قراءة في كتاب "فقه اللغة وسحر العربية"

: 5/27/14, 1:50 PM
Updated: 5/27/14, 1:50 PM
قراءة في كتاب "فقه اللغة وسحر العربية"

الكومبس – ثقافة: كان أبو منصور الثعالبي " 961 – 1038 م " رجلا فرّاء يخيط فراء الثعالب في مدينة نيسابور، وعرف بتلك الصنعة وأتقنها وتميز بها حتى غدت لقبا له، ولكنه عرف بلقب مهم آخر أيضاً فهو لفرط اهتمامه بالأدب والنحو العربيين اسموه "جاحظ نيسابور" لعنايته بالعربية وآدابها وفقهها وصرفها ونحوها.

الكومبس – ثقافة: كان أبو منصور الثعالبي " 961 – 1038 م " رجلا فرّاء يخيط فراء الثعالب في مدينة نيسابور، وعرف بتلك الصنعة وأتقنها وتميز بها حتى غدت لقبا له، ولكنه عرف بلقب مهم آخر أيضاً فهو لفرط اهتمامه بالأدب والنحو العربيين اسموه "جاحظ نيسابور" لعنايته بالعربية وآدابها وفقهها وصرفها ونحوها.

إن كتاب "فقه اللغة وسحر العربية" للثعالبي هو مرجع أساسي في اللغة العربية، منذ قرابة ألف عام، طبع عشرات المرات وهو معين عظيم لمن أراد تقوية لغته، وإثراء ألفاظه، وتدعيم بلاغته.

إن ترتيب الكتاب منذ وقت مبكر بحسب الموضوعات يشير إلى أهمية معرفة مراتب الأحوال وتسلسلها وأسماء الأشياء وصنوفها ومعانيها كما يبحر المؤلف في فنون التعبير وصلة اللغة الروحية بالنص الديني والكتب المنزلة والحديث والأدب.

هو الكتاب المميز في فقه اللغة الذي يهتم بظواهرها وتعريفاتها وتعليلاتها وأسبابها، وهو في الحقيقة عبارة عن كتاب تراثي في جزأين، الجزء الأول فقه اللغة ويبدأ بمقدمة عن فضل العربية وسبب تأليف الكتاب، ثم يبدأ الكتاب بوضع الكلمات التي تعبر عن الموضوعات التي انتقاها المؤلف وكل كلمة ومعناها الدقيق.

ثم الجزء الثاني وهو أصغر من الجزء الأول واسمه سر العربية، يتكلم عن بعض أساليب اللغة بإيجاز ثم يورد التعريف بالشيء ثم يورد شاهدا عليه وقد يطيل قليلا ولكن الكتاب معجم موضوعي مفيد جداً يثري لغة الدارس والباحث والمهتم.

وفي وصف منزلة التعبير بالعربية يورد قول الرب الرحمن "خلق الإنسان علمه البيان" ويقول فيه "ذكر البيان تقدم على جميع ما توحد بخلقه، وتفرد بإنشائه من شمس، وقمر، ونجم، وشجر، وغير ذلك من الخلائق المحكمة، والنشايا المتقنة؛ فلما خص _جل ثناؤه_ اللسان العربي بالبيان عُلِم أن سائرَ اللغاتِ قاصرةٌ عنه، وواقفةٌ دونه".

إن كتاب الثعالبي هو كتابان في كتاب واحد "فقه اللغة" و "سر العربية" جمعا في كتاب واحد لتقارب موضوعهما واتحاد مؤلفهما، وقد ذكر المؤلف في الكتاب فوائد المعاني شارحا "غريبها واضعا" المسميات على المعاني ورادا" المعاني الى المسميات، . شارحا" الصفات الواردة في اللغة العربية بشكل يتسم فيه الكتاب بدقته وشموله وقد تمت فهرسته فهرسة علمية، وجاء الكتاب محققا" ليسهل التحصيل وتزداد منه الفائدة.

وفي استعمال كلمة "الفقه" وتفسيره في الكتاب تتأتى من إن مفتاح تحديد هذا المصطلح، هو الحذر اللغوي (فقه) الذي يدل بعامة على العلم بالشيء، وهو مشتق من الشق والفتح، فيكون "فقه اللغة" من هذا المنطق، علم اللغة والغوص إلى دقائقها وغوامضها.

