معتقلو غوانتانامو العائدون للجزائر: ظلام السجن أهون من ذلّ الوطن

: 6/18/12, 4:19 PM
Updated: 6/18/12, 4:19 PM
معتقلو غوانتانامو العائدون للجزائر: ظلام السجن أهون من ذلّ الوطن

الجزائر – رحب ناشطون ومنظمات حقوقية جزائرية بأحكام القضاء الجزائري ببراءة أغلب المرحلين من معتقل غوانتانامو الأميركي في شبه الجزيرة الكوبية إلى الجزائر، واعتبروا الحكم "انتصارا للعدالة الجزائرية"، وإنهاء لملف أثار الكثير من الجدل السياسي.

الجزائر – رحب ناشطون ومنظمات حقوقية جزائرية بأحكام القضاء الجزائري ببراءة أغلب المرحلين من معتقل غوانتانامو الأميركي في شبه الجزيرة الكوبية إلى الجزائر، واعتبروا الحكم "انتصارا للعدالة الجزائرية"، وإنهاء لملف أثار الكثير من الجدل السياسي.
لكن محللين يتساءلون عن خلفيات سياسية قد تكون وراء تبرئة المعتقلين الجزائريين السابقين العائدين من غوانتنامو، خصوصا ان نهج السلطات الجزائرية ما يزال يستند في أولوياته المعلنة على الأقل على مكافحة الارهاب.
وكانت محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة قد برأت نهاية الأسبوع الماضي ساحة عبار الهواري (42 سنة) وعابد أحمد (60 سنة) من تهمة "الانتماء إلى جماعة إرهابية تنشط في الخارج"، وهي التهمة التي مثلا أمام هيئة المحكمة لمواجهتها، والتي التمس من أجلها النائب العام عقوبة 10 سنوات سجنا نافذا قبل أن يتم تبرئتهم من الجرم المنسوب لهما، وكان المتهمان قد تم ترحيلهما إلى الجزائر في نوفمبر 2008 بعد إطلاق سراحهما من سجن غوانتانامو حيث قضى الهواري سبع سنوات وأحمد خمس سنوات، عانوا خلالها الكثير من أشكال العذاب المختلفة.
"لا يوجد دليل لإدانتهم"
وتأتي هذه المحاكمة استمرارا لسلسلة محاكمة مشابهة فصلت فيها محكمة جنايات العاصمة تخص المعتقلين المرحلين من غوانتانامو، حيث برأت ستة متهمين هم عبدلي فوغول وطراري محمد وحدرباش سفيان وحمليلي عادل أمين طيب وزميري أحسن وحمليلي مصطفى. كما أصدرت ذات المحكمة في جانفي 2012 بسجن عبد العزيز ناجي (38سنة) المدعو حنظلة بالسجن ثلاث سنوات نافذة بتهمة الانتماء الى "منظمة عسكر طيبة" في كشمير قبل أن يلقي الجيش الأميركي القبض عليه في بيشاور سنة 2002"، كما اصدرت المحكمة حكماً غيابياً سنة 2009 يقضي بالسجن 20 سنة بحق بلباشا أحمد، وهو معتقل جزائري يرفض الترحيل بدعوى "مخاوف من سوء معاملة".
وأكدت محامية المتهمين المرحلين من غوانتنامو حسيبة بومرداسي أن المحكمة الجزائرية وصلت إلى قناعة ببراءة المتهمين من التهم المنسوبة لهم "لأنه لا يوجد دليل إدانتهم"، مشيرة إلى أن المتهمين نفيا عبر كل مراحل التحقيق وبالدليل القاطع انتماءهما لأي جماعة إرهابية تنشط بالخارج"، واعتبرت المحامية بومرداسي أن محاكمات المرحلين لها ظروفها الخاصة، "لأن التعذيب الذي تعرض له هؤلاء على يد القوات الأمريكية، جعل الرأي العام الجزائري والعالمي يتعاطف معهم، ويساند قضيتهم، ولأن محكمة الجنايات تبنى أحكامها الجزائية على الجزم واليقين وليس على الشك والتخمين، فكان الحكم ببرائتهم".
مآسي المرحلين مستمرة
ولم تنته محنة المعتقلين بأحكام البراءة التي استفادوا منها، فلازال الكثير منهم يصارع الزمن من أجل الاندماج في المجتمع الجزائري الدين غابوا عنه لسنوات طويلة، ويشكو غالبيتهم من أمراض نفسية وجسدية ورثوها من سنوات السجن والتعذيب، ومن انعدام مصادر الرزق بالجزائر، ويناشدون السلطات الجزائرية مساعدتهم من أجل استعادة إنسانيتهم وذويهم في الخارج.
مصطفى حمليلي (53 سنة) المعتقل السابق في غوانتانامو والحاصل على حكم البراءة شهر مارس الماضي، يطالب الآن السلطات الجزائرية بمساعدته في إحضار زوجته وأولاده الخمسة من باكستان، ويقول "أتمنى أن تستجيب الحكومة الجزائرية لطلبي بلم شمل عائلتي، لأنهم يعشون الآن ظروف صعبة جدا، فلا معيل لهم ولا كفيل، وقد تركوا مقاعد الدراسة، وهم الآن عرضة لآفات الفقر والجهل"، كما ناشد مصطفى حمليلي السلطة مساعدته بتوفير منصب عمل أو تمويل مشروع اقتصادي صغير يواجه صعوبات الحياة ومتطلبات العيش الكريم مع أولاده في ما تبقى له من العمر.
نظام الحكم يبعث برسائل عبر القضاء
ويعتقد الدكتور زهير بوعمامة أستاذ العلوم السياسية بجامعة عنابة أن قرار القضاء الجزائري بتبرئة العائدين من غوانتانامو يشير الى جملة من الرسائل التي ارادت السلطة الجزائرية أن تبعثها في اتجاهات مختلفة، فهي "تريد أن تؤكد بأنها لازالت وفية لأحد ثوابتها في السياسة الخارجية، وهو استقلالية قراراتها الخارجية أو تلك التي لها تأثيرات ذات طبيعة خارجية عن أي قوة إقليمية أو عالمية، كما تسعى لتأكيد التزامها المطلق بمشروع المصالحة الوطنية وتوسيعه لهذه الفئات التي مارست أو اتهمت بأنها مارست أعمالا لها علاقة بما يسمى الارهاب في الخارج.
أما الرسالة الأخيرة التي بعثت السلطة الجزائرية فهي، برأي بوعمامة"رسالة تطمين لأولئك الجزائريين المشككين أو المترددين في العودة الى أرض الوطن ممن رحلوا من غوانتانامو أو الفارين في مختلف دول العالم، والذين يبررون ترددهم ورفضهم بخشيتهم من اعتقالهم ومعاقبتهم من قبل السلطة في الجزائر دون الحصول على محاكمة عادلة".
وعن الموقف الأميركي المندد بأحكام البراءة التي حصل عليها المعتقلون يضيف بوعمامة أن القضاء الجزائري يريد أن يثبت بأنه يتعامل بموضوعية وحرفية تامة في هذا الملف الحساس على الرغم من الموقف المحتج للإدارة الأميركية من قرارات مماثلة عام 2010، "لكن يجب إدراك التغيرات الحاصلة في سياسة الإدارة الأميركية مع معتقلي غوانتنامو بعد مجيء الرئيس أوباما، والتي وعدت بتصفية هذا الملف السياسي والقضائي والإنساني الشائك الذي طالما أثار العديد من الانتقادات خاصة من قبل النشطاء والعاملين في حقل حقوق الانسان".
ضرورة إعادة إدماج المرحلين
و في قراءته لحكم المحكمة يرى المحلل السياسي والصحفي بجريدة الشروق اليومي لخضر الرزاوي أن الأحكام بالبراءة في حق أغلب المتهمين المرحلين من غوانتانامو في ظاهرها عدم وجود أدلة تدين هؤلاء المتهمين بالانتماء لجماعات إرهابية في الخارج أو الداخل، أما باطنيا، فالأحكام رسالة واضحة بعثت بها السلطة الجزائرية إلى جميع الجزائريين المضطهدين أو الفارين في الخارج، بأنها تقف إلى جانبهم، وتساعدهم من أجل العودة إلى أرض الوطن دون أي خوف.
ويضيف إن السلطة الجزائرية عبرت عن تعاطفها مع محنة هؤلاء في غوانتانامو من خلال القضاء، والأحكام جاءت متناغمة مع تصريحات وزير العدل السابق بعدم متابعة المعتقلين حالة عدم ثبوت تورطهم في قضايا إرهاب ضد مواطنيهم، ومنسجمة أيضا مع مطالب الحكومة الجزائرية في السنوات السابقة بضرورة غلق المعتقل".
ويرى الرزاوي أن الطريقة التي تعاطت بها السلطة مع معتقلي غوانتانامو هدفت منه في الأساس كسب القليل من المشروعية المتآكلة بسبب السياسات الداخلية، وإطالة عمر النظام عبر استغلال التعاطف الشعبي معهم.
ويعتقد الزاوي أن حكم البراءة غير كاف، ولا بد من مرافقة هؤلاء المرحلين للاندماج في المجتمع ومساعدتهم نفسيا و اجتماعيا و اقتصاديا لتجاوز الأهوال الشديدة التي عاشوها في معتقل العار الأميركي.
وما يرجح القراءات القائلة بأن تبرئة سجناء غوانتنامو السابقين وراءه رسائل سياسية، ان معاملة المعتقلين على ذمة قضايا الارهاب في الجزائر ما تزال تكتنفها تجاوزات عديدة، وهو ما تتداوله تقارير منظمات حقوق الانسان.
كما ان ما يطلق عليه"سياسة المصالحة الوطنية" تعرضت لانتكاسات وما يزال قطاع مهم من إسلاميي حزب جبهة الانقاذ الإسلامية خارج دائرة المصالحة، وضمنهم قيادات بارزة. كما واجه نظام الحكم الجزائري دعوات الاصلاح التي جاء بها الربيع العربي، بـ"خصوصية" الحالة الجزائرية متطلبات الحرب على الارهاب.(دويتشه فيلله)

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.