ استثمارات في الصناعات التحويلية، والزراعة والثروة الحيوانية، وغيرها.

تحديث الاقتصاد والتنسيق مع كبار منتجي النفط…

من نافلة القول إن الحكومات الروسية المتعاقبة ماطلت في تنفيذ سياسات واضحة لتحديث الاقتصاد وتخفيف اعتماده على موارد النفط والغاز، وتكبدت روسيا خسائر كبيرة جراء عدم وجود مناعة كافية لاقتصادها للتخفيف من آثار الأزمات العالمية. ولا يكفي في هذه المرة التأكيد على أن روسيا جاهزة لمواجهة الأزمة، والمطلوب هو المباشرة في تحديث الاقتصاد الروسي وتنويع موارده وهو ما يقتضي سن قوانين مشددة لمحاربة الفساد، والعمل على تنفيذها لقطع دابر الفساد، وهو ما يساعد على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية اللازمة ماديا وتقنيا لرفع سوية الأداء الاقتصادي، وتسهيل بيئة فتح الأعمال ومحاربة البيروقراطية، وتوجيه جزء من موارد الصناديق السيادية والاحتياطات النقدية من أجل تحسين البنية التحتية، واطلاق مشروعات زراعية وصناعية في أصقاع روسيا مترامية الأطراف، وتشجيع قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة.

وعلى المدى المنظور لا بد لروسيا من التنسيق مع بلدان أوبك وكبار منتجي النفط العالميين من أجل الحفاظ على مستوى معقول للأسعار، وعلى الدبلوماسية الروسية اقناع كبار منتجي النفط العالميين أن الضرر لن يقتصر على روسيا التي تريد 115 دولارا كسعر لبرميل نفطها في السنة الحالية، وأن التأثيرات سوف تطاول الجميع في حال تعمقت الأزمة الاقتصادية، مما يحتم العمل المشترك للخروج بتصور جديد للتنسيق في ظل توقعات بتغير قواعد اللعبة في سوق الطاقة العالمية، وهو ماتشير إليه، على سبيل المثال، زيادة انتاج الغاز من الحجر الصخري في أمريكا ومناطق أخرى، والاستراتيجية الأمريكية للتخفيف من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط كمقدمة للتخلي عن الاستيراد في العام 2035، بعد توقعات بانتقالها إلى تصدير الغاز الطبيعي، وتخفيف ادمانها على النفط بتحول السيارات إلى الغاز ومصادر بديلة أخرى، إضافة إلى تسارع جهود مختلف دول العالم من أجل تطوير مصادر بديلة للطاقة تخفف من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

سامر الياس

روسيا اليوم

30 يونيو 2012

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.