غياب صانع القرار السعودي.. رحل نايف وترك إرثا ثقيلا لخليفته

: 6/18/12, 2:21 AM
Updated: 6/18/12, 2:21 AM
غياب صانع القرار السعودي.. رحل نايف وترك إرثا ثقيلا لخليفته

بقلم: عبد العزيز الخميس

رحل الأمير نايف بن عبد العزيز بعد رحلة طويلة في السياسة وصنع القرار السعودي. من الاسئلة المهمة بعد رحيل الأمير نايف: كيف سيؤثر غيابه على الأوضاع في البلاد؟ الباحث السعودي عبدالعزيز الخميس يستعرض مرحلة "ما بعد نايف". هل ستشهد السعودية تغييرات في استراتيجيات النظام تجاه ملفات مهمة كالإرهاب وحقوق الإنسان والحريات السياسية والاجتماعية؟ هناك دول يتغير قادتها فتتغير سياساتها، وأخرى لديها ثوابت استراتيجية في سياساتها. لكن هذا لا يعني أن لا إمكانية لحدوث تغييرات قد تكون طفيفة لكنها للمراقبين مهمة.

بقلم: عبد العزيز الخميس

رحل الأمير نايف بن عبد العزيز بعد رحلة طويلة في السياسة وصنع القرار السعودي. من الاسئلة المهمة بعد رحيل الأمير نايف: كيف سيؤثر غيابه على الأوضاع في البلاد؟ الباحث السعودي عبدالعزيز الخميس يستعرض مرحلة "ما بعد نايف". هل ستشهد السعودية تغييرات في استراتيجيات النظام تجاه ملفات مهمة كالإرهاب وحقوق الإنسان والحريات السياسية والاجتماعية؟ هناك دول يتغير قادتها فتتغير سياساتها، وأخرى لديها ثوابت استراتيجية في سياساتها. لكن هذا لا يعني أن لا إمكانية لحدوث تغييرات قد تكون طفيفة لكنها للمراقبين مهمة.

المؤسسة الدينية

يمكن للملاحظ أن يرى اهتمام السياسة السعودية بالبقاء ضمن ثوابت مهمة، أولها في الشأن الداخلي ضمان استمرارية التحالف مع المؤسسة الدينية.

ما حدث في عهد الملك عبد الله أن التركيز تم على إصلاح المؤسسة الدينية، لم تكن هناك ممانعة من بعض كبار ورموز المؤسسة فحسب، بل أيضاً ظهر واضحاً وعبر أدلة ومصادر ثانوية أن بعض الأمراء وعلى رأسهم الراحل الأمير نايف كانوا ضد تسريع التغييرات خشية من تفتت الولاء.

ولا ينتظر ان يحدث تغيير يذكر في طبيعة هذه العلاقات؛ فالأمير سلمان لا يختلف كثيراً عن شقيقه الأمير نايف بل هو أكثر مراهنة على ان المؤسسة الدينية هي صمام أمان ودرع واقٍ ضد ما يطلق عليه الفتنة عبر شق عصا الطاعة.

يبدو من القراءة العاجلة للأحداث أن الأمير سلمان وزير الدفاع سيلعب الدور نفسه الذي لعبه الأمير سلطان حيث شكل قوة مهمة وازنت بين علاقة الملك والمؤسسة الدينية.

كان الأمير سلطان يرأس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ولعب دوراً مهماً في حشد تأييد الشيوخ للملك. وتمتع بحنكة وقدرة على ان يصبح مرجعاً مهماً للشيوخ حين يعبرون عن مطالب او اعتراضات. وبدهائه استطاع امتصاص معظم هجمات الغضب، بل إنه وبتعاون مهم مع شقيقه نايف وبتوجيه استراتيجي من الراحل الملك فهد نجح في السيطرة على مخاطر الانشقاقات داخل المؤسسة الدينية.

لم يكن الأمير سلطان بن عبد العزيز بعيداً عن هذا الملف، بل كان منفذاً مهماً لبعض حلقاته، ولا ننسى دوره في معالجة نقمة الشيوخ حول استعمال القوات الغربية لأراضي السعودية أثناء حرب الكويت.

قد ينتقده بعض المعارضين الإسلاميين لقسوته عليهم خلال الاجتماع الذي تم في دار الإفتاء، لكن ما يميز الأمير سلمان هو قدراته المعلوماتية والإعلامية التي يمكن له أن يستخدمها في مهامه المتعددة ببراعة نظراً لخبرته الطويلة.

عُرف الراحل الأمير نايف بهيبة الإنصات والحصول على ما يريده عبر ترك الطرف الآخر يتحدث اكثر من اللازم حتى يصل الحوار للتفاصيل، حينها يقدم الأمير نايف كالصقر للحصول على ما يريده، بينما عُرِف عن سلمان امتلاكه ناصية الحديث وانفتاحه، ولا يعتقد معارضوه ومنتقدوه أنه سيقف عائقا أمام بعض الحريات خاصة الاجتماعية منها كقيادة المرأة السعودية للسيارة.

الإخوان المسلمون

الموقف من الإخوان المسلمين أحد الاسئلة التي تطرح على الساحة السعودية: هل سيستمر الموقف السعودي متشدداً أمام هضم الطروحات الإخوانية داخلياً؟

يعتقد الكثير من المحللين أن الأمير سلمان سيكون اكثر قدرة على المناورة في موضوع العلاقة مع الإخوان، فليس له إرث من التصريحات المتشددة تجاههم، لكن موقف النظام السعودي تجاههم يتمحور حول التنافس على المرجعية؛ فالإخوان يطرحون أنفسهم بديلاً للأنظمة، بينما يؤكد النظام السعودي على مرجعيته الدينية عبر تحالف الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب.

وفي عهد الربيع العربي أخرج الإخوان أسلحتهم فقابلهم النظام السعودي بحزمة "إصلاحات" في مناطق محسوبة على التشدد الإسلامي كالقضاء والتعليم، وبدا إخوان السعودية في حيرة فقد سلبت منهم طروحاتهم المتلبسة بلبوس الاعتدال، وتحول النظام إلى رائد للإصلاحات الإسلاموية.

في الموقف السياسي تجاه صعود نجم الإخوان، لم يستعجل السعوديون في مواقفهم كما فعل القطريون، لكنهم أبقوا الاتصال ورحبوا بمبادرات إخوانية جلها من تونس. وتبدو المخاوف السعودية واضحة حيال علاقات الإخوان مع إيران واندفاعهم للحصول على صك غفران اميركي برز في زيارة الغنوشي لواشنطن ومهاجمة النظام السعودي منها، ليثبت الراحل نايف صدق وقوفه ضدهم، لكن مسارعة القيادة التونسية الإخوانية إلى إرسال رئيس الوزراء الجبالي إلى السعودية لفتح صفحة ود معها لم تقدم الضمانات المطلوبة.

ولم تنجح الوساطات القطرية في التقريب بين النظام الجديد في تونس والسعوديين رغم أن الحكومة التونسية سارعت في حل مشاكل اعترضت مستثمرين سعوديين عانوا من تعطل اعمالهم بسبب طمع الدائرة المحيطة بالرئيس السابق زين العابدين الذي يحتمي في جدة من سلطة النظام التونسي الجديد.

ويمكننا مراقبة الخطوات الإخوانية المستقبلية في تقديم إغراءات للسعوديين، لكن هذه الإغراءات ستعني فشلهم في حال السيطرة على القرار في مصر التي تعتبرها الاستراتيجية السياسية السعودية حجر أساس مهماً، ولو نجح الإخوان في مصر فسيجد السعوديون أنفسهم في حرج، إذ عليهم التعامل مع الإخوان والتفاهم معهم، كما أن نجاح المرشح الرئاسي أحمد شفيق سيريح السعوديين من عبء التخلي عن الإرث النايفي في الصدود تجاه الإخوان.

الإرهاب

تشير الدلائل إلى أن الامير محمد بن نايف سيظل الممسك بتلابيب ملف التعامل مع الإرهاب، في ظل نجاحاته المتعددة وركون الغرب لقدرات جهازه المعلوماتي الضخم والممتد حول العالم.

ولا يستغرب أن يتولى الأمير محمد بن نايف نيابة وزارة الداخلية في حال تولى عمه الأمير أحمد وزارة الداخلية. فقد أثبت الأمير قدرته على الحوار، لكن يظل ملف المعتقلين الذي بدأت حلحلته في عهد والده أحد العوائق أمامه، إلا انه عرف عنه رغبته في التخفيف من وطأة بقاء المعتقلين وبطء عملية اطلاق سراح الكثير منهم رغم الحديث المكرر من الإعلامين السعودي والخارجي عن نجاحه عبر برنامج المناصحة الذي يعمل على تأهيل المعتقلين دينياً واجتماعياً للعودة عن أفكارهم المتشددة والمساندة لمنظمات راديكالية كالقاعدة.

