سياسة "الخطوة خطوة" بين تشديد العقوبات و"حرب الإرادات"

: 6/18/12, 4:37 PM
Updated: 1/20/17, 3:39 PM
سياسة "الخطوة خطوة" بين تشديد العقوبات و"حرب الإرادات"

تنطلق في موسكو اليوم جولة جديدة من المفاوضات بين مجموعة (5+1)، وإيران، وتسعى الدبلوماسية الروسية إلى التوصل إلى حل وسط بين الغرب وطهران، وتمثل اختبارا جديا لسياسة"الخطوة خطوة" الروسية في مقابل حرب الإرادات التي أعلنتها إيران، وسلاح التهديد بتشديد العقوبات الذي يشهره الغرب لوقف البرنامج النووي الإيراني.

تنطلق في موسكو اليوم جولة جديدة من المفاوضات بين مجموعة (5+1)، وإيران، وتسعى الدبلوماسية الروسية إلى التوصل إلى حل وسط بين الغرب وطهران، وتمثل اختبارا جديا لسياسة"الخطوة خطوة" الروسية في مقابل حرب الإرادات التي أعلنتها إيران، وسلاح التهديد بتشديد العقوبات الذي يشهره الغرب لوقف البرنامج النووي الإيراني.

سقف منخفض للنتائج

وعشية جولة موسكو التي من المقرر أن تتواصل يومي 18 و19 يونيو/تموز الجاري، خفضت جميع الأطراف المشاركة في المفاوضات من سقف التوقعات بحصول إختراق جدي، وأكد مسؤول غربي أن الأسرة الدولية "مستعدة لاتخاذ تدابير متبادلة لقاء خطوات يمكن التثبت منها من جانب ايران"، وشدد في ذات الوقت على ان الدول الست "على موقف موحد للغاية في استراتيجيتها واقتراحاتها".

وتبدأ القوى الكبرى مفاوضات حاسمة في موسكو مع إيرن، قبل أسبوعين من بدء سريان حظر أوروبي تام على استيراد النفط الايراني، وفرض عقوبات أمريكية موجعة جديدة اعتبارا من 28 يوليو/ تموز المقبل على دول تستورد النفط الايراني، وتأمل البلدان الغربية في أن تفلح هذه التهديدات إضافة إلى الضغوط الروسية في اقناع طهران في تقديم رد لإيجابي على اقتراحات تقدمت بها في الجولات السابقة في اسطنبول وبغداد في شهري أبريل ومايو الماضيين، حيث اختلف الطرفان حول أنشطة تخصيب اليورارنيوم بنسبة 20 في المئة، والذي يقرب إيران من مستوى التخصيب اللازم لصنع القنبلة الذرية.

وتطالب مجموعة (5+1) ايران بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، ومبادلة مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب بهذه النسبة بالوقود النووي الذي تحتاج اليه، وتقترح في المقابل تخفيف العقوبات الدولية على ايران والتعاون معها في عدد من المجالات النووية المدنية.

اختبار نجاعة "الخطوة خطوة" الروسية…

تنطلق سياسة موسكو من ضرورة التوصل إلى حلول عبر التفاوض وفق سياسة "الخطوة خطوة"، واستبقت جولة المفاوضات الحالية بجهود دبلوماسية كبيرة، وزار وزير خارجيتها سيرغي لافروف طهران تحضيرا للجولة، واتسمت تصريحات المسؤولين الروس بالحذر فقد قال لافروف نفسه إن مواصلة اللقاءات والحوار، يُعدّ بذاته تقدماً، فيما أعرب نائب وزير الخارجية سيرغي ريباكوف عن اعتقاده أن "الخطوة المقبلة ستحصل في موسكو"، قبل أن يوضح أن الآمال بإنجاح جولة موسكو، تتوقف على قدرة إيران ومجموعة (5+1)على التعامل بإيجابية مع الاقتراحات السابقة، واعتبارها "قاعدة يمكن البناء عليها لتقريب وجهات النظر، للشروع في عملية إعادة بناء الثقة المفقودة بين الطرفين، خصوصاً في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم".

وتسعى الدبلوماسية الروسية إلى تحقيق انتصار يتمثل في تحقيق اختراق مهم في المللف النووي الإيراني، فموسكو الحليفة للإيران تستضيف أول جولة من هذا النوع، بالتزامن مع ازدياد الضغوط عليها بسبب موقفها من الأزمة السورية، ورغم التصعيد الأمريكي في شأن القضية السورية فإن واشنطن تطمح إلى أن تلعب روسيا دورا إيجابيا في الموضوع الإيراني، وتعد الجولة الحالية أول اختبار جدي لطبيعة السياسة الخارجية التي سوف تنتهجها روسيا بعد عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين.

