الكومبس -تحقيقات: تعتبر أزمة السكن، من أبرز المشاكل التي تواجه اللاجئين في السويد، فما أن يثار هذا الموضوع في الأحاديث، حتى تنهال القصص والروايات العديدة، عن معاناة الكثيرين في حلم إيجاد منزل يأويهم، ليضاف هذا الهم إلى جملة همومهم اليومية المختلفة.
وما يزيد الأمر سوءا هو أن الكثير من اللاجئين، يقعون فريسة طمع وشره بعض من سماسرة العقار، الذين يستغلون أوضاعهم، فيما بات يعرف بالسكن بالأسود، أي الحصول على منزل للإقامة من دون أي عقد قانوني، الأمر الذي يجعل الساكن رهينة لقرار ومزاج صاحب المنزل، الذي يستطيع متى شاء أن يخرجه من عقاره، خاصة إذا وجد مستأجرا آخر قادرا على دفع مبلغ أكبر، هذا فضلا عن العمولة التي يتقاضاها السماسرة والتي يصفها البعض بأنها تفوق الخيال، وتحمل المستأجر أعباء مادية كبيرة.
الكومبس التقت بعضا ممن مروا بهذه المعاناة، كانوا ضحايا استغلال وطمع السماسرة من جهة، وضحايا الظروف التي دفعتهم إلى اللجوء لطرق غير قانونية لتأمين مسكن لهم ولأفراد أسرهم من جهة ثانية، لذلك هم فضّلوا عدم ذكر أسمائهم الحقيقية.
الخوف من الطرد يلازم الكثير من المستأجرين بالأسود
يقول معاذ أحمد إنه منذ أكثر من سنتين وضع أسمه على قائمة الانتظار للحصول على سكن في احدى مناطق مدينة يوتوبوري جنوب غرب البلاد، وحتى الآن لم يصله أي رد.
يتابع: لم أستطع البقاء أكثر في السكن، المخصص للاجئين الذي لا تتوفر فيه أبسط مقومات الحياة اليومية، مضيفاً أنه بعد قدوم أفراد عائلته الآخرين إلى السويد بات من الضروري إيجاد بيت يجمعهم، معتبراً أن هذا الأمر كان بمثابة قضية معقدة، كلفته الكثير من الجهد والوقت، حتى أنها أثرت على عمله الذي اضطر أن يتغيب عنه مرات عدة جراء انشغاله في ايجاد المنزل، وبعد عناء طويل تمكن من خلال أحد المعارف الاستدلال على شخص مقيم في المدينة منذ سنوات طويلة، وعده بتأمين منزل له، لكن مقابل عمولة كبيرة. وبصوت مذهول يتابع معاز حديثه لنا بالقول: لقد صدمت عندما طلب مني مبلغ 25 ألف كرون كعمولة له وما كان أمامي إلا أن أوافق. وفي النتيجة حصلت على بيت يبعد عن المدينة أكثر من ساعة وهو عبارة عن غرفتين مساحتهما 35 متر مربع لي ولإخوتي الأربعة.
وبنظرة مليئة بالتساؤلات والمخاوف ينقل لنا خشيته الدائمة وقلقه المستمر اللذين يمنعانه من النوم بهناء، فهو عرضة في أي لحظة لتقلبات مزاج صاحب البيت، الذي يفاجئه أحيانا بفواتير اصلاحات لم ير شيئا منها، ولكنه مضطر لقبولها لأن الرد الوحيد من صاحب السكن هو: “اذا ما عجبك فيك تطلع، ألف واحد عم يستنى يأخذ مكانك”!