وقد أكد ذلك معنى عنوان الكتاب بقسميه (الأول والثاني): إذ أن "فقه اللغة وسر العربية" هو كتاب واحد من كتب قليلة جداً شُغلت بلغة العرب وأساليبهم، ومأثورهم البياني، وخصوصيات البناء والصياغة والاشتقاق، وسائر معهودهم في استخدام اللغة، كأداة راقية منظورة لحمل أرقى الرسالات الإنسانية في الدين والدنيا.
أما أهمية هذا الكتاب، فمن نافل القول إثبات ذلك أو الخوض فيه، لأنه واحد من كتب قليلة جداً عالجت هذا الشأن اللغوي الدقيق، اذ نفذ فيه مؤلفه إلى لباب اللغة ولطائفها من غير عنت آو تعقيد، أو تنظير منفر يستحوذ على القواعد والقيود دون الجواهر، كما هي الحال في بعض مسائل النحو ومدارسة وقواعده وعلله.
وقد غاص أبو ميصور الثعالبي في بحر معاني اللغة وآدابها وأساليبها، فاجتنى منها الدرر الغوالي وخاض في تقليباتها وتصريفاتها، وأبحر في أديم أسمائها وأوصافها، ودقائق الأشياء ومعالمها، فبلغ التخوم، والنهايات، تخوم الإعجاز، ونهايات البلاغة التعبيرية الرصينة التي يقبل عليها الباحث، والأديب، والعالم والفنان، فيجد كل منهم ضالته وبغيته، محققاً فيه قول أبي عثمان الجاحظ في كتابه "الحيوان وهو يصف كتاب الثعالبي":
"هذا كتاب تستوي فيه رغبة الأمم وتتشابه فيه العرب والعجم، يشتهيه الفتيان كما تشتهيه الشيوخ، ويشتهيه الفاتك كما يشتهيه الناسك، ومتى ظفر بمثله صاحب علم أو هجم عليه طالب فقه، فقد كفى مؤونة جمعة وخزنة، وطلبة وتتبعه، وأعناه ذلك عن طول التفكير".
ولأهمية هذا الكتاب احتفظت مكتبات المانيا وفرنسا والقاهرة بنسخ من مخطوطاته، كالنسخة التي نعرضها هنا، كما أصدرته الجامعه اليسوعية قبل 120 عاماً، كما مبين في الغلاف المنشور وعني الكثير من الباحثين والمحققين واخص بالذكر منهم هنا الدكتور "ياسين الأيوبي" اذ عني بتحقيق الكتاب، وتحلى عمله باتقان تخريج الأحاديث النبوية وشرحها وتحديد مواقعها.

وتحديد موقع الشاهد القرآني في السورة والآية وربطه بالسياق العام لمنطوق الآية ودلالاتها العامة أو الخاصة، كما عمل على تحديد موقع الشاهد الشعري من الديوان، ومن القصيدة التي استل منها ذاكراً المناسبة التي نظمت لأجلها القصيدة ومطلعها، شارحاً المقتضى من الشاهد.

ولأجل الشرح اللغوي خاض المحقق غمار عدد من المعجمات اللغوية العريقة، ما بين الموسوعي المسهب والوجيز المقتضى، مروراً بالمتوسط والدلالي وقد تصدرها مصدران لا غنى عنهما لأي قارئ وهما: "لسان العرب" لابن منظور "والمعجم الوسيط" للمجمع اللغوي في القاهرة.

وأرى أنه لن يجد القارئ المهتم كتاباً في اللغة أمتع وأكثر تشويقاً من هذا الكتاب، الذي يجعلك تشعر بجمال اللغة الحقيقي وغزارة مفرداتها، وتكاد تكتشف أن ما نتحدث به هو الابن غير الشرعي للغة العربية وأننا كلما عرفنا مرونة العربية .. عرفنا كيف تكون لغة العلم والبحث والدراسة وكيف تكون لغة الحياة.

فاروق سلوم

فقه اللغة الصفحة الأخيرة.jpg

فقه اللغة.JPG

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.