بعد مرور قرن من الزمان على اكتشاف الانسولين لا يزال ألم الحُقن يشكل هاجساً عند المرضى الذين يتشوقون للتخلص منه، بينما يكمن هاجس علماء تطوير وصناعة الأدوية في الوصول لحل مشكلة عدم إمكانية إعطاء المريض الجرعة اللازمة من الانسولين عبر الجهاز الهضمي. ومع تطور التكنولوجيا الصناعية والعلوم عموماً أصبح الحلم أقرب ما يكون من الحقيقة في أيامنا هذه.
وبما أن مرض السكري يهم الإنسانية جمعاء فقد تم تحديد يوم ١٤ نوفمبر يوماً عالمياً لمرض السكري من قِبل الاتحاد الدولي للسكري ومنظمة الصحة العالمية، وتهدف من خلاله السلطات المختصة إلى التوعية بمرض السكري. وقدّ اختير هذا التاريخ تكريماً للعالم الكندي “فريدريك بانتينج” الذي شارك في اكتشاف الأنسولين مع تلميذه تشارلز بيست في عام 1922.
سنلقي الضوء في هذا المقال على الجهود الصناعية في تطوير صناعة توصيل الانسولين لاستبدال استخدام الحقن المعتادة التي تشكّل مصدر ازعاج لعموم المرضى الذين طالما عانوا من وخزها. ولكن قبل ذلك سنبدأ بمقدمة عامة عن مرض السكري وأنواعه وأعراضه وطرق علاجه.
مقدمة عامة عن مرض السكري
تشير الاحصائيات إلى أن أعداد المصابين بمرض السكري قد تجاوز 500 مليون مصاب ويُتوقع أن تتزايد وتيرة الإصابة بهذا المرض بشكلٍ مستمر. وداء السكري هو مرض مزمن يحدث عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الإنسولين بكمية كافية، أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعال للإنسولين الذي ينتجه وهناك أنواعٌ متعددة لداء السكري، منها:
النوع الأول والذي يظهر في كافّة المراحل العمرية، وداء السكري من النوع الثاني والذي يعتبر أكثر شيوعاً عند الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 40 عامًا. وبغضّ النظر عن نوع المرض فإن النتيجة واحدة وهي زيادة السكر (الفركتوز) في الدم حيث ينعكس ذلك بشكل سلبي على صحة المصاب.
تختلف أعراض مرض السكري بحسب معدل سكر الدم حيث أن بعض الأشخاص المصابين بمقدمات داء السكري من النوع الثاني، قد لا يعانون من الأعراض في البداية. وتعتبر زيادة العطش، وكثرة التبول وفقدان الوزن، والإرهاق من أشهر أعراض مرض السكري.
بالنسبة لعلاج مرض السكري فهو يختلف باختلاