امتلأت عربة مشتريات نذير خطيب في متجر حكومي في حي الميدان أحد الدمشقي بكل شيء من الأرز التايلاندي إلى خلاط فواكه مصنوع في الصين وكلها أشياء معروضة بأسعار مخفضة تقل كثيرا عن أسعارها في متاجر أخرى قريبة.
امتلأت عربة مشتريات نذير خطيب في متجر حكومي في حي الميدان أحد الدمشقي بكل شيء من الأرز التايلاندي إلى خلاط فواكه مصنوع في الصين وكلها أشياء معروضة بأسعار مخفضة تقل كثيرا عن أسعارها في متاجر أخرى قريبة.
وقال نذير "لم أكن معتادا على الذهاب إلى الجمعيات التعاونية الحكومية لكن الآن فانا احتاج بالفعل للحصول على خصم يزيد على 30بالمئة على أسعار الاحتياجات الأساسية بما فيها حصتي التموينية من الأرز والسكر."
وينفق نذير -وهو أب لستة- من مدخراته القليلة منذ ان احترقت الشهر الماضي ورشة النجارة التي كان يملكها في ضاحية حرستا التي تشهد أعمال عنف يومية تقريبا منذ اندلاع الانتفاضة ضد حكم الرئيس بشار الاسد قبل 15 شهرا.
وبالنسبة للغالبية من محدودي الدخل في سوريا التي يبلغ عدد سكانها نحو 20 مليون نسمة توفر الاسعار الارخص في المتاجر الحكومية التي تعيد إلى الأذهان متاجر الاتحاد السوفيتي السابق بعض الارتياح من التداعيات الاقتصادية للانتفاضة التي عطلت مصادر الدخل بالعملة الصعبة من النفط والسياحة وأدت إلى تراجع قيمة الجنيه السوري.
وكانت متاجر السوبرماركت الحكومية وهي نتاج سياسات التأميم في ستينيات القرن الماضي قد فقدت بريقها بعد تحرير محدود للاقتصاد في عام 2005 والذي زاد من تنوع المنتجات المعروضة في المتاجر الخاصة ما أحدث ازدهارا استهلاكيا.
لكن تلك المتاجر تعود للانتعاش الآن مع اضطرار الحكومة للتراجع عن خطوات باتجاه التحول إلى اقتصاد السوق في إطار محاولاتها لتخفيف المصاعب على الفقراء واحتواء الاضطرابات الاجتماعية.
وقال رجل أعمال سوري وهو عضو في مجالس إدارات عدد من الهيئات شبه الحكومية "السياسة الاقتصادية الآن متعلقة بالأولويات السياسية وبالنسبة لنظام الاسد تمثل الابقاء على السلطة."
وتوقع صندوق النقد الدولي في سبتمبر أيلول الماضي أن ينكمش الاقتصاد السوري بمعدل اثنين بالمئة في 2011 وأن ينمو هذا العام لكنه منذ ذلك الحين استبعد سوريا من توقعاته لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بسبب عدم التيقن بشان الوضع السياسي.
ويقول اقتصاديون مستقلون إن الانكماش الاقتصادي ازداد عمقا وانقطعت أجزاء كبيرة من البلاد الآن عن مراكز الانتاج الصناعية الكبرى بسبب القتال بين الجيش السوري وقوات المعارضين.
وتم التراجع الآن عن خطط اعلنت قبل الانتفاضة بشأن رفع الدعم الحكومي تدريجيا عن البنزين والكهرباء لتخفيف الضغوط على الميزانية.
وقال أحمد اسماعيل الكشك مدير جمعية تعاونية حكومية في منطقة ريف الشام على مشارف العاصمة "خفضنا الأسعار في منافذنا بما بين 15 و25 بالمئة تمشيا مع سياستنا في توفير الاحتياجات الأساسية خاصة المواد الغذائية."
وسيمثل الدعم 30 بالمئة على الأقل من نحو 27 مليار دولار تعتزم الحكومة انفاقها هذا العام وفقا لموازنة عام 2012.
ويقول اقتصاديون ومصرفيون إن الحكومة تسحب من احتياطياتها بالعملة الأجنبية وتطبع نقودا جديدة لتمويل العجز المتوقع رسميا أن يرتفع بشدة إلى نحو 6.7 مليار دولار هذا العام بسبب تراجع حصيلة الضرائب والجمارك وارتفاع تكلفة دعم الطاقة.
ويقول اقتصاديون إن معدل التضخم يبلغ حاليا 30 بالمئة.
ومنذ بدء الانتفاضة في مارس آذار 2011 بدات السلطات حملة متصاعدة على مستوى البلاد على التجار الذين يعيدون بيع غاز الطهي ووقود الديزل بثلاثة أو أربعة امثال سعره الرسمي في السوق السوداء المزدهرة.