وطالما دعت روسيا إلى اعتماد الحوار والمفاوضات سبيلاً وحيدا لحل الملف النووي الإيراني، لكن السؤال يكمن في قدرة موسكو على اقناع العالم بمواصلة المفاوضات في حال عدم تحقيق أي تقدم، ولجم تهديدات إسرائيل في توجيه ضربات عسكرية على الأهداف النووية، وهو ما يفسر حرص موسكو على تهيئة الأجواء لتحقيق بعض التقدم فهي تدرك تماما أن انهيار الحلول الدبلوماسية يزيد من مخاطر وقوع هجوم عسكري إسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني، وحينها يمكن أن تتسبب بحرب إقليمية واسعة لن تكون موسكو في مأمن من نتائجها، ويمكن أن تهدد حدودها الجنوبية بسبب احتمال حدوث موجة نزوح كبيرة باتجاه بلدان آسيا الوسطى ومن ثم لإلى روسيا، وكذلك حصول خلل كبير في منظومة الأمن في منطقة بحر قزوين، وازدياد عمليات التهريب غير الشرعي، وزيادة نشاط عصابات المخدرات والأسلحة في المنطقة.

ورغم ما سبق فمن غير المستبعد أن تضغط روسيا على إيران وتصعد في لهجتها، وتطالب بإلتزام طهران وقف تخصيب اليورانيوم، وتنفيذ الاتفاقات السابقة من أجل الحيلولة دون تعثر المفاوضات، ما يمكن أن يجره من ويلات على المنطقة، خصوصا في ظل التعقيدات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط.

وتبدو موسكو في موقف لا تحسد عليه فمن ناحية تسعى دبلوماسيتها إلى التأكيد على أنها الطرف القادر على المناورة، وتسهيل التوصل إلى تسويات عبر علاقاتها مع طهران، وتدرك تماما أنها لا تستطيع اقناع الغرب بمواصلة المفاوضات إلى ما لا نهاية، وأن إيران لا تكسب الوقت، كما تخشى من انهيار المفاوضات في حال مارست ضغوطا أكبر على طهران، وطلبت منها إعلانا صريحا بتجميد التخصيب مقابل الحصول على اعتراف واضح بالطابع السلمي للبرنامج النووي.

إيران وحرب الإرادات…

عشية الجولة الحالية وصف رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني ما يجري بين بلاده والغرب بـأنه "حرب إرادات"، واعتبر أن الملف النووي وصل إلى مرحلة "حاسمة ودقيقة"، وشدد في ذات الوقت على أهمية تجنّب "التصريحات الحادة والمتطرفة".

فيما شدد سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي على أن "ايران تتوقع الاعتراف بحقها في الحصول على التكنولوجيا النووية، بينها تخصيب اليورانيوم"، وأعرب عن اعتقاده بأن هذه القضايا "يمكن أن تدفع المفاوضات إلى الأمام"، وأكد قبل أيام على أن طهران ترفض التعاون في ظل وجود تهديدات.

ونقلت وكالة "مهر" عن مصادر في الوفد الإيراني المكلف بالتفاوض في موسكو عدم التفاؤل بنجاح الجولة الحالية، وعزت المصادر ذلك إلى "عدم جدية البلدان الغربية"، وأشارت إلى "طريقة تعامل ممثلي الدول المتحاورة أخيراً، وأثناء محادثات بغداد، وعدم التعاون لعقد اجتماعات تحضيرية، وكذلك عدم امتلاكهم الصلاحيات اللازمة لتقديم اقتراحات جادة اثناء المحادثات، أدى الى انعدام الأمل بتحقيق تقدّم في محادثات موسكو".

كما كان لافتاً تأكيد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان علاء الدين بروجردي أمس على أنه "لا مناص للغرب سوی الاعتراف بالحقوق النووية لإيران، شاء أم أبی"، وإشارة نائب قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، إلى أن "حل أي مسألة سياسية في العالم، ليس ممكناً من دون حضور ايران". وتلويحه بأن "الشباب الإيرانيين سوف يسخرون الفضاء، وستثير الصواريخ الإيرانية رعباً في قلوب الأعداء".

