الكومبس – ثقافة: تؤمن الروائية العراقية الشابة نور البدري، أن لا معنى لأي عمل روائي، إن لم يلامس هماً إنسانيا عميقاً، ويربي الأمل بصفته غاية الكتابة الأولى.
نور اعتبرت في حوار “الكومبس” معها “أن الأهمية الحقيقية لأي عمل أدبي تنبع من قدرته على سبر أغوار الذات اولاً ونقل اختلاجات النفس بصفتها خطوة مفتاحية للتواصل مع الآخر ومحاورته”.
وترى نور أن القيمة المُضافة للرواية هي القدرة على طرح رؤىً إنسانية جديدة، لا تتحدد بعدد صفحات العمل أو مدة الكتابة.
ولا تعير نور أهمية كبرى لما يقال عن حاجز اللغة، وتثق ان روايتها قادرة على الوصول إلى المتلقي عبر الترجمة وليس بالضرورة أن تكتب باللغة السويدية.
نور البدري تحكي عن روايتها “بصيص من نور” في هذا الحوار الخاص بـ الكومبس:
ما هي حكايتك بجمالها وحزنها؟
يتجسد الجمال في الرواية بتلك القيم الإنسانية النبيلة التي يسعى لها أبطال الرواية، وفي العلاقات الاجتماعية التي تنظر للإنسان على أنه قيمة عليا في الحياة دون النظر إلى مرجعياته أو انتمائه، الجمال بالنسبة لي هو الإنسان بكل تجلياته بفاعليته وبمقدرته على التعايش، فلا مجال للحزن مادام هناك “بصيص من النور”.
الحزن في الرواية هو دافع لخلق حياة مليئة بالفرح، ويشكل في بعض الأحيان لحظات وجود للشخصية، ومن خلالها تبحث عن مكامن السعادة، شخصيات الرواية لا تستلم لآلامها وأحزانها، وكل ما يؤطر الشخصية بالحزن هو غلاف هش سرعان ما يتحطم مع أول بارقة امل، قد يكون للحزن وجود في الرواية لكنه حزن قائم على فقد التواصل الإنساني.
هل أثر شيء من تفاصيل حياتك في الرواية؟ وهل العراق موجود ولو مجازا؟
لا أخفي سراً إذ أقول إن المؤلف ينطلق من ذاته أولاً، فكل ما يتحرك داخل الرواية هو جزء من شخصيته، والحالات الإنسانية هي حالات عامة نشترك بها جميعاً، نعم هناك خطوط كثيرة في الرواية تنطلق من اعماقي، حتى وإن تقاطعت فهي جزء مني، فأنا أدرك فعلاً أن الكتابة مسؤولية نابعة من الذات باتجاه الذات، اخاطب شخصاً ما يشاركني نفس القيم ونفس السلوك، إنه الإنسان وإن لم أكن جزءاً من الرواية فلن يستطيع أن يتفاعل معي.
العراق شاخص في الرواية سواء رمزاً أو وجوداً حقيقياً، يكفي أن كل هواجسي وانفعالاتي التي أكتب بها أستمد طاقتها من بلدي الحقيقي، المكان في الرواية ينتسب إلى حالة البطل الشعورية واللاشعورية فالبيئة تعني الإنسان هو الحافظة الحقيقية للآخر، بغض النظر عن الجغرافية ومسمياتها.
لماذا اخترت عنوان (بصيص من نور)؟ وما هو النور الذي سنراه في الرواية؟
(بصيص من نور) عنوان يتكامل معه المعنى، فهو يحمل مدلولاً واضحاً يستمد تأويلاته من حركة الإنسان باتجاه الهدف، ما يجب أن نفعله هو أن نرى النور حتى في أشد لحظات العتمة، فأنا على يقين أن لدى الإنسان قوة كامنة بداخله ترى كل شيء مضيء وذلك عندما يتغلب على مخاوفه ويثق بقدراته، الأمل هو أن لا نيأس والبصيص رحلة في دهاليز الذات الإنسانية لتحفيزه على المضي قدماً باتجاه النور.
النور في الرواية هو ذاك الدفق الإنساني المشع الذي ينبع من الروح الإنسانية، فلولا هذا النور الوهاج لا نستطيع ان نحدد مساراتنا نحو المستقبل، إنه طاقة مخزونة لدى الإنسان يترجمها على شكل عواطف ومشاعر وفعل إنساني، هو أيضا الحب الذي يملأ ارواحنا، نعم سنرى النور ان شئنا، انه في داخلنا فقط نحتاج الى متنفس صغير لنضيء العالم بنورنا – نور الانسان.
كم عدد صفحات الرواية؟ هل اخذت منك وقتاً طويلاً في كتابتها؟
عدد الصفحات 106، برأيي الوقت ليس هو المهم في كتابة الرواية، المهم هو أن تكتمل شروط انتاجها، وأقصد الأفكار والبناء العام واللغة وأسلوب الكتابة، حين تكتمل هذه الأشياء اكتملت الرواية مع وجود الاسترسال في الكتابة، لقد تهيأت لي ظروف صحية لكتابة الرواية ساعدت على انجازها بالوقت الذي حددته لها، لكن ما يهمني فعلاً هو ليس الوقت بل نضوج الرواية حتى وإن استغرق ذلك أعواماً عدة، فأنا بطبيعتي متأنية وغير متسرعة في الكتابة فالتأني يجعلني أكثر حرصاً على الكلمة.
يقولون لكل شاعر شيطان شعر.. هل للكاتب ايضاً شيطان او ملهم؟
ما يلهمني للكتابة هي تلك الاحداث المتسارعة التي يمر بها العالم والمتغيرات التي تطرأ عليه، ليس لدي شيطان خاص بي أو ملهم يمنحني القدرة على الكتابة، إنها اللحظة، هي من تلهمني وتدفعني نحو فعل الكتابة، وكذلك الإنسان ذلك المخلوق الرائع هو مصدر طاقتي وإلهامي.
أين أصبح مشروعك الروائي؟ وما الذي ستقدمينه للأدب العربي في ظل امتلاء رفوف المكتبات بالروايات التي تقرأ ولا تقرأ؟
الكتابة ليس مشروعاً بحد ذاته إنما هي وسيلة لخلق التواصل مع الآخر، ما يفرضه عليّ المنطق وما تمليه علي الظروف سيتحول الى كتابة في أي لحظة، أنا امرأة تعشق الكلمة وتوليها اهتماماً بالغاً لذلك سأجد نفسي منساقة خلف الكلمة المعبرة الهادفة دون تخطيط مسبق، لم أفكر مطلقاً بما سأضيفه للمكتبة، انا امتلك رؤية وعليّ أن امنحها الى المتلقي بأي وسيلة كانت، فالكتابة هي وسيلة لتصدير ما أفكر به وما أرغب بمعالجته بناءً على ما أمتلك من رؤى ، عليّ أن افعل ما يجب فعله، وعلى الاخر أن ينتقي ويختار فكلانا نشكل ديمومة الحياة.
هل ستكتبين مستقبلاً رواية باللغة السويدية؟
إذا تمكنت من اللغة السويدية أو أي لغة أخرى سأكتب بها، وإن لم أستطع فبالإمكان ترجمة ما أكتب الى لغات عدة.
أنت شابة في العشرينات وواضح أنك تشقين طريقك في الاتجاه الصحيح، ما الذي تنصحين به بنات جيلك؟
أنصح بنات جيلي أن يعبرن عن ذواتهنّ، ويثبتن وجودهنّ بالطرق التي تجعلهنّ متميزات، فالتميز يبدأ من الاختيار، وعليهن اختيار الوسيلة الصحيحة التي تعبر عن كيانهن..
حاورتها: ختام سليم