سناء: ” ابتزاز لرفع قيمة الإيجار بالأسود”
قصة معاذ قد تبدو أسهل أمام قصة سناء، التي وقعت في فخ أحد السماسرة كما تقول فهي استطاعت من خلال أحد الاشخاص الذين أمتهن مهنة السمسرة كعمل إضافي، العثور على بيت لها ولزوجها ودفعت للسمسار مبلغ يقارب 10 آلاف كرون فضلا عن 12 ألف كرون مبلغ ايجار شهرين مقدماً للمنزل المؤلف من غرفة نوم كبيرة وصالون صغير، وهي التي حصلت على ضمانات شفهية ووعود بأن البيت لا يريده صاحبه لمدة عام، لتفاجئ بعد ثلاثة أشهر فقط من استئجارها له بطلب المغادرة منه خلال أسبوع بحجة أن المالك غير رأيه وأراد العودة للسكن في منزله.
تقول: ” لقد نزل هذا الطلب عليها وزوجها كالصاعقة، فهما دفعا مبلغا كبيرا من المال إضافة إلى أنهما اشتريا بعض الاثاث الجديد، وما كان من حل أمامها إلا أن رفعا له المبلغ الشهري للإيجار من 6 الى 8000 كرون وهو مبلغ كبير، نظرا لحجم الشقة وموقعها، وكذلك لوضع زوجها المادي الذي لا يكفي راتبه لتأمين مستلزمات المعيشة الضرورية.
ترك عمله لأنه لم يجد بيتاً يسكن فيه
يلجأ البعض إلى ايجاد حل مؤقت عن طريق المشاركة في السكن من خلال استئجار غرفة في شقة أو منزل كبير، هذا الأمر في حال توفره قد يكون ممكنا للأشخاص غير المتزوجين أو الذين ليس لديهم عائلة معهم هنا في السويد، كما يقول أب لطفلتين انتقل الى مالمو للعيش مع عائلة ابن عمه المقيم في السويد منذ سنوات طويلة.
يقول: بعد عدة محاولات فاشلة، وانتظاري طويلاً، تمكنت من خلال أحد الوسطاء العقاريين إيجاد مسكن ملائم، بعد أن دفعت له 15 ألف كرون عمولة على أن يتم استئجاره لعام كامل. لكن وكما كثيرين تفاجأت أن صاحب البيت طلب منه ترك البيت بأسرع وقت لأن أبنه بحاجة إليه، كما يدعي.
يضيف أنه لا يعرف كيف يتصرف وماذا سيحل به وبزوجته وابنتيه اللتين تبلغان من العمر ثلاث سنوات وسنتين على التوالي. وبتنهيدة عميقة يقول لقد خسرت قبل فترة مبلغا قدمته عمولة لأحد السماسرة مقابل الحصول على بيت، لأجد أن البيت الذي أراني إياه لايزال مستأجرا من قبل أشخاص آخرين، في حين انقطع الاتصال بينه وبين الوسيط الذي فر بالمبلغ، ويضيف أنه الآن اضطر إلى مغادرة مدينته إلى أخرى والسكن مع قريبه فضلا عن هذا كله ترك عمله في إحدى المقاهي العربية التي كان يعمل بها لأن لا مكان يأويه!
جمعية المستأجرين: “لابد من الانتظار”
الكومبس تحدثت مع Anna Wennerstrand المسؤولة الاعلامية في جمعية المستأجرين السويدية، والتي قالت إن الإيجار بالأسود هو أمر غير قانوني تضيع عبره حقوق المستأجر وأمواله، وكل ما نقوله لهؤلاء أن لا يقعوا فريسة هذه الأعمال فكل ما عليهم هو الانتظار، فمادام هناك إيجار بدون عقد قانوني، فلا يمكن لأحد أن يدافع عنك ويحصل لك حقك.
وتتابع نعلم أن مشكلة السكن في السويد هي مشكلة عويصة وكبيرة جداً، وقد توجهنا مرارا للسياسيين في الحكومة لمعالجة هذا الموضوع، وبالطبع فأن حله لا يتم بين ليلة وضحاها، لاسيما مع هذا العدد الكبير من اللاجئين.
هاني نصر