عانوا من التمييز..ماذا حدث بالأجانب في أوكرانيا بعد عام على الحرب؟

: 2/25/23, 6:47 AM
Updated: 2/25/23, 6:47 AM
طلبة مغاربة من أوكرانيا في طريقهم للعودة إلى بلدهم!
طلبة مغاربة من أوكرانيا في طريقهم للعودة إلى بلدهم!

الكومبس – أوروبية: عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وجد عشرات الآلاف من الطلاب الأجانب هناك أنفسهم عرضة للتهجير والهرب. عدد منهم توجه إلى فرنسا طلبا للحماية، لكنهم اصطدموا بحاجز المعوقات الإدارية والصعوبات للحصول على تصاريح إقامة. هذا الواقع جعلهم بمواجهة شعور عام من الإحباط واليأس، أجبر بعضهم على المغادرة إلى دول أخرى، فيما بقي آخرون متسلحون بالأمل، يحاولون شق طريقهم وسط كل الصعوبات وفق تقرير نشره موقع مهاجر نيوز الممول من الاتحاد الأوروبي..

هربت فيروزة في آذار/مارس 2022 من أوكرانيا مع اندلاع الحرب هناك ووجدت نفسها في فرنسا. منذ لحظة دخولها الأراضي الفرنسية، حظيت الطالبة الإيرانية باستقبال جيد، فندق أربع نجوم وحمام سباحة وغرف مريحة… لم تشعر فيروزة حينها بأي فرق بينها وبين اللاجئات الأوكرانيات الأخريات اللواتي هربن معها وتم استقبالهن مثلها تماما. تتذكر اللاجئة الإيرانية تلك الأيام قائلة “لقد كان كل شيء رائعا”.

حينها، كانت فيروزة بالنسبة للسلطات الفرنسية ضحية حرب. لكن بعد شهر من وصولها الأراضي الفرنسية، تلقت رسالة من “الصليب الأحمر”، الجهة المسؤولة عن إدارة المساعدات في ذلك الوقت، تفيد بأنها لا يمكنها الاستفادة من وضعية الحماية الفرعية، “قيل لي إنني لم أستوف المعايير للاستفادة من إقامة الحماية، وأنه بات علي تدبر أموري بشكل مختلف”.

واعتمدت فرنسا اعتبارا من آذار/مارس 2022، إجراءات غير مسبوقة لناحية منح الحماية المؤقتة (كما هو الحال في بلدان أخرى في أوروبا) للأوكرانيين الفارين من بلادهم. هذا الأمر أتاح لهم الوصول للمساعدة للحصول على سكن والدعم المالي والعمل والرعاية الصحية والتعليم. التعميم الصادر في الرابع من آذار/مارس، المتعلق بهذه الإجراءات، تحدث أيضا عن دعم “رعايا دول أخرى غير أوكرانيا” إذا تمكنوا من إثبات “أنهم كانوا مقيمين بشكل قانوني في أوكرانيا قبل 24 شباط/فبراير 2022، وفقا لتصريح إقامة دائمة ساري المفعول.

يذكر أنه قبل الحرب، شكلت أوكرانيا نقطة جذب للطلاب الأجانب (حوالي 70 ألف طالب قبل الحرب)، كون تكاليف الدراسة الجامعية فيها كانت منخفضة وكانت تعتمد تسهيلات كثيرة للتأشيرات للطلاب. وكان مهاجر نيوز قد نشر مع اندلاع الحرب سلسلة من الشهادات لطلاب ومهاجرين عرب كانوا مقيمين في أوكرانيا، تحدثوا خلالها عن المصاعب التي واجهتهم قبل الهرب، وبعد وصولهم إلى دول أوروبية عدة.

التمييز ضد غير الأوكرانيين

هذا الامر أدى إلى فرض إجراءات تمييزية بين هاتين الفئتين (الأوكرانيين والأجانب)، طال فئة كبيرة من غير الأوكرانيين. فحسب عبد العزيز موندي، رئيس منظمة “منزل الكاميرونيين في فرنسا” المعنية بدعم المحتاجين من هذه الجالية، “استُقبل الأوكرانيين بالسجاد الأحمر، لكن ليس الطلاب الأجانب”.

