برلين – مع التطورات التي شهدتها سوريا في الأيام الأخيرة، ومنها تعليق رئيس بعثة المراقبين الدوليين لعمل البعثة بسبب تصاعد العنف بشكل كبير، اعترف المبعوث الأممي والعربي كوفي عنان بأن خطته لم تحقق أي نجاح حتى الآن، ولكنه شدد على أنه ليس هناك أي بديل للخطة حاليا. ومع هذا الوضع تواصل الدبلوماسية الدولية حشد جهودها من أجل تحقيق نوع من التقارب بين القوى الكبرى بشأن الحالة السورية.
وقد أشارت تصريحات لعدد من المسؤولين الدوليين، من بينهم كوفي عنان، أن "مجموعة الاتصال" التي اقترح هو تشكيلها بخصوص سوريا تتجه للالتئام نهاية الشهر الجاري في جنيف، إلا أنه لم يصدر تأكيد رسمي بعد، بخصوص هذا المؤتمر المنتظر.
ويبدو أن هناك عدة عقبات تقف أمام انعقاد هذا المؤتمر، قبل انطلاقه. ومن هذه العقبات مسألة مشاركة إيران في المؤتمر. فبينما تصر روسيا والصين على مشاركة طهران، ترفض الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا أي مشاركة إيرانية. أما المبعوث الأممي والعربي كوفي عنان فقد صرح بأن إيران ينبغي أن تكون جزءا من الحل للأزمة السورية.
التجاذب الروسي – الغربي
ولكن يبدو أن الأمور بدأت تتجه نحو تجاوز هذه النقطة الخلافية، وفق ما يؤكد خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، في حديث مع DW. فمن أجل الالتفاف على هذه العقدة، كانت هناك فكرة، طرحها وزير الخارجية الفرنسي، بعقد هذا الاجتماع على مستوى القوى العظمى، أو على مستوى أعضاء مجلس الأمن الدولي، أو على مستوى مجموعة "خمسة زائد واحد" (أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة لألمانيا).
ويعرب أبو دياب عن اعتقاده أن مسألة إشراك إيران قد تم تجاوزها، وأن النقطة الخلافية الأهم هي مسألة رحيل بشار الأسد عن السلطة أو عدم رحيله. ويؤكد على أن واشنطن وموسكو اتفقتا، من خلال اجتماع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في المكسيك، "على رحيل الأسد، ولكن دون تحديد موعد لتنفيذ هذا الشرط: هل سيكون في بداية المفاوضات أم في نهايتها؟ من أجل عدم قطع الحوار مع الروس الذين ما زالوا حتى إشعار آخر يقولون في العلن إنهم شديدو التمسك ببشار الأسد، ولكن في الغرف المغلقة يتحدثون حديثا آخر. ولتفادي كل ذلك سيتم البحث في تفاصيل المرحلة الانتقالية ووفق أية أسس".
ويبدو أن هذه الأسس ما زالت محل خلاف كبير بين واشنطن وموسكو، فقد بينت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند (الخميس 21 يونيو/ حزيران 2012) أنه "لكي ينجح الاجتماع فإنه يجب أن يركز على فترة الانتقال لمرحلة ما بعد الأسد، وأن يقدم شكل هذا الانتقال، ويضع له المبادئ وأن يتفق المجتمع الدولي على مساندته".
إلا أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أكد على أن موقف بلاده ما زال على حاله وقال إن "خطة تتضمن وجوب مغادرة الرئيس الأسد قبل حصول أي شيء من حيث وقف أعمال العنف وعملية سياسية، هذه خطة لا تعمل منذ البداية، إنها غير قابلة للتطبيق لأنه لن يرحل".
وتحدثت تقارير صحافية بريطانية عن أن بريطانيا والولايات المتحدة ناقشتا عرضا يمكن تقديمه للرئيس السوري بشار الأسد يمنحه الحصانة من الملاحقة القضائية إذا ما تنحى في إطار اتفاق حول إجراء عملية انتقال سياسي. إلا أن واشنطن نفت أن تكون مستعدة مع بريطانيا لمنح الرئيس السوري بشار الأسد ممرا آمنا وحصانة من الملاحقة القضائية، إذا ما تنحى في إطار اتفاق حول إجراء عملية انتقال سياسي في سوريا.
ويرى الخبير بالشؤون السورية خطار أبو دياب أن الخلاف الروسي الغربي ما زال مستمرا، لأن "الفكرة الروسية تقوم على تعويم نظام الأسد، وإشراك بعض القوى من داخل نظام الأسد في هكذا مفاوضات، بينما تقوم الفكرة الغربية على إيجاد بديل فعلي له".
مستقبل الجهود الدبلوماسية
مؤتمر جنيف المزمع عقده، "جاء نتيجة لسعي روسي، من أجل الالتفاف على مؤتمر أصدقاء الشعب السوري"، الذي سيعقد في باريس في السادس من يوليو/ تموز القادم، كما يرى أبو دياب. فمهمة عنان، حسب القرار الدولي 2042، تنتهي في منتصف يوليو/ تموز القادم، أي أن "كل الدول تحاول شراء الوقت الضائع بأفكار واقتراحات"، والكلام ما زال لأبو دياب. وحتى الآن تبدو كل من موسكو وبكين متمسكتين بالنظام السوري، على الأقل في العلن، ولكنهما بدأتا تبديان بعض المرونة ولو كانت قليلة. وهذا ما تحاول الدول الغربية استغلاله بالعمل لمزيد من التغيير في الموقف الروسي والصيني، ولكن هذا سيأخذ كثيرا من الوقت. و"هذا يعني، مع الأسف، أن الصيف السوري سيكون صيفا حاميا".
ولكن أبو دياب يتوقع "أن مثل هكذا مؤتمر (مؤتمر جنيف) سيكون تمديدا للأزمة ولن يكون مفتاحا للحل"، وإن فشل الجهود الدبلوماسية سيؤدي إلى طرق أبواب أخرى. فلا مؤتمر باريس ولا مؤتمر جنيف ولا أي مؤتمر آخر بإمكانه أن يأتي بجديد حاليا. وأن العامل الحاسم، برأي أبو دياب، هو الشعب السوري، "لأنه لولا هذا الشعب لكانت كثير من القوى والأطراف الدولية قد أتت إلى النظام للمساومة والجلوس معه من جديد".
والمشكلة في فشل الجهود الدبلوماسية هي "أن النظام ليس عنده قرار استراتيجي بوقف القتال. عنده قرار استراتيجي باستمرار القمع وبالانتصار"، على حد تعبير الخبير اللبناني أبو دياب.
"توجه للحل العسكري على المدى المتوسط"
هذا التعثر في الجهود الدبلوماسية، قد يدفع باتجاه عمل جماعي دولي خارج مجلس الأمن، كما يشير أستاذ العلاقات الدولية في باريس، خطار أبو دياب، وإن كان ذلك ليس على المدى القصير وإنما على المدى المتوسط. فبعد "الفشل المتوقع سيكون هناك سعي للعودة إلى مجلس الأمن، بعد منتصف يوليو" ستأخذ الأمور بعض الوقت، ولكن في النهاية لن يكون هناك من مناص للذهاب باتجاه سيناريو البوسنة أو كوسوفو بالنسبة للوضع السوري".
إلا أن المسؤولين الغربيين ما زالوا يستبعدون اللجوء للحل العسكري، أو تسليح المعارضة السورية، ممثلة بالجيش السوري الحر. وآخر هذه التصريحات وردت على لسان وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، الذي دافع عن قرار الإدارة الأمريكية عدم تسليح المعارضة السورية، قائلا إن سوريا تواجه خطر الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة إذا أخفقت جهود تحقيق التحول السياسي السلس.
ولكن أبو دياب يعتبر أن هذا الكلام قابل للتغيير، و"ما بين الكلام المعلن وبين التطبيق على الأرض هناك دوما فوارق".
ويشير إلى أن الشعب السوري والجيش الحر يعتمد على نفسه، لأنه وإن كان هناك دعم له، إلا أنه دعم بالحد الأدنى، ولم يكن هناك تضامن إقليمي ودولي معه بشكل مؤثر. ويرى بأنه في حال فشل كل المساعي الدبلوماسية، فإن "الدول الغربية قد تقدم بقوة على تسليح الجيش الحر".(دويتشه فيلله)