فقدت القدرة على المشي بعمر 16 عاماً.. سارة حاج بكري إصرار يلهم كثيرين

: 12/26/21, 2:58 PM
Updated: 12/26/21, 2:58 PM
فقدت القدرة على المشي بعمر 16 عاماً.. سارة حاج بكري إصرار يلهم كثيرين

الكومبس – خاص: فتاة في مقتبل العمر، حادث سير يغير كل حياتها، ويحولها إلى إنسانة مقعدة وهي في الربيع 16 من عمرها، في نفس الحادث تفقد أمها في لحظات ينقلب كل شيء في خطط وتفكير وحياة سارة، إلا أن الإرادة والإصرار جعل من قصة هذه الفتاة المحبة للحياة قصة إلهام لكل من يمر بتجارب قاسية في حياته، فهي عرفت كيف تحول المأساة إلى تجربة ولادة جديدة، وبداية حياة سعيدة، ولتصبح أماً لطفلين، خاصة أن هناك شخص دخل حياتها ومنحها الحب والأمل. سارة قررت إنشاء حساب على منصات التواصل الاجتماعي للمساهمة في عطاء القوة لكل من فقد الأمل في مواجهة صعوبات الحياة، من خلال قصتها.

الكومبس التقت سارة لتروي لنا تجربتها وكيف تجاوزت، الخسارات المتتالية في حياتها، ومن هو هذا الشخص الذي وقف معها، وأيضاً للحديث عن عملها وعائلتها وطموحاتها.

أعيش حياتي الآن على كرسي متحرك لكنني أقف على قدمي بقوة الأمل

تقول سارة معرفة عن نفسها: أسمي سارة حاج بكري، عمري 27 سنة من سوريا، خريجة إدارة أعمال، متزوجة منذ 6 سنوات، ولدي طفلان وأعيش قصة حب جميلة مع زوجي كرم انتقلت إلى السويد قبل 6 سنوات، تعرضت لحادث بعمر 16 سنة، فقدت يوم الحادث قدرتي على المشي، كما فقدت أمي أيضاً في نفس الحادث، أعيش حياتي الآن على كرسي متحرك، لكنني أقف على قدمي بمخيلتي بقوة الأمل التي أملكها في الحياة، أرغب من خلال الحساب الذي أنشأته على إنستغرام أن أعطي هذا الأمل لكل شخص يعاني صعوبةً بالوقوف على قدميه، والمضي قدماً في الحياة، ومن نفسي ومن تجربتي في الحياة قبل أي أحد أستمد قوتي.

أصوات ضحكاتنا وقبلاتي لأمي وعناقي لها انقلبت في لحظة واحدة إلى فاجعة

وعن تفاصيل يوم الحادث تحدثنا سارة: كان عمري 16 سنة، شابة مليئة بالحياة، تخطط وتسعى لحياتها القادمة ودخول المرحلة الجامعية، وفي أحد الأيام على طريق دير عطية كنت أركب سيارة أجرة مع أخوتي وأمي وكان كل شيء على ما يرام، أصوات ضحكاتنا وقبلاتي لأمي وعناقي لها انقلبت في لحظة واحدة إلى فاجعة، عندما أغمض السائق عيناه للحظة، ليتفاجأ بوجود سيارة في وجهنا وتفادياً الاصطدام بها، خرج عن طريق الإسفلت لتصدم السيارة بالصخور على جانب الطريق، وتتغير حياتي من بعدها، لا أتذكر سوى أنني كنت أغمض عيناي وأفتحها وكنت أرى كل شيء مقلوب، رأسي للأسفل وجسدي للأعلى والدماء تغطي جسدي، وصراخ أمي، رحمها الله وهي تقول: أرجوكم أنقذوا سارة، وعيناها المتعلقتان بي ونظراتها المترجية لي أن أبقى على قيد الحياة، ولم اكن أدري أنها آخر مرة سأرى بها تلك العينان المليئتان بالحنية، عينا أمي، لم أكن أدرك أنني أودع أمي بهذا المشهد القاسي والمؤلم.

