قوارب الهجرة إلى أوروبا.. قصص مؤلمة في انتظار نهاياتها

: 9/11/21, 4:24 PM
Updated: 9/12/21, 8:56 AM
شمس الدين مرزوقي في "مقبرة المجهولين" في جرجيس
شمس الدين مرزوقي في "مقبرة المجهولين" في جرجيس

ارتفعت معدلات الهجرة عبر البحر من ميناء جرجيس التونسي باتجاه إيطاليا بشكل حاد خلال 2021. تلك الظاهرة أثرت بشكل مباشر على معظم عائلات المدينة التي اقترن اسمها في السابق بالسياحة، واليوم بقوارب الموت المحملة بالمهاجرين.آخر فصول مآسي الهجرة اللامنتهية في مدينة جرجيس التونسية كُتب في منزل شمس الدين مرزوقي، الناشط التونسي في مجال حقوق المهاجرين. الرجل الذي كرس معظم وقته لخدمة من تقطعت بهم السبل في المدينة، وجد نفسه بمواجهة قرار زوجته الهجرة إلى أوروبا عبر البحر، مصطحبة معها حفيديهما. الصدمة لشمس الدين كانت في أنه لم يكن يعلم بما تنوي زوجته القيام به.

يوم 14 آب/ أغسطس الماضي، انطلقت مفيدة، زوجة شمس الدين، مع حفيديهما لابنتهما المقيمة في فرنسا، في رحلة سرية على متن قارب إلى إيطاليا. يقول الناشط التونسي لمهاجر نيوز “لا أحد في جرجيس (جنوب تونس) محصن من رؤية أحد أفراد أسرته يحاول العبور إلى أوروبا”. ويضيف “كانت مفاجأة! لم ألحظ أي إشارة في المنزل تدل على استعدادهم للمغادرة. كانت زوجتي تعلم جيدا أنني سأعارضها”.

“صلي من أجلنا. ليس لدي حل آخر غير البحر”

يروي الصياد المتقاعد كيف كان وقع الرسالة التي تركتها له زوجته عليه، حين اكتشفها في وقت متأخر من الليل. أخبرته فيها أن الجميع سيغلقون هواتفهم قبيل الانطلاق كي لا يتم اكتشاف أمرهم. يعيد قراءة الرسالة الصغيرة المكتوبة بخط اليد مرارا، “معذرة، سأذهب إلى إيطاليا. صلي من أجلنا. ليس لدي حل آخر غير البحر”.

تخيل شمس الدين زوجته وحفيديهما، صبي يبلغ من العمر ثماني سنوات وفتاة تبلغ من العمر ست سنوات، يقضيان الليل على متن قارب صغير في وسط البحر الأبيض المتوسط وسط الظلام الدامس. انتابه قلق شديد وانقلب حاله رأسا على عقب.

الناشط التونسي يعرف جيدا مقدار الخطورة التي تواجهها زوجته والطفلين. الرجل معروف في جرجيس بإنشائه “مقبرة المجهولين”، حيث دُفن فيها رفات أكثر من 400 مهاجر، من بينهم عدد كبير من الأفارقة، غادر معظمهم من ليبيا بين 2011 و2020.

لحسن الحظ، تمكن القارب الذي كانت تستقله زوجته وأحفاده من الوصول إلى البر، ووصلوا جميعا إلى ابنته التي تقطن في بلدة شمال باريس.

تابع شمس الدين الموضوع، واكتشف أن قريبا له زارهم من فرنسا وأمضى لديه بضعة ليال، كان الرأس المدبر لكل ذلك. وقال لمهاجر نيوز “كان يعلم أن لدي اتصالات مع المهربين، وأنه لو علمت بما كانوا يخططون له، كان بإمكاني منعهم من المغادرة”.

كان معظم ركاب ذلك القارب من النساء والأطفال. معظمهم كانوا يسعون للانضمام لأسرهم في دول أوروبية مختلفة. شكل من أشكال “لم الشمل الأسري”، منظم بشكل سري لتجاوز الصعوبات البيروقراطية.

وذكر شمس الدين أن ابنته لم تكن قادرة على إحضار طفليها بشكل قانوني، لأن أوراقها لم تكن سليمة.

مسارات متعددة للوصول إلى أوروبا

يتحدث الصياد السابق لمهاجر نيوز عن الوسائل المختلفة التي يستخدمها التونسيون لدخول أوروبا. المسار الأول وهو الرسمي، أي الحصول على تأشيرة ثم تصريح إقامة قانوني. لكنه مسار غالبا ما تشوبه عقبات إدارية وبيروقراطية.

المسار الثاني، وهو شبه قانوني، يتمثل بدفع المهاجر مبلغا يتراوح بين 17 ألف و20 ألف دينار تونسي (5,150 – 6,000 يورو) لوسطاء، للحصول على تأشيرة مؤقتة تسمح له بالوصول إلى أوروبا. هكذا وصلت ابنته إلى فرنسا، لكن المشكلة تبدأ بعد انتهاء صلاحية التأشيرة، حينها يصبح المهاجر غير شرعي.

أما المسار الثالث، وهو عبر القوارب من جرجيس، يكلف حاليا “فقط” 5,000 دينار (1500 يورو)، بحسب قوله.

“حاولنا الحصول على تأشيرات لكن طلباتنا رفضت”

شمس الدين وزوجته حاولا بالفعل الحصول على تأشيرة قانونية لاصطحاب حفيديهما إلى أمهما في فرنسا، “لقد صرفنا بالفعل 2,000 دينار (600 يورو) لتقديم طلب الحصول على تأشيرات رسمية للأحفاد، لكن طلبنا رفض ثلاث مرات”.

يعيش شمس الدين الآن بمفرده في منزله، تسليه عدة قطط ترافقه في يومياته، آملا بأن تعود زوجته إلى جرجيس بعد أشهر. يقول لمهاجر نيوز “لا يمكنني أن أكون أنانيا وأن ألومهم على المغادرة. المشكلة الحقيقية هي أنهم لم يتمكنوا من الحصول على تأشيرات”.

ووفقا لأرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ارتفع عدد المعابر غير القانونية بين تونس وإيطاليا بشكل كبير خلال 2021، حيث وصل أكثر من 10 آلاف مهاجر إلى الساحل الإيطالي بين مطلع العام الجاري و25 آب/ أغسطس الماضي.

مهاجر نيوز – 2021

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.