معهد ستوكهولم لأبحاث السلام: العالم يتعثر في حقبة أخطار جديدة

: 5/23/22, 5:33 PM
Updated: 5/23/22, 6:30 PM
دبابة ليوبارد 2
دبابة ليوبارد 2

يرى معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”، أن العالم مهدد بمخاطر أمنية معقدة وغير متوقعة. لكن وفقًا لتقريره الأخير، فإن السياسيين لا يستعدون بشكل كافٍ لتلك “الحقبة الجديدة”.الصورة الكبيرة التي يرسمها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” (SIPRI)، يظهر فيها الوضع العالمي في مواجهة أزمات متزايدة التعقيد وغير متوقعة. التقرير التحليلي، الذي أصدره المعهد تحت اسم “بيئة السلام: الأمن في عصر جديد من المخاطر” تثير بدايته القلق بأكبر قدر ممكن، لكنه يفعل ذلك ليعطي بعدها الأمل.

حالة طوارئ عالمية تسبب أزمات متعددة

نحن “في حالة طوارئ على مستوى كوكب الأرض”، يحذر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، المعروف بتقاريره السنوية عن تصدير الأسلحة. ازدياد حدة الأزمات البيئية والأوضاع الأمنية، أدى إلى تفاقم الأوضاع بشكل خطير. إذ تتزايد عمليات إزالة الغابات وذوبان الأنهار الجليدية وتلوث المحيطات بالبلاستيك، جنبًا إلى جنب مع زيادة أعداد الوفيات بسبب النزاعات والإنفاق على الأسلحة والمجاعات. كما خلقت الأوبئة، مثل تلك التي سببها فيروس كورونا، المزيد من الأخطار.

مثال على ذلك هي الصومال. ففي الدولة الواقعة في منطقة القرن الأفريقي، دفع الجفاف المستمر، إلى جانب الفقر ونقص المؤن وضعف الحكومة، الناس إلى أحضان جماعة “الشباب” الإسلامية المتطرفة. ومن المناطق التي تعاني من أزمات هناك منطقة أمريكا الوسطى أيضا. فوفقا لتقرير معهد ستوكهولم أدى نقص المحاصيل هناك نتيجة لتغير المناخ المرتبط بالعنف والفساد، إلى موجات فرار نحو الولايات المتحدة.

ويضيف التقرير أنه لا توجد خطة عابرة لحدود الدول، وأن العالم “يتعثر” في مواجهة حالة الخطر الجديدة المعقدة. ويحذر دان سميث، مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في سياق حديثه مع DW من أن “الطبيعة والسلام مرتبطان ارتباطًا وثيقًا لدرجة أن إلحاق الضرر بأحدهما يضع ضغوطا على الآخر، بينما دعم أحدهما يقوي الآخر. العمل ممكن وحان الآن وقت التحرك”.

صيحة تحذير للسياسيين وصناع القرار

يعتبر معهد أبحاث السلام السويدي أن أحدث تقاريره، الذي نُشر قبل وقت قصير من افتتاح منتدى ستوكهولم التاسع للسلام والتنمية، هو بمثابة صيحة تحذير للسياسيين وغيرهم من صناع القرار. ويتهم التقرير المذكور بعض الحكومات بأنها لم تدرك خطورة الأزمة، أو أنها نظرت في الاتجاه الآخر، أوأججت حالة انعدام الأمن. ويعلق دان سميث قائلا: “بينما هنالك رؤساء دول وحكومات آخرون يرحبون بالتحرك (لتدارك الأزمة)، ولكن لديهم أولويات أخرى تحتاج إلى وقتهم واهتمامهم بشكل عاجل، مثل جائحة كورونا في العامين الماضيين والآن الحرب في أوكرانيا”.

استنتج الباحثون الثلاثون الذين أعدوا التقرير، من معهد أبحاث السلام ومؤسسات أخرى، أنه: “قد يكون المجتمع الإنساني أكثر ثراءً مما كان عليه في السابق، لكنه (الآن) أقل أمنا بشكل واضح”. ويصفون في 93 صفحة العواقب العالمية التي يمكن أن تنتج عن الأحداث الإقليمية في عالم اليوم المتشابك.

فكوارث الطقس الناجمة عن تغير المناخ ووباء كورونا تهدد سلاسل التوريد العالمية. كما يتسبب العنف وكوارث المحاصيل في جعل حياة الكثير من المزارعين لا تطاق، وساهم في إطلاق موجات الهجرة على مستوى العالم. والأكثر معاناة هم “في كثير من الأحيان دول تعاني بالفعل من الفقر وسوء الإدارة الحكومية”.