وإلى جانب الحد من أسعار السلع الاستهلاكية تدخلت الحكومة من خلال البنوك الحكومية للابقاء على العملة الصعبة النادرة عن طريق الحد من تمويل الواردات وتدخلت بقوة أكبر لدعم العملة المحلية التي خسرت نحو 30 بالمئة من قيمتها منذ اندلاع الانتفاضة.
وكان التحرر الاقتصادي قد فتح البلاد أمام البنوك الاجنبية والاستثمار الخارجي والسياحة وشجع مستثمرين من الخليج على توجيه ملايين الدولارات إلى مشروعات عقارية. واليوم يعاني القطاع الخاص من جراء الأحداث.
وقال مصرفي بارز في دمشق طلب الكشف عن هويته "نشاط القطاع الخاص تراجع لذلك فهم يحاولون خفض الأثر على الاقتصاد عن طريق انفاق المزيد وما سيزيد المديونية بصورة كبيرة."
وقال مصرفيون مقربون من البنك المركزي إن الاحتياطيات بالعملة الأجنبية بلغت ذروتها عند نحو 18 مليار دولار قبل الازمة لكنها انخفضت بحدة في العام الماضي إذ سحبت الحكومة منها لدعم الاقتصاد.
وأشاد الرئيس الأسد في كلمة لحكومته المعينة حديثا الشهر الماضي بدور القطاع العام وقال إن أولوية الحكومة هي معالجة المشكلات الاقتصادية الحقيقية.
ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء عن الأسد قوله "إن كل الظروف السابقة وخاصة الظرف الحالي اثبتت أن القطاع العام ضروري جدا لسورية بكل جوانب حياتها لكن ذلك لا يعني أن نبقي القطاع العام خاسرا وعبئا على الدولة وعلى الموازنة."
ويقول العديد من السوريين إن تحرير الاقتصاد زاد القطط السمان من المقربين من أسرة الاسد ثراء. لكن تراجع الحكومة عن الإصلاحات يثير قلق رجال الاعمال الذين كانوا يشكون منذ فترة طويلة من أن عدم كفاءة القطاع العام والبيروقراطية والفساد من العوامل التي تعوق عمل القطاع الخاص.
وجاء تعيين الشيوعي المخضرم قدري جميل الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة موسكو في منصب جديد هو نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزيرا للتجارة الدولية وحماية المستهلك إلى جانب وزير المالية الجديد محمد الجليلاني الذي درس في روسيا كذلك في العهد السوفيتي ليزيد من قلق رجال الأعمال الراغبين في الإصلاح باتجاه اقتصاد السوق.
ورفعت الحكومة بالفعل أجور العاملين في القطاع العام بدرجة كبيرة العام الماضي ما زاد من العجز واكد جميل على الحاجة لرفع الحد الأدنى للأجور.
واجبرت العقوبات التي تفرضها الحكومات الغربية على البنك المركزي والبنك التجاري الحكومي الرئيسي وشركات تملكها اسرة الاسد سوريا على أن تصبح مكتفية ذاتيا بدرجة أكبر في العام الماضي. وساعد ذلك بالضرورة بعض الصناعات المحلية التي كانت تضررت من تدفق المنتجات الرخيصة من تركيا بموجب اتفاق للتجارة الحرة ابرم عام 2007.
غير ان العديد من الشركات السورية مترددة في الاستثمار في ظل المناخ السياسي والاقتصادي السائد. وتقول الحكومة إنها تريد ان تمضي قدما بسرعة في سن قانون استثمار يعيد طرح حوافز وإعفاءات ضريبية الغيت في 2007 في محاولة لتشجيع الاستثمار.
ودفعت العقوبات سوريا كذلك لاقامة روابط تجارية أوثق مع روسيا. وقال مسؤولون سوريون إن التجارة بين البلدين زادت إلى مثليها العام الماضي لتصل إلى ملياري دولار إذ استوردت سوريا من روسيا القمح والمعدات ومنتجات أخرى كانت تشتريها من الغرب.
كما أبرمت دمشق صفقات مقايضة مع إيران لاستيراد وقود الديزل وغيره من احتياجاتها من الطاقة مقابل منتجات سورية مثل المنسوجات والمواد الغذائية.
وقال مصرفي في دمشق طلب عدم نشر اسمه "انها تسويات قصيرة الأجل أكثر منها استراتيجيات اقتصاد اشتراكي."
وأضاف "السلطات تدرك أن انهيار الاقتصاد سيسرع بسقوط النظام لذلك فهي تقوم بكل شيء ممكن لمنع ذلك – حتى وإن جاء على حساب زيادة العجز والذي لا يعرف أحد حقيقة حجمه سوى الدائرة المقربة من النظام."
رويترز
5 يوليو 2012