يبلغ عدد الصناديق السيادية في العالم حالياً أكثر من 650 صندوقاً،وتشير أحدث التقارير الدولية إلى أن موجودات صناديق الثروة السيادية في العالم تتجاوز (5.2) ترليون دولار، أكثر من ثلثها تملكه الصناديق الخليجية التي اتجهت في اللآونة الأخيرة إلى زيادة استثماراتها الداخلية، وتمثل الثورات العربية فرصة إضافية لاستثمارات غير محفوفة بالمخاطر، وتخدم في مجالات عدة.
تشير أحدث التقارير الدولية إلى أن موجودات صناديق الثروة السيادية في العالم تتجاوز 5.2 ترليون دولار، وتصدر جهاز أبو ظبي للاستثمار "أديا" قائمة أكبر الصناديق السيادية إذ وصل حجمه إلى 627 مليار دولار. وحل صندوق التقاعد الحكومي النرويجي ثانياً بموجودات بلغت 611 مليار دولار، فيما جاء ترتيب صندوق الاحتياط الروسي في المركز العاشر بـ150 مليار دولار. وتظهر البيانات الحديثة أن حجم الصناديق السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي يصل إلى 1.7 ترليون دولار، أي أكثر من ثلث حجم الصناديق العالمية، وتتوقع دراسات مختلفة زيادة ثروات الصناديق إلى نحو 13 ترليون دولار حتى العام 2020، ما يعني زيادة أهميتها في الاقتصاد العالمي ورسم خريطة الاستثمارات، وحركة رؤوس الأموال.
ماهي الصناديق السيادية
يبلغ عدد الصناديق السيادية في العالم حالياً أكثر من 650 صندوقاً، ويعود تاريخ تأسيس أول صندوق سيادي إلى العام 1953 في الكويت. وتقدم الحكومات على تأسيس صناديق لتوفير، أو استثمار، فوائضها المالية، ولعبت هذه الصناديق دوراً كبيراً في التخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية في بلدانها في الدرجة الأولى عبر ضخ استثمارات في مشروعات البنية الأساسية، ودعم الموازنات، ومنع أسواق المال المحلية من الانهيار بعد أن عوضت الاستثمارات الأجنبية التي تهاجر نتيجة الأزمات أو الحصول على فرص أفضل في بلدان أخرى. كما ساعدت في التخفيف من الآثار العالمية للأزمة بضخ استثمارات في سندات البلدان الأخرى التي تأثرت جراء الأزمات، وبرز دور الصناديق السيادية واضحاً في إيجاد حلول للأزمة المالية العالمية التي بدأت في العام 2007.
ويلاحظ ازدياد توجه البلدان الناشئة نحو إنشاء صناديق سيادية إذ بلغ حجمها نحو 3.7 أي ما يعادل ثلاثة أرباع حجم الصناديق عالمياً، ويختلف مصدر الوفرة بين بلد وآخر ففي البلدان الخليجية وروسيا يعدّ النفط المصدر الرئيس لزيادة حجم الصناديق. أما الصين فقد رفعت موجودات صناديقها من الفوائض التجارية إثر النهضة الصناعية الكبيرة فيها. وغالبا ما تتوجه الصناديق السيادية إلى الاستثمار في سندات الخزينة الأمريكية وغيرها من السندات الحكومية تجنبا للخسارة رغم قلة مردودها. وبدأت معظم الصناديق تبحث جدياً في زيادة استثماراتها الداخلية، والتخفيف من الاستثمار في أسواق المال إثر التذبذب والخسائر الكبيرة في السنوات الأخيرة. وفي هذا المجال لابد من ذكر التجربة الصينية الجديدة المتمثلة في طرح 500 مليار دولار من صناديقها السيادية للشركات الصغيرة والمتوسطة الأوروبية الراغبة بالاستثمار في الصين. وتزداد شهية الصناديق على الاستثمار في مجالات مختلفة ومتنوعة تتسع من الاستثمار في أسواق المال والسندات مرورا بالعقارات، وصولا إلى شركات الطاقة، والمصارف، والمؤسسات الصناعية الكبرى. وتزداد أهمية الصناديق في ظل الأزمات وعزوف المصارف عن الإقراض، أو رفع نسبة الفائدة.
توجهات جديدة في إدارة صناديق الثروة السيادية الخليجية
وإذا كانت الكويت سباقة إلى إنشاء صناديق سيادية، فإن صندوق أبو ظبي يتربع على قائمة أغنى الصناديق في العالم. كما تضم قائمة أكبر 20 صندوقاً على المستوى العالمي أربعة صناديق من الإمارات وحدها. وتحتل الصناديق الخليجية مراكز متقدمة، ويشير معهد دراسة صناديق الثروة السيادية إلى أن السعودية استطاعت، رغم حداثة عهدها في هذا الاطار، الانتقال إلى المركز الرابع عالميا إذ وصلت موجودات صندوق "سما" إلى نحو 533 مليار دولار.
وتهدف هذه البلدان إلى حماية اقتصاداتها من تذبذب أسعار النفط، ودعم موازاتها حتى لا يتأثر الإنفاق في حال تراجع أسعار الطاقة.