والواضح أن المسؤولين الإيرانيين ينطلقون من عوامل قوة جمعتها طهران في العقد الأخير، على حساب التخبط في السياسة الأمريكية التي خدمت الجمهورية الإسلامية بتصفية نفوذ طالبان في الجهة الشرقية، وفتح المجال لها لأن تكون لاعبا أساسيا في أفغانستان، وكذلك إهاء حكم صدام حسين في العراق الذي يتسع فيه النفوذ الإيراني في شكل واضح. ويشكك الإيرانيون في قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على القيام بضربات عسكرية، لأن هذا يعني الدخول في حرب شاملة، وهو ما لايرغب فيه الناتو الذي قرر سحب قواته في العام 2014، كما أن كلفة الحرب سوف تكون كبيرة على الاقتصاد العالمي بسبب احتمال أسعار النفط إلى أكثر من 250 دولارا للبرميل في حال نفذت إيران تهديدات بإعلاق مضيق هرمز الحيوي بما يمثله من مصدر لنحو 40 في المئة من إمدادات النفط للسوق العالمية، كما تدرك طهران أن أزمة منطقة اليورو تكبل أيدي بروكسل، ولهذا ترى أنه لا سبيل أمام الغرب إلا في اعتماد طريق المفاوضات، والتعامل بسياسة الند للند والابتعاد عن لغة التهديد والوعيد.

وفيما يخص التهديدات الإسرائيلية، فإن المسؤولين الإيرانيين يشككون في قدرة تل أبيب على الإقدام على ضرب الأهداف النووية، لأن العواقب سوف تكون كبيرة على المنطقة مقابل تأخير البرنامج النووي لسنوات لا تتجاوز الثلاث حسب معظم الخبراء.

كما ترى إيران أنها حققت انتصارات دبلوماسية بتبني وجهة نظرها في اختيار مكان انعقاد جولات المفاوضات الأخيرة في اسطنبول، وبغداد، وموسكو، وتعتبر أن موقف موسكو من الأزمة لن يتغير. ومما سبق فإن صناع القرار في طهران ينطلقون من أن على البلدان الغربية التخلي عن اتباع سياسة العصى والجزرة، والكف عن التهديد، والاعتراف بحقها في امتلاك برنامج نووي سلمي، ولكنها في المقابل لا تكف عن بعث إشارت متناقضة حول طبيعة هذا البرنامج آخرها منذ أيام عندما أعلنت عن رغبتها في بناء غواصة نووية تعمل بالطاقة الذرية.

تنفيذ الالتزامات أو تشديد العقوبات…

تخوض الأطراف الغربية جولة موسكو الحالية، بعد نحو ثماني سنوات من العقوبات المتدرجة على إيران لدفعها على وقف برنامجا النووي المثير للجدل، وتأتي قبل أسبوعين من تنفيذ حظر كامل على صادرات النفط الإيراني إلى أوروبا، في خطوة تزيد من متاعب الاقتصاد الإيراني المترنح أصلاً بفعل العقوبات السابقة على القطاع النفطي والمصارف، ويخير الغرب إيران بين حسم أمورها والموافقة على "إعلان موسكو" الداعي إلى أن تعلق إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، ووقف عمليات التخصيب في منشأة فوردو، وإلا فسوف تجد نفسها في مواجهة تنفيذ حظر النفط من منطقة اليورو، إضافة إلى عقوبات مصرفية أمريكية، إضافة إلى إمكانية فقدان أسواق جديدة من النفط بعفل الضغوط الغربية على مستوردي النفط الإيراني.

وتكاد تنعدم إمكانية التراجع لدى قادة الغرب عن خيار العقوبات، لأنها لن تستطيع القبول بإيران نووية، وما يعنيه ذلك من سعي بلدان أخرى إلى الدخول في النادي النووي ردا على هذه الخطوة، وفي مقابل عدم قدرة باراك أوباما على خوض حرب جديدة قبل أشهر من الانتخابات، فإنه لا يجد سبيلا لمواجهة الضغوط من الجمهورية واتهاماتهم له بالتخاذل إلا بفرض مزيد من العقوبات المؤلمة على طهران، وهو ما قد يساعد أيضا على اقناع إسرائيل بعدم جدوى توجيه ضربات للمواقع الإيرانية.

وقت الخيارات الحاسمة..

من غير المتوقع أن تخرج جولة موسكو الحالية بنتائج باهرة، لكن الواضح أنها تضع كل طرف من الأطراف المشاركة أمام مسؤولياته، وتحدد طبيعة المرحلة المقبلة، فعلى إيران أن تحسم أمورها، وتتبنى خيارا صعبا بين الاستمرار في البرنامج النووي الذي حافظت عليه قبل عقد من الزمان، أو مواجهة عقوبات يمكن أن تؤدي إلى انهيار اقتصادها، ويبقى المخرج في أن تنجح سياسة "الخطوة خطوة" الروسية في اقناع الأطراف المختلفة بتقديم تنازلات، وقبول اتفاق مؤقت يقضي بتأجيل فرض العقوبات مقابل موافقة إيران على تخفيض عمليات تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، والتخلص من مخزون اليورانيوم التي تستخدمه في عمليات التخصيب، ووقف عمليات التخصيب بمنشأة فوردو النووية. فهل تنجح موسكو في هذه المهمة؟..

سامر الياس

روسيا اليوم

18 يونيو 2012

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.