الحدود

كان من أبرز إنجازات الملك عبد الله إنهاؤه لملف قديم وصعب هو الحدود مع اليمن، ولعب الراحل الأمير نايف دوراً مهماً في ذلك، ولكن لا تزال ملفات حدودية مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة عالقة، ويتوقع ان تكون هناك حلحلة لهذا الملف، رغم أن السعوديين يتوقعون ويراهنون على أن العمل ضمن الاتحاد الخليجي المأمول قد يسهم في ذلك.

وتسهم العلاقات المصيرية بين الدولتين وحكمة قادتهما في عدم تصعيد الخلاف حول هذا الملف، وقد يتوقع المراقب تقدماً في هذا المجال نظراً لأن الأمير أحمد أمسك بهذا الملف في الشهور الماضية وبدا اهتمامه ببناء السياج الحدودي مع العراق الذي اعتبره غير فاصل بين شعبين بل مانعاً مهماً ضد عمليات التهريب التي تصاعدت بعد الاحتلال الاميركي للعراق.

في ملف الجزر السعودية في مدخل خليج العقبة والتي سلمت للمصريين إبان الستينات لتستعمل ضمن المجهود الحربي الناصري ضد اسرائيل والتي تم احتلالها من قبل اسرائيل في حرب 1967 ثم سلمت للمصريين ضمن اتفاقية كامب ديفيد على ألا تسلم للسعوديين، وأصبحت كمزارع شبعا في جنوب لبنان، يتوقع ان يحرك السعوديون ملف تطوير الجزر ليمر عبرها جسر يربط الجزيرة العربية بسيناء.

وقد يسهم سقوط نظام حسني مبارك في عودة ملف الجسر كحل يفيد الدولتين إلا اذا اعترضت اسرائيل التي ترغب في فتح حوار مع السعودية، حينها سيظل الملف عالقاً دون حل.

وللتذكير يبلغ طول الحدود السعودية من جميع الجهات 6.76 ألف كيلومتر منها 4.43 ألف كيلومتر حدود برية و2.33 ألف كيلومتر حدود بحرية.

الشيعة

لن يتغير شيء في موقف النظام السعودي من تحركات واحتجاجات بعض الأطراف الشيعية، والتي منها ما لا يختلف عن غيره من المطالبات باصلاحات سياسية، ومنها ما هو مرتبط بالنظام الإيراني ورغبته في استعمال المكون الشيعي في المنطقة الشرقية الذي يشكل بقعاً متموجة بين الانتفاض وبين الحوار الوطني الهادئ.

لا يتوقع من وزير الداخلية الجديد أي انفراجات في الملف الشيعي، بل عرف عن المرشح المتوقع الأمير أحمد صرامته ضد انخراط الشيعة في مشروعات إيرانية. ويحشد السعوديون بقوة ضد التحريك الإيراني للملف الشيعي مع تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة البحرينية، واستعمال الإيرانيين والسوريين لحزب الله الحجاز للرد على الدعم الخليجي للثورة السورية.

خاتمة

قد يرحل زعماء لكن تبقى القضايا، وما سيواجهه خليفة نايف هو العديد من القضايا الداخلية والخارجية، وهنا ستبرز طبيعة صانع القرار في دولة تتمحور فيها السلطة على الأشخاص لا المؤسسات، مهما برزت الدعاوى ان السعودية دولة مؤسسات، لكن طبيعة النظام السعودي القائمة على إدارة قضاياه عبر شبكة المصالح والركون إلى قدرات الزعيم في الحصول على إجماع أولاً داخل الأسرة المالكة، وثانياً جذب المؤسسة الدينية ضمن خط القرار، وثالثاً الاستجابة الغربية لاستراتيجيات مهمة في بقاء السعودية دولة لا تنهك الاقتصاد الدولي عبر أسعار نفط عالية، ولا تمول الخط الإسلاموي المتشدد، ولا تصبح دولة عدائية المواقف في المنطقة.

رحل نايف وبقيت الملفات، وسيرحل الآخرون وتبقى السعودية، ومعها رغبة مواطنيها في الحصول على حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والزعيم الأقوى هو من سيجمع الناس حوله لا من يفرقهم برفضه الإصلاحات المستحقة. (ميدل إيست أونلاين)

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon