معالم الميلاد ورأس السنة الجديدة في السويد: سيمفونية تعزفها ذكريات الماضي

: 12/30/17, 12:18 PM
Updated: 12/30/17, 12:18 PM
معالم الميلاد ورأس السنة الجديدة في السويد: سيمفونية تعزفها ذكريات الماضي

الكومبس – تحقيقات: عاش الإنسان على هذه الأرض منذ سنوات لا نستطيع أن نحدد عددها بالضبط، فارتبط بها وعمّرها تارة ودمرها تارة أخرى.. بنى عليها حضارات ومارس عليها اشياء اعتاد ان يفعلها بشكل مستمر. وذلك الدوام على القيام بفعل الشيء نفسه يسمى بالتقليد.
ومنذ أن قسمت الأرض إلى دول وشعوب تعيش عليها، تشابهت تلك الشعوب في ممارسة بعض تلك التقاليد واختلفت في البعض الآخر. ومعظمها مرتبطة بالدين.
السويد هي إحدى الدول التي يقوم شعبها ببعض التقاليد الدينية، برغم كونها دولة علمانية تفصل الدين عن السياسة. وفيها مجموعة كبيرة ممن لا يدينون بأي دين، لكنهم يجدون في هذه التقاليد فرصة للالتقاء بالأهل والأحبة، لتمتعهم بأيام اجازة رسمية.
عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية هما مناسبتان مهمتان في السويد كما هما في اغلب دول العالم.. ويقوم فيها السويديون بممارسة تقاليد معينة خلالها. وقبل أن نذكر أهم تلك التقاليد لابد من معرفة أن عيد الميلاد هو ثاني أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة. وهو احتفاء بذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، بدءاً من ليلة 24 ديسمبر/ كانون الأول ونهار 25 ديسمبر/ كانون الأول في التقويمين الغريغوري واليولياني .

عيد الميلاد في القرن التاسع عشر

اكنيتا اندرشون
اكنيتا اندرشون

إذا ما عدنا الى الماضي القريب. فإن الاحتفاء بالعيد كان يختلف نوعا ما عن أيامنا هذه عند الشعب السويدي.. لكنه كان وما يزال أكبر الأعياد التي ينتظرها الجميع.
وأنا أبحث عن شكل الاحتفال بهذا العيد بين ثنايا الكتب وفي الانترنت عثرت على مقال اسمه “هكذا احتفلنا بعيد الميلاد في القرن التاسع عشر” نشرته يوهنا لارسون بيار في موقع الهاندا، تقول فيه: “عيد الميلاد كان منتظرا كما اليوم.. كان العيد نهاية للصيام. وكان أكثر الايام تمتعا بالإجازة..
عشية عيد الميلاد كانت العائلة تجتمع على مائدة احتفال.. عشاء في منتصف القرن التاسع عشر كان يتألف غالبا من السمك المجفف المطبوخ واللحم الطازج لمختلف أنواع الحيوانات، الخبز اللين والعصيدة مع الزبدة. كبار المنزل كانوا يتبادلون ضرب كؤوس البيرة المنزلية فيما بينهم. اما الأصغر سنا فكانوا يحصلون على شراب أخف.
لم تكن شجرة الميلاد ولا هدايا الميلاد تقليدا عاما في حينها. وما يهم أكثر كان الطعام. فقد كان يستعد لتحضيره قبل أسابيع.
إذا فكل شيء قابل للتغيير وذلك التغيير غالبا ما يكون لتسهيل أمور الحياة”.

من ذاكرة عيد الميلاد

في ذاكرة اي منا صور جميلة لا تكاد تفارق مخيلتنا.. ذكريات الماضي المرتبطة بمناسبات خاصة وأماكن عيشنا فيها وتركناها.. أناس غادروا الحياة فيجددوها بعد رحيلهم ليخبرونا انهم مازالوا يحتفلون معنا..
تقول السيدة اكنيتا اندرشون التي تبلغ من العمر 62 عاما لـ “الكومبس”: العيد والطفولة يخبراني بأن رائحة امي ماتزال تفوح في كل مكان.
لم يكن شكل الحياة هكذا.. لم نكن نحصل على الهدايا بسهولة.. كانت امي تقوم بحياكة الملابس أو خياطتها بنفسها.. ليلة العيد كانت تعلق قطع الملابس تلك على سلك يشبه الحبل الذي يوضع لنشر الغسيل.. كانت تربط السلك تحت المدخنة المطلة على موقد الطعام. وفي الصباح عندما نستيقظ انا واخواتي الثلاث وتقع أعيننا على الملابس الجديدة، تقول لنا: إن بابا نؤيل قد نزل من المدخنة وترك لكم هذه الهدايا.. كنا نصدقها دائما..
وفي بعض الأحيان كانت امي تطلب منا ان نعلق جوارب خاصة بعيد الميلاد على حافة السرير لأن بابا نؤيل سوف يزورنا في الليل ويترك لنا الهدايا داخل الجوارب تلك.. وفي الصباح كنا بالكاد نفتح أعيننا لنلتقط الجوارب ونرى ما فيها.. كانت امي هي من تضع الهدايا ايضا وعلمنا بذلك عندما كبرنا.. كم كنا ابرياء!

وعن ذكرياتها ايضا تقول اكنيتا: في صباح العيد وأثناء إعداد الفطور كانت امي تضع حبة لوز في إناء طبخ الحساء. وعند تقديم الحساء في كؤوس كان هناك اعتقاد ان من يحصل على حبة اللوز تلك ستتحقق أمنياته. فكنا نتسارع على تناول الحساء علنا نحصل على الحبة الموعودة. ولم تكن فرحة الفائز منا لتوصف.
وعن سؤالنا عن التغييرات التي حصلت في تلك التقاليد قالت: قبل كل شيء تغير الاحساس.. فكل شيء أصبح مصنوعا لا روح فيه.. فمثلا.. إذا ما عدت بذاكرتي فإن أبي كان يذهب إلى الغابة ليأتي بشجرة الميلاد بنفسه.. كنا ننتظر قدومه.. وما ان يأتي حتى نتشارك في تزيينها بقطع الزينة التي صنعتها امي.. اليوم فإن الشجرة جاهزة.. والزينة جاهزة. وما في بيتي ربما يكون ذاته في بيتك.. أعني ليست هناك خصوصية.


وما الذي بقي من الماضي ومازلتم تمارسونه؟

– لدي صديقة اسمها كارين.. تقوم باستدعائنا إلى منزلها كل عام في شهر ديسمبر/ كانون الأول بعد أن تكون قد اشترت مواد خامة لصنع بعض الاشكال الخاصة.. هذه المواد عبارة عن خيوط وزجاج وصوف وإبر ومادة اللاصق وكل ما نحتاجه.. وأثناء وجودنا في منزلها نتبادل الأحاديث والذكريات وتصنع كل واحدة منا شكلا معينا تستطيع أن تأخذه معها إلى المنزل لتستعمله كزينة للعيد.

الشباب والعيد

براني أي بانكيرد،
براني أي بانكيرد،

اهتمامات الشباب بعيد الميلاد تكاد تكون محدودة فهي تقتصر على اشياء بسيطة نظرا لضيق الوقت لديهم بسبب الانشغال بالعمل أو الدراسة أو الأولاد..
يقول تومي ويكي مارك وهو في الثامنة والعشرين من العمر لـ “الكومبس” : “إذا ما قارننا الاستعداد والاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية بالماضي فإن الفرق كبير نوعا ما.. فنحن نقوم بشراء الهدايا للعائلة والأصدقاء وكذلك نهيئ الزينة وشجرة الميلاد ونضع بعض اللمسات التي تظهر معالم العيد في المنزل باستخدام اللون الأحمر في الستائر والأغطية والشموع وغير ذلك.. بعدها يكون جل اهتمامنا في شراء الملابس التي سنرتديها عشية العيد أو الاحتفال برأس السنة الجديدة.
وبالتأكيد لن ننسى ذكر المشروبات الكحولية وكل شيء يجلب السعادة إلى نفوسنا في مثل هذه الأيام التي تجمعنا بأهلنا واصدقائنا لنحتفل معا.

طعام العيد

في بلداننا الشرقية لدينا اعيادنا واهمها عيد الفطر وعيد الاضحى، ومعروف ان للعيد طعام خاص وحلويات تشتهر بها كل بلد..
ترى هل ان للعيد طعامه الخاص في السويد؟
طرحنا هذا السؤال على السيدة براني أي بانكيرد، وهي من أصل تايلندي ولكنها تعيش مع رجل سويدي منذ خمس وعشرين عاما.
تقول براني بأنها اعتادت أن تهيئ كرات اللحم وأنواع السمك ومنها المدخن وعلى الاغلب تكون هذه الأسماك نية وتضاف إليها النكهات الخاصة. وكذلك تحضر الديك الرومي وهو من ملامح العيد، ولحم الخنزير والسجق.
اما بالنسبة للحلويات والكعك فأبرزها الكعك الخفيف pepparkakor وكعك الزعفران lussebullar والكيك العادي sockerkaka ولكن الزعفران هو البارز في اغلب أنواع الكعك.

الساحات والشوارع

من يسير في شوارع مملكة السويد وساحاتها، سيمتع عينيه بجمال زينة اعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية حالها حال اية دولة أوربية اعتادت على إظهار معالم الترحيب بالعيد والعام الجديد.. ليس هناك فرق بين أصغر قرية وبين العاصمة ستوكهولم من خلال ذلك السحر الذي يتلألأ مع حبات الثلج المتناغمة مع موسيقى الميلاد..
كل شيء يوحي بالسعادة والدفء في بلاد البرد.. فالبيوت مزينة بلون الحب من الداخل والشوارع مضيئة وراقصة على بياض الثلج النقي الذي يندمج مع امنيات المحبين بعام سعيد.

ساكنة أحمد

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.