ووفقًا للأرقام الواردة في تقرير “بيئة السلام: الأمن في عصر جديد من المخاطر”، تضاعفت النزاعات المسلحة بين عامي 2010 و2020 بين الدول فوصلت إلى 56 نزاعا مسلحا. كما تضاعف عدد اللاجئين والنازحين، وقفز إلى 82,4 مليون. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك زيادة في الرؤوس الحربية النووية في عام 2020، بعد سنوات من التخفيض. وفي عام 2021، تجاوز الإنفاق العسكري العالمي 2 تريليون دولار. لاول مرة على الاطلاق.

المزيد من المخاطر بسبب عدم الاستعداد

تصف ورقة معهد ستوكهولم البحثية أيضًا حالة كارثية فيما يتعلق بالبيئة. حيث أورد التقرير أن نحو ربع جميع الأنواع مهددة بالانقراض، وأن أعداد حشرات التلقيح آخذة في الانخفاض بشكل سريع، كما أن جودة التربة آخذة في التدهور، “في حين يستمر استغلال الموارد الطبيعية مثل الغابات والأسماك بشكل غير مستدام”. وتؤدي التغيرات المناخية إلى زيادة حدوث واشتداد الظواهر الجوية المتطرفة.

واستشهدت وزيرة الخارجية السويدية السابقة ومفوضة الاتحاد الأوروبي للبيئة مارغوت فالستروم بجائحة كورونا، والتي أظهرت لنا “المخاطر التي نواجهها حينما لا نكون مستعدين” لها. وقالت فالستروم إنه مع تفاقم الأزمات البيئية والأمنية “تحتاج الحكومات إلى تقييم المخاطر الوشيكة، وتطوير القدرة على التعامل معها، وجعل المجتمعات أكثر قدرة على الصمود”. ومارغوت فالستروم هي واحدة من أعضاء لجنة الخبراء الدولية التي تقدم المشورة لمبادرة معهد ستوكهولم المسماة “بيئة السلام”.

ووفقًا لتقديرات باحثي السلام، فقد أظهرت كوريا الجنوبية كيفية التصرف بنظرة مستقبلية. وطبقت الدولة الآسيوية الدروس المستفادة من تفشي وباء “سارس” عام 2002. وتمكنت من خفض معدل وفيات “كوفيد-19” لديها إلى حوالي 10 في المائة من معدل الوفيات في البلدان التي بها عدد سكان مشابه في العامين الأولين من الوباء. ونتيجة لذلك، تجنبت كوريا الجنوبية الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية “التي شعرت بها الدول الأخرى التي لم تكن مستعدة بشكل كاف لمواجهة الوباء”.

الحلول المقترحة لمنع الأزمات

يوضح مؤلفو معهد ستوكهولم لأبحاث السلام في تقريرهم السبل الممكنة للخروج من الأزمة كدليل لصانعي القرار السياسي. ومن بين أمور أخرى، فإن الرؤى بعيدة النظر ضرورية، ولكن أيضًا العمل على المدى القريب. ويتطلب عصر المخاطر الجديد نوعا جديدا من التعاون لمواجهة التهديدات المشتركة. وعمليات صنع القرار، بداية من الأمم المتحدة ووصولا إلى المشاريع المحلية، يجب أن تضع في الاعتبار الأشخاص الأكثر تضرراً.

ولكن هل هذه التوصيات واقعية؟ أليس الوصول إلى مستوى جديد أفضل للتعاون الدولي هو مجرد أمنية، في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا والتهديد ببناء ستار حديدي جديد وتزايد التوترات الغربية مع الصين؟ ويعلق دان سميث، مدير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام قائلا: “إذا افترضت أن شيئًا ما مستحيل، فإنه سيصبح مستحيلاً”.

ويرى أنه يجب على رؤساء الدول والحكومات في جميع البلدان التصرف من منطلق المصلحة الذاتية. “إنهم يعلمون أن تدمير البئية يؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن. ولأنهم يحتاجون إلى الأمن، يتعين عليهم محاربة تدمير البيئة. ويمكنهم القيام بذلك فقط بالتعاون معًا. “تمامًا مثلما فعلت الصين والولايات المتحدة في إعلانهما المشترك بشأن التعاون في حماية المناخ في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السادس والعشرين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، المعروف أيضًا باسم “كوب 26” .

دور ألمانيا في التغيير

يرى سميث أن ألمانيا تلعب، باعتبارها قوة اقتصادية كبرى، دورًا سياسيًا مهمًا في إحداث التغيير الضروري. وكانت ألمانيا الدولة الأولى “التي طرحت موضوع الارتباط بين تغير المناخ والمخاطر الأمنية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. والآن يمكن لألمانيا أن تقود التحول في مجال الطاقة “والذي لا يقتصر على التخلص من الوقود الأحفوري الروسي فقط، ولكن التخلص من الوقود الأحفوري ككل”.

رالف بوزن/ ص.ش

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.