مثل فيروزة، تم استبعاد أعداد كبيرة من الطلاب من نظام الحماية، ما اضطرهم إلى التوجه لمحافظات الشرطة في المناطق التي يسكنون بها لتسوية أوضاعهم والحصول على تصاريح إقامة مؤقتة (APS) تجدد كل شهر.

وبالتوازي مع الحصول على تصاريح الإقامة المؤقتة، كان على هؤلاء الطلاب تقديم إثباتات تظهر أنهم كانوا مسجلين في إحدى مؤسسات التعليم العالي في أوكرانيا إلى الجامعة الفرنسية التي يرغبون مواصلة دراستهم فيها. بعد التسجيل الأكاديمي، كان على الطلاب العودة إلى محافظات الشرطة للحصول على تصريح إقامة طالب. بعد كل ذلك، (الإقامة المؤقتة والتسجيل الجامعي وتغيير طبيعة الإقامة)، كان على هؤلاء الطلاب إثبات وجود شخص ضامن لهم على الأراضي الفرنسية ومكان سكن للاستفادة من المساعدة الشهرية المقررة لهم والتي تبلغ 615 يورو.

تلك التعقيدات الإدارية جعلت من حياة أولئك الفارين من الحرب صعبة للغاية. بروسي أوما أتسان، طالبة كاميرونية تبلغ من العمر 25 عاما كانت تقيم في كييف، قالت إنها “في فرنسا، في البداية، لم أفهم أي شيء عن النظام. كنت مرتبكة للغاية. في الليل كنت أبكي دوما”. وصلت بروسي إلى فرنسا في 2022 ووجدت مكان سكن لها مع قريبتها في باريس.

بعد كل ما سبق، تستنتج الشابة الكاميرونية أنه “غير مرحب” بها في فرنسا. فعلاوة على المتاهة الإدارية، كان من نصيب بروسي، ككثير من الطلاب الأجانب القادمين من أوكرانيا، استلام أمر بوجوب مغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF). بعد ذلك، عزلت بروسي نفسها في الشقة، “بقيت في المنزل، لم أخرج سوى إلى السوق القريب، كنت أخشى أن يتم توقيفي وترحيلي”.

أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية

كان عبد العزيز موندي هو الذي تمكن من مساعدة بروسي، التي أضاف ملفها إلى حوالي 480 شخصا آخرين، (ليسوا فقط من الكاميرون، إذ بينهم إيفواريين وكونغوليين وسنغاليين وغينيين وجزائريين ومغاربة…).

في الرابع من تموز/يوليو من العام الماضي، أوقفت السلطات الفرنسية إصدار أوامر مغادرة الأراضي لهؤلاء الطلاب. يتذكر عبد العزيز موندي “في العام الماضي، كان علينا القتال للوصول إلى هذه النتيجة، كان لدينا بصيص من الأمل”.

الآن تتنفس بروسي الصعداء، وباتت تتجرأ على الخروج من المنزل والذهاب لمحافظة الشرطة لمتابعة ملفها. التحقت الشابة بكلية الآداب في جامعة السوربون في باريس. في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حصلت على تصريح إقامة على الأراضي الفرنسية، وما عادت مضطرة لتجديد تصريحها المؤقت شهريا.

تسوية أوضاع نحو 100 فقط

ولكن لم يكن مصير الطلاب الباقين مماثل لمصير بروسي. فمن بين الـ480 شخصا الذين مروا عبر منظمة “منزل الكاميرونيين” على مدار العام الماضي، غادر 225 منهم (النصف تقريبا) فرنسا إلى البرتغال أو إسبانيا أو حتى ألمانيا، كونها دول اعتمدت، في البداية على الأقل، مبدأ الترحيب بجميع الأشخاص الفارين من أوكرانيا دون تمييز. أما من بين الـ255 الذين بقوا في فرنسا، تمت تسوية أوضاع 102 فقط، حسب عبد العزيز موندي.