كأن عقلي رفض تقبل ما أخبرني به الطبيب بأنني أصبحت مقعدة

وتتابع سارة حديثها عن ما بعد صدمة الحادث وكيف تلقت خبر عدم قدرتها على المشي، وخبر وفاة والدتها بعد عدة أشهر: مباشرةً عند وقوع الحادث أغمي علي، لكن الإحساس بالألم الفظيع في أسفل ظهري، وفي نفس الوقت عدم الإحساس بقدمي مباشرة شعرت بهما عندما كنت أصحو لبرهة من الوقت، وعندما تم نقلي من مكان الحادث إلى المشفى، جاء الطبيب ليخبرني بأنني سأفقد القدرة على المشي مجدداً لكن من الممكن مع العلاج الطويل والمكثف أن أسترجع هذه القدرة ، أتذكر ردة فعلي حينها وأفهم مقدار الصدمة النفسية التي كنت واقعة تحتها، لأنني لم أبدي اية ردة فعل تذكر ولم أذرف أية دموع، وكأن عقلي رفض تقبل الفكرة وشعرت أن الحديث موجه لشخص آخر، وأنني لست الشخص المعني بعبارة : لن تستطيعين المشي على قدميك مرة أخرى.

كنت فقط أسأل من حولي، أين أمي؟ كنت أريد أمي بشدة في تلك اللحظة لتخبرني إذا كان ما أسمعه صحيحاً لتفسر لي ما يدور من حولي، أخبروني حينها أنها في مشفى آخر، لكن الحقيقة كانت أن أمي قد توفيت في نفس يوم الحادث بسبب نزيف دماغي، ومن أجل ألا أصاب بالانهيار مضت أربعة شهور دون أن يخبرني أحد بالحقيقة، كنت خلال هذه الأشهر أتلقى العلاج، وفي كل مرة كنت أعاود فيها السؤال عن أمي، يقدمون لي أعذراً مختلفة.

لكن هناك شيء في داخلي كان يرفض تصديق غياب أمي، لأنها أحن مخلوقٍ قد تقابله في حياتك، وكنت أدري أن بعدها عني ليس طبيعياً، وبالفعل وفي يومٍ من الأيام وعن طريق الصدفة أخطأ أخي الصغير وقال رحمة الله على أمنا، نعم لقد علمت بموت أمي بهذه الطريقة المفجعة وكأنها مشهد من فيلم حزين، أكل الألم قلبي حينها، أردت ان أرفض التصديق، وحتى هذا الوقت لا أجد وصفاً حتى للتعبير عن شعور فقدانها، لكنني قررت أن أكون قوية وأصمد من أجلها ومن أجلي، تذكرت لحظات الحادث وكيف كانت توصي بي، بينما كانت تحتضر، قلب الأم الذي لا يخطأ أخبرها أن سارة لن تكون بخير، ونسيت ألمها ونزيفها الداخلي لأجلي.

كنت وأنا أصعد على الدرج أرى في نهايته شهادتي الثانوية تنتظرني

أما عن ظروف تكملة دراستها برغم صعوبات الحرب في سوريا فتقول: قررت أن أتقبل الفاجعة، وألم الفقدان وأن أقف على قدمي بشكل معنوي طالما لا أستطيع أن أقف عليهما بشكل فيزيائي، لم أتخل عن قوتي أبداً، تحملت مشقة العلاج المؤلم وكنت أقضي معظم وقتي لدى الأطباء، في الوقت الذي كانت تقضيه الشابات اللاتي بعمري مع أصدقائهم وفي الأسواق، لكنني لم أدع اليأس يتسلل إلى قلبي.

أتذكر كيف كان المصعد الكهربائي حلماً كبيراً لي، بسبب ظروف الحرب في بلدي سوريا، وانقطاع الكهرباء، لذلك كنت أصعد الدرج إلى مدرستي معتمدةً على يداي وجسدي، كنت أرى في أعلى قمة الدرج شهادتي الثانوية تنتظرني، لذلك رغم الألم كنت أصعد هذا الدرج كل يوم وبالفعل وصلت وحصلت شهادة الثانوية ومن ثم شهادة إدارة الأعمال.

كيف جعلنا الحب ينتصر على كل شيء

وبمشاعر جياشة تتحدث سارة عن لقاءها مع كرم الذي أصبح زوجها ومنحها الحب ووقف معها: نعم لقد تعرفت على زوجي الرجل الرائع كرم قبل أن نسافر إلى السويد سنة 2014، عشنا قصة حب جميلة، لم يشعرني خلالها كرم يوماً وحتى يومنا هذا أنني مختلفة، على العكس تماماً حتى أنه رفض فكرة أن نتزوج في سوريا، وأقدم له أوراق لم الشمل عند وصولي إلى السويد عندما علم بنيتي السفر، بسبب أوضاع الحرب في سوريا و التي كانت تشتد يوماً بعد يوم، أتذكر جملة كرم حينها عندما قال لي: كلا لن نتزوج في سوريا ولن أدع أي شخص يعتقد أنني تزوجت بك من أجل الذهاب إلى السويد، أريد الزواج بك لأنني أحبك، سافري وسألحق حبنا لو كان في آخر نقطة من الكرة الأرضية، ويعتقد الكثيرون أنني تعرفت على كرم قبل الحادث وأنه لم يتخل عني، لكن معرفتنا كما قلت كانت بعد الحادث ببضع سنوات.

سافرت إلى السويد عام 2014 في رحلة مليئة بالمشاق، ولم تمض عدة أشهر حتى لحق بي كرم ولم يحتمل البعد عني، وتزوجنا قبل حصولنا على الإقامة، التي حصلنا عليها في العام 2015، من غير حفلة زفاف أو أية مراسم، وكنا حديث الناس حينها، كيف جعلنا الحب ينتصر على كل شيء، وأنجبنا طفلينا الجميلين مروان 5 سنوات وجوليا سنتين.

عملت لمدة سنتين لدى مكتب العمل، وكان عملي إداري وممتع ودخلت دورة تجميل

وعن الصعوبات التي واجهتها في السويد، وماذا فعلت خلال هذه السنوات تتابع سارة: البحث عن عمل لي هو أكبر صعوبة تواجهني في السويد، زوجي كرم يعمل في مدينة أخرى، وأبقى مع أطفالي لعدة أيام لوحدنا في منزلنا في نورشوبينغ، أتدبر أمور المنزل لوحدي، لكنني أتلقى مساعدة من الخدمات الاجتماعية (السوسيال) من خلال مرافقتي أثناء توصيل الأطفال، ومساعدتي في غسل الثياب في الغرفة المخصصة لذلك، أقوم بالتسوق وتدبر بقية الأمور بنفسي، وأفكر دائماً كيف أجعل اي شيء سهل بالنسبة لي، لكن بالطبع المعيشة في السويد مع وجود طفلين، وأحد الزوجين فقط يعمل ليس بالشيء الجيد، أتمنى أن أجد عمل أساند به زوجي، كما أن مصاريف علاجي مثل المساج أقوم بدفعها بنفسي وهي مرتفعة التكاليف جداً بالنسبة إلى دخلنا.

عملت لمدة سنتين لدى مكتب العمل، وكان عملي إداري وممتع، كانت سنتان رائعتان، لكنني بعدها لم أحصل على عملٍ جديد، وقمت بالالتحاق بدوراتٍ تجميل على حسابي الخاص، لكنني لم أستطع حتى الآن العمل بهذه المهنة، لأنني لست معروفة بعد في هذا المجال بالنسبة إلى الزبائن، وها ما أسعى عليه.

قد يشعر الكثير من الأصحاء أنهم عاجزين لأنهم لا يملكون الدافع لمتابعة الحياة

أحلام سارة ليس لها حدود وتقول بهذا الصدد: إيجاد عمل لي، وأن أصل إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص اليائسين وزرع الأمل في قلوبهم مجدداً، وذلك عن طريق حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي، وأخطط لفتح قناة خاصة بي على اليوتيوب لنفس الغرض.

كانت الأمومة بالنسبة لي حلم، وكنت أعتقد أنني بسبب وضعي الصحي لن أستطيع تحقيقها، وها قد أنجبت طفلين جميلين، أقوم برعايتهما على رغم كل الصعوبات والتعب.

قد يشعر الكثير من الأصحاء أنهم عاجزين، لأنهم لا يملكون الدافع لمتابعة الحياة، لكن الدافع ينبع من داخلكم قبل أي أحد، عندما تتحدون وتحققون النجاح سيتولد بداخلكم دافع تلو الآخر، ولا تحيطوا أنفسكم بأشخاصٍ سلبيين، أتذكر قبل عدة سنوات قبل أن أتعرف على زوجي كرم، ألقت في وجهي إحدى الفتيات سؤالاً كان كفيلاً بأن يدمرني، قالت لي:

هل تعتقدين أنك ستستطيعين المشي مجدداً؟ أريد لأخي أن يتعرف عليك ويتزوجك لكن وضعك يعيق هذا المشروع؟

ابتسمت في وجهها وقلت: إن استعدت قدرتي على المشي أم لا، لن أرغب بأن أكون زوجة لأخيكِ، في داخلي أشفقت عليها فعلاً، لأن العجز الحقيقي عندما لا نرغب باستخدام عقولنا وقدراتنا وتفكيرنا الإيجابي، وليس العجز في الجسد كما تراني. هؤلاء هم الأشخاص العاجزون ولسنا نحن.

سارة سيفو

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.