وتكبدت الصناديق السيادية الخليجية خسارات وصلت، حسب مجلة "إيكونوميست" إلى 400 مليار دولار في العام 2008 جراء الأزمة المالية، رغم اتباعها سياسة غير مغامرة في اختيار استثماراتها.
وفيما يبدو استفادة من التجربة، ورغبة في تطوير أداء عمل الصناديق الخليجية تشير بيانات جديدة إلى أن الصناديق غيرت أساليب عملها، وأصبحت تتجه بقوة إلى الاستثمار في الأسواق الداخلية، والشرقية والتخفيف من استثمار موجوداتها في أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما بدا واضحاً في ضخ السعودية نحو 500 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية والتعليم والصحة. ومع أنه لا يمكن إغفال الخوف من انتقال عدوى الاحتجاجات السياسية إلى المملكة ودول الخليج الأخرى، فإن مجرد التوجه إلى الاستثمار الداخلي بهذه الكثافة في القطاعات غير النفطية يعدّ تطورا مهماً يساعد في بناء اقتصادات لا تعتمد بالمطلق على أسعار النفط في الأسواق العالمية. ويمكن أن تنهار بعد نضوبه أو تراجع إنتاجه. كما تسعى الصناديق الخليجية إلى اقتناص صفقات في الأسواق العالمية تنوع حقيبة استثماراتها، وربما يساعدها تراجع شهية المستثمرين في الاقتصادات المتطورة، والأزمة المالية التي تشهدها كبريات المصارف العالمية.
الصناديق السيادية بين السياسة والاقتصاد
يكمن الهدف الرئيس من إنشاء الصناديق السيادية في توفير مدخرات للأجيال المقبلة وتنميتها، والتقليل من آثار الأزمات الاقتصادية على الاقتصادات المحلية، ومعالجة العجز في الموازنة العامة، ومن أجل الوصول إلى هذه الغايات باشر القائمون على هذه الصناديق بدراسة أفضل السبل لذلك، وبدأت عمليات البحث عن استثمارات في الداخل والخارج.
وتكيل البلدان الغربية الاتهامات إلى الصناديق السيادية بأنها تسعى لأهداف سياسية، رغم إقرارها بالحاجة الكبيرة لهذه الأموال في ظل ظروف الأزمة، وبدورها في تجنب كوارث اقتصادية. وتؤكد دراسات بحثية، بعد تحليل 900 صفقة وعملية للصناديق حول العالم، أن الأهداف اقتصادية واستثمارية بحتة. كما تواجه هذه الصناديق تعقيدات في حال قررت الدخول في قطاعات اقتصادية مهمة وخير مثال مصير صفقة دبي للموانئ في الولايات المتحدة، وغيرها، ولعل الأنكى والأمر أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على الصين التي تستثمر أكثر من 1.5 ترليون دولار في سندات الخزينة الأمريكية، ولولا هذا لانهار الاقتصاد الأمريكي برمته، كما تتهم بلدان أوروبية روسيا بالسعي إلى السيطرة على أوروبا وقطاع الطاقة فيها عبر ضخ مليارات الدولارات.
وعند الحديث عن السياسة والاقتصاد في استثمارات الصناديق السيادية لا بد من التوقف عند العلاقات بين الدول وضخ الاستثمارات فهي لعبت وتلعب دورا كبيرا، لكنه ليس حاسما دوماً، خصوصا في ظل توجهات بتبني معايير الشفافية والوضوح في الاستثمارات وزيادة مراقبة البرلمانات والمؤسسات الدولية على عمل هذه الصناديق وتوع استثماراتها.
الصناديق السيادية الخليجية والربيع العربي
تفتح التغيرات الحاصلة في البلدان العربية آفاقا كبيرة للاستثمار في هذه الاقتصادات، لأن التحول سوف يفضي عاجلا أم آجلا إلى صعود أنظمة ديمقراطية تنهي فترة الحكم الشمولي، والحكم الدكتاتوري المدعوم بطبقة من رجال الأعمال المتنفذين، وآخرين برزوا في ظل نظام الفساد والمحسوبية. ويمكن لصناديق السيادة الخليجية أن تلعب دوراً مهماً على عدة صعد. فمن ناحية يمكن أن تستفيد من خلال الاستثمار في البلدان العربية التي تمتاز بوجود أسس لعدد من الصناعات التحويلية والثقيلة مثل وجود المواد الأولية، والأسواق الكبيرة، واليد العاملة الرخيصة والماهرة، ويمكن أن تجني مكاسب للطرفين. كما تستطيع الصناديق الخليجية التخلص من التمييز ضدها في أوروبا والولايات المتحدة التي ترى في قبول الاستثمارات العربية "منة" رغم أنها حاجة لها في المقام الأول. وأخيرا فإن زيادة الاستثمارات العربية – العربية تسهم في بناء فضاء اقتصادي تنعم فيه شعوب الوطن العربي بالرخاء، ويكون نواة لتأسيس فضاء سياسي موحد، يعزز من مكانة المنطقة في ظل العولمة واتجاه إلى تشكيل تكتلات إقليمية ودولية مازال العرب بعيدين عنها.
سامر الياس
روسيا اليوم
16 يونيو 2012