فلسطينيو القدس.. صراع من أجل البقاء

: 6/20/12, 9:15 AM
Updated: 6/20/12, 9:15 AM
فلسطينيو القدس.. صراع من أجل البقاء

يعدّ ملف القدس من أعقد ملفات "القضايا الجوهرية" أو بتعبير آخر "قضايا الحل النهائي" في الصراع الفلسطيني والعربي-الإسرائيلي، وقد رُحِّل هذا الملف في اتفاقية أوسلو الانتقالية إلى المرحلة اللاحقة التي سميت بـ "مرحلة الحل النهائي"، وسقفت زمنياً بخمس سنوات تنتهي في 4 أيار/ مايو 1998، وجرى تمديدها لاحقاً لعام واحد، لتغرق بعدها في مستنقع الاستيطان.

يعدّ ملف القدس من أعقد ملفات "القضايا الجوهرية" أو بتعبير آخر "قضايا الحل النهائي" في الصراع الفلسطيني والعربي-الإسرائيلي، وقد رُحِّل هذا الملف في اتفاقية أوسلو الانتقالية إلى المرحلة اللاحقة التي سميت بـ "مرحلة الحل النهائي"، وسقفت زمنياً بخمس سنوات تنتهي في 4 أيار/ مايو 1998، وجرى تمديدها لاحقاً لعام واحد، لتغرق بعدها في مستنقع الاستيطان.

وخلال قرن من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كانت القدس مسرحاً وموضوعاً لأحداث دراماتيكية حدَّدت خارطة الصراع ووجهت دفته، فمنذ بدء موجات تهجير اليهود من الدول الأوروبية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتوطينهم في فلسطين ركزت الحركة الصهيونية على خلق بؤر استيطانية في القدس وجوارها.

ومن القدس كانت نقطة انطلاق المشروع البريطاني لتنفيذ "وعد بلفور"، بصدور قرار عن سلطات الانتداب البريطاني في العام 1921 يعيد ترسيم حدود البلدة القديمة في القدس ليصار إلى توسيعها غرباً مسافة سبعة كيلومترات، بحيث تضم تجمعات المستوطنين اليهود خارج أسوارها، بقصد تغيير الواقع الديموغرافي فيها، وإسناد مجموعة الإدعاءات الميثولوجية التوراتية اليهودية عن ارتباط اليهود بالقدس وأحقيتهم بها، حيث سمحت سلطات الاحتلال البريطاني للمتطرفين من المستوطنين اليهود باتخاذ حائط البراق، الذي يشكل الجزء الجنوبي من السور الغربي للمسجد الأقصى مكاناً للعبادة سمّوه "حائط المبكى".

وقد خضعت حدود القدس للتوسيع مرة ثانية على يد الاحتلال الإسرائيلي في مطلع خمسينيات القرن الماضي، إلا أن التغيرات الدراماتيكية في الحدود الجغرافية والأوضاع الديموغرافية للقدس وقعت بعد الاحتلال الإسرائيلي للجزء الشرقي منها في الخامس من حزيران/يونيو 1967. حينها أصدرت حكومة الاحتلال قانوناً يخضع منطقة القدس الشرقية للقوانين الإسرائيلية، وذلك بتعديل ما يسمى بـ "قانون ترتيب السلطة والقانون" الصادر في 26 أيلول/سبتمبر 1948، وفي صيغة التعديل الجديد التي أقرها الكنيست الإسرائيلي في 1 آب/أغسطس 1967 بدأ عملياً ضم القدس الشرقية، وفي اليوم التالي للتعديل قامت الحكومة الإسرائيلية بإصدار أمر ضمت بموجبه، بطريقة غير مباشرة، البلدة القديمة ومساحات واسعة من مناطق شمال وجنوب المدينة. وأصدرت بعد ذلك ما يسمى بـ "قانون البلديات"، الذي يخوّل وزير الداخلية الإسرائيلي توسيع حدود البلدية من خلال إعلان دون الرجوع لقرارات لجنة تحقيق.

وحتى اللحظة لا توجد خريطة للقدس، بل يوجد مخطط مفتوح للاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينيين، لتوسيع الكتل الاستيطانية القائمة وبناء كتل جديدة، يمكن من خلالها لسلطات الاحتلال استكمال إحداث خلل كبير في الواقع الديموغرافي للمدينة، يُفشِل في المستقبل أي حل على أساس انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967.

وكان تطبيق القوانين الإسرائيلية على القدس الشرقية المرحلة الأولى من مخطط ضمها بشكل نهائي وكامل للسيطرة الإسرائيلية، أما المرحلة الثانية فكانت بموجب "قانون أساسي" أصدره الكنيست الإسرائيلي في 30 تموز/ يوليو 1980 باعتبار القدس بجزأيها الغربي والشرقي "عاصمة موحدة لدولة إسرائيل"، وجرى تطبيق المرحلة الثالثة على مجموعة مراحل لا تزال مستمرة، وذلك بتوسيع مستمر لحدود بلدية القدس، إذ أصبحت تضم مساحات واسعة تساوي ما نسبته 22% من مساحة الضفة الفلسطينية.