ولم يتمكن مهاجر نيوز من الحصول على معلومات رسمية من الخدمات الحكومية حول عدد تصاريح الإقامة الممنوحة للطلاب الأجانب النازحين من أوكرانيا.

لكن بالنسبة لبيير هنري، رئيس منظمة “أخوّة فرنسا” (France Fraternités) الممولة من قبل الدولة والمعنية باستقبال اللاجئين، تم إصدار 200 تصريح إقامة للطلاب. ويؤكد “إنه أمر مؤسف، لأن عدد الطلاب الأجانب الذين كانوا في وضع خطيركان أقل من 500 شخص”. ويضيف “لن تنجح عمليات تسليم أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية، لأن هؤلاء الشباب لن يتخلوا عن أحلامهم ومشاريعهم بهذا الشكل”. ويختم مستنكرا “إجراءات تمييزية سخيفة”.

“أنا لست هنا لتلقي المساعدة”

سانوغو بيه، (28 عاما) يتحدر من ساحل العاج، كان من بين الذين تلقوا أمر مغادرة للأراضي الفرنسية في كانون الأول/ديسمبر الماضي. لكن بعد ذلك بأيام، تمكن من التسجيل في إحدى الجامعات الخاصة في ضواحي باريس.

ادعى سانوغو أنه على مدار أشهر عدة، بحث عن مؤسسة أكاديمية ليواصل تعلم الهندسة الكهربائية، والتي درسها لما يقرب من ثلاث سنوات في أوكرانيا، بعد عام أمضاه في تعلم اللغة الأوكرانية. كان لديه عام دراسي أخير قبل التخرج عندما اندلعت الحرب. في فرنسا، أمضى كثيرا من وقته على الهاتف، “كنت غالبا ما أتلقى الإجابات التالية: لا نستقبل طلاب حاليا أو لا يتوفر لدينا الاختصاص الذي تبحث عنه”، هذا عدا عن الرسائل البريدية الكثيرة التي أرسلها لمؤسسات أكاديمية ولم يتلق منها أي رد. وبحسب عبد العزيز موندي، فإن أهم معوقات الالتحاق بالجامعة هي المعايير الخاصة بكل منها ومحدودية الأماكن والوثائق الناقصة في ملفات الطلاب.

“فرنسا لا تريدني”

على الرغم من وضعيته القانونية، مازال سانوغو مقيم لدى منظمة “كواليا” الممولة من قبل الحكومة لإيواء اللاجئين في مدينة ألونسون في النورماندي. يقول “مضى عام تقريبا منذ وصولي إلى فرنسا، أنا محبط للغاية بسبب وضعي، أنا لست هنا لتلقي المساعدة كما يقول البعض، يمكنني أساعد نفسي، أنا بحاجة فقط أن أستكمل دراستي”.

فيروزة الطالبة الإيرانية تسكن أيضا في النورماندي، في مدينة شيربورغ، ولم تتمكن من تسوية وضعها. بعد طردها من الفندق بالقرب من باريس، حصلت على نصيحة من موظف في محافظة الشرطة باعتماد أحد الخيارين: مغادرة فرنسا أو طلب اللجوء، دون أن يذكر إمكانية طلب تصريح إقامة طالب. لم يكن أمامها الكثير من الخيارات، فتقدمت فيروزة بطلب لجوء وأجرت مقابلة في حزيران/يونيو. لكن في كانون الأول/ديسمبر جاءها الرفض، وحاليا هي بطور الاستئناف على القرار.

تتابع فيروزة دراستها في مجال طب الأسنان، دون أن تعرف ما يخبئ لها المستقبل. هذا وضعها في حالة نفسية سيئة إذ دخلت المستشفى لـ10 أيام استنتج الأطباء بنهايتها بأنها مصابة بالاكتئاب. “بلدي (إيران) مقلوب رأسا على عقب، لا يمكنني العودة، وحياتي في أوكرانيا اختفت، وفرنسا لا تريدني على أراضيها”.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.