نهاية اللعبة السورية وروسيا

: 7/21/12, 9:00 PM
Updated: 7/21/12, 9:00 PM
نهاية اللعبة السورية وروسيا

قارب الماراثون الدبلوماسي حول سورية الذي استمر خلال أشهر عديدة، على نهايته. فبعد التفجير الإرهابي الموجه ضد القيادة العسكرية والأمنية السورية واندلاع موجة شديدة من المواجهات المسلحة في دمشق وعلى نطاق البلاد كلها فإن الحديث عن "الحوار الوطني المنشود" فقد أي معنى، في نظري.

قارب الماراثون الدبلوماسي حول سورية الذي استمر خلال أشهر عديدة، على نهايته. فبعد التفجير الإرهابي الموجه ضد القيادة العسكرية والأمنية السورية واندلاع موجة شديدة من المواجهات المسلحة في دمشق وعلى نطاق البلاد كلها فإن الحديث عن "الحوار الوطني المنشود" فقد أي معنى، في نظري.

لا تنوي المعارضة على اختلاف تلاوينها، كما يبدو، إجراء محادثات مع النظام، خاصة فهي شمت "رائحة الانتصار العسكري القريب". أما النظام فهو سار على نهج الثأر والانتقام بعد خسارة عدد من شخصياته البارزة.

وفي مثل هذا الظرف لن يعني تنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم، إذا قرر ذلك، افتراضيا، إلا فراره بعد أن زال عن الوجود احتمال ترك المنصب مع الحفاظ على ماء الوجه والذي ربما كان ممكن الحدوث قبل عدة شهور مضت. وعلى خلفية كل هذه التطورات والاحتمالات باءت خطة المبعوث الأممي – العربي المشترك إلى سورية كوفي عنان بالفشل. وتواجه سورية الآن خطر تمرير أسوأ السيناريوهات بالنسبة لها وهو تصعيد الحرب الأهلية بسرعة، لاسيما والقوى الخارجية ستعمل كل ما بوسعها لصب الزيت على النار، ومنها السعودية وقطر من خلال إمداد المعارضة بـ "مستلزماتها" من جهة، وإيران عن طريق دعم النظام السوري بمختلف الوسائل من جهة أخرى. ومع الأسف الشديد، يعتبر هذا السيناريو بالذات من السيناريوهات الأكثر احتمالا.

ويبدو مستقبل سورية قاتما وضبابيا. وحتى الإطاحة بالرئيس السوري الحالي أو تنحيه "المنظم" – إذا كان حظه كبيرا – سيفسح المجال حتما أمام نشوب صراعات فوضوية على السلطة بين مختلف المجموعات والأجنحة والعائلات. وفي الوقت نفسه، ليست المعارضة السورية موحدة أو متماسكة، فالمجلس الوطني السوري الذي يدعي حقه في تمثيل كل الغاضبين على النظام لا يسطر بكل جلاء على فصائلها المتعددة، بينما يدل طابع العملية الإرهابية الأخيرة في دمشق ضد القيادات العسكرية والأمنية على تعاظم قدرة المكون الإسلامي المتشدد وسط القوى المنتفضة.

ويخيم على سورية خطر حقيقي لغرق البلاد في دوامة رهيبة من تصفية الحسابات الطائفية التي قد تشنها "الأغلبية السنية" في حال وصولها إلى الحكم بعد عقود من الممارسات التعسفية لـ "النظام الاستبدادي" المرتبط بالأقلية العلوية وغيرها من الأقليات التي يعتبرونها سندا وعونا لـ "الدكتاتور".

مما لا شك فيه أن الأنظمة الملكية الخليجية التي تزود المعارضة السورية بالسلاح لن تقلق كثيرا من حملات اضطهاد في حق المسيحيين السوريين، مثلا، فيما سيتغاضى الغرب عن "الفظائع العابرة" من خلال منع صحافته بكل بساطة من تناول الموضوعات "المزعجة" للقارئ الليبرالي الديمقراطي.

أما فيما يتعلق بروسيا فهل كسبت موسكو شيئا من مواجهاتها الطويلة والحادة مع الغرب والعالم العربي في الشأن السوري خلال أكثر من نصف السنة الأخيرة؟

هنا يجب القول إن النتيجة ستكون مؤسفة للغاية إذا اعتمدنا أسلوب قياس الفعالية عن طريق استخدام معيار تواجد روسيا في سورية ونفوذ موسكو في الشرق الأوسط ككل. غير أن لب المسألة لا يكمن في ذلك لأن مصالح روسيا ومواقعها في هذه المنطقة من مناطق العالم كانت ولا تزال تستند إلى ما ورثته من الاتحاد السوفيتي بعد انهياره عام 1991، أي إلى ذلك الرصيد الذي لا بد من تداعي أساسه بسبب الزوال الحتمي، تاريخيا، للأنظمة الشريكة للسوفيت والمحسوبة عليهم.

وجدير بالملاحظة أن أي سلطة جديدة في سورية مهما كانت انتماءاتها لن تنحاز لموسكو في أي حال من الأحوال حتى لو وقفت روسيا إلى جانبها من البداية، لأن كل فصائل المعارضة تعتبر الغرب والبلدان العربية الغنية شركاء أكثر أمانة لها بالمقارنة مع روسيا التي كانت قد أقامت علاقات صداقة مع "الحكام الدكتاتوريين".

وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن روسيا قد تنصرف من ساحة الشرق الأوسط في تطور منطقي لاحق لأن البلاد لن تكون أبدا من جديد دولة عظمى من الطراز السوفيتي، وهي ستضطر بالتالي إلى حصر مجال مصالحها ضمن الحدود المعينة القريبة جغرافيا، فيما لن تستطيع الولايات المتحدة – بخلاف روسيا – ترك هذه المنطقة نظرا لتلاقي الأشياء الحيوية الكثيرة بالنسبة لها هناك في إطار تطلعاتها إلى فرض زعامتها العالمية.

لكن لا بد من التوضيح أن روسيا ومنذ بداية الأزمة السورية لم تكن تمارس لعبتها من أجل سورية أو الشرق الأوسط بقدر ما كانت تسعى إلى ضمان مكانتها في النظام العالمي المعاصر، وذلك من خلال إثبات أن أي أزمة دولية خطيرة لا يمكن إيجاد حل لها دون أخذ رأي روسيا بعين الاعتبار، أولا. ثانيا، عبر الحيلولة دون تكرار السابقة الليبية عندما أجاز مجلس الأمن الدولي بقرار خاص التدخل في الحرب الأهلية في هذا البلد بالانحياز إلى أحد طرفي النزاع.

وقد حققت موسكو هذين الهدفين على وجه العموم، ونال دورها الاعتراف من قبل الجميع، ولو رغم أنف بعضهم، بعد أن أمكن تجنب التدخل الخارجي السافر في شؤون سورية (على غرار ما حصل في ليبيا). ولم يبق أمام روسيا إلا أن تفعل شيئا آخر وهو المساعدة على إجراء انتقال سلس للحكم في سورية قد يشمل استضافة رئيسها.

وسيقول الكثيرون "شكرا" لروسيا، رغم أن الأزمة السورية لن تنتهي عند هذا الحد، بل قد تدخل مرحلة جديدة، في غالب الظن.

فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"

أنباء موسكو

21 يوليو 2012

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.