وفي كل المخططات التي وضعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لرسم حدود "بلدية القدس الكبرى" كانت عينها على الميزان الديموغرافي، لدرجة أنه وفي أوج العملية التفاوضية في شباط/فبراير من العام 1993 أعلن رئيس وزراء إسرائيل الراحل إسحاق رابين عن مخطط "القدس الكبرى" المرموز له بـ "متروبوليتان القدس 2010"، الذي أعدته وزارتا الداخلية والبناء والإسكان الإسرائيليتان بالإضافة إلى بلدية القدس. وكان هدف المشروع خلق تواصل بين الكتل الاستيطانية الإسرائيلية التي تحاصر المدينة، وخنق الأحياء والقرى والبلدات العربية فيها، وتعزيز المكانة السياسية والاقتصادية "للقدس الكبرى" كـ "عاصمة موحدة لدولة إسرائيل".

ويلاحظ في هذا الجانب أن الطريقة التي خططت لها إسرائيل لتنفيذ الأطواق الاستيطانية حول القدس الشرقية كان مرئياً فيها أن اكتمالها لن يتحقق إلا بمجموعة مشاريع استيطانية تكميلية لملء الفراغات بين الكتل الاستيطانية حيثما أمكن، وحيث لا يمكن ذلك إحاطة هذه المناطق بالشوارع المكرسة لخدمة الكتل الاستيطانية.

وتحت وقع الضغوط الأميركية على الجانب الفلسطيني المفاوض فُرض في اتفاق أوسلو تثبيت مبدأ "حل متفق عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين" بعيداً عن القرارات الدولية، وبالمقابل جرى إلغاء وحدة الولاية الجغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وذلك بنص المادة الرابعة من الاتفاق، التي أكدت على أن يستثنى من الحل المرحلي "القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي"، ومن جملتها القدس الشرقية.

وتزامناً مع هذا الطرح الجديد انتقلت المشاريع الأميركية للتركيز على ما يسمى بحفظ "حقوق العبادة لأتباع الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية، وحرية الوصول إلى أماكن العبادة والمحافظة عليها"، وهذا أمر منفصل تماماً عن تقرير لمن تكون له السيادة على القدس.

وفي كل رسائل الضمانات التي قدمتها الإدارة الأميركية المتعاقبة لإسرائيل قبل وبعد مؤتمر مدريد 1991، وكذلك المشاريع والمقترحات التي عُرِضت على الفلسطينيين بخصوص القدس جنحت المواقف الأميركية للأخذ بالموقف الإسرائيلي القائل بـ "الحفاظ على الوضع القائم (ستاتيكو)"، بزعم "ضرورة أن يأخذ الحل التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعين الاعتبار الواقع القائم بمختلف جوانبه الديموغرافية والاستيطانية والحاجات الأمنية الإسرائيلية"، وأن أقصى ما يمكن أن يطرح على الفلسطينيين هو سيادة رمزية على جانب مما يسمى "الحوض المقدس".

وبدل أن تضطلع اللجنة الرباعية الدولية بدورها في تصويب الخلل في المواقف الأميركية من ملف القدس والحلول المقترحة له، عالجت "خطة خارطة الطريق الدولية" هذا الملف بمجموعة إشارات ركزت على البعد الديني للقدس الشرقية، وأغفلت موضوع السيادة عليها، ووضعت الحل التفاوضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حدود "أن يأخذ الحل التفاوضي بعين الاعتبار الاهتمامات السياسية والدينية للجانبين، ويصون المصالح الدينية لليهود والمسيحيين والمسلمين على صعيد العالم"، ولم تتطرق الخطة الدولية لقضية القدس في الإطار التفاوضي باعتبارها جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. الأمر الذي عمّق الخلل في العملية التفاوضية، وشجع إسرائيل على تكثيف عمليات الاستيطان في القدس وجوارها، حتى وصل إلى 38 ضعفاً خلال العام 2008 بالمقارنة مع الفترة ذاتها في العام 2007. كما كثفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من عمليات نزع هويات المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية وهدم منازلهم وطردهم من المدينة.

وعليه، فإن تصويب الخلل في مجمل العملية التفاوضية، يتطلب أن يتخذ المجتمع الدولي موقفاً حازماً من مواصلة الاستيطان الإسرائيلي بكل أشكاله، وعلى أي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية، وهذا يشكِّل ضرورة يتوقف عليها نجاح أو فشل أي عملية التفاوضية. ويجب أن يكون هدف العملية التفاوضية تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بما فيها القرارات المتعلقة بالقدس، التي ينطبق عليها القراران 242 و338 باعتبارها أرضاً عربية محتلة في عدوان الخامس من حزيران/يونيو 1967، ويجب أن يكون ملف القدس الشرقية حاضراً في كل مراحل المفاوضات، بصفتها مدينة محتلة، وأن ينطبق عليها ما ينطبق على باقي أراضي الضفة الغربية، في أي ترتيبات مرحلية انتقالية، أو في ترتيبات الحل النهائي.

عامر راشد

أنباء موسكو

20 يونيو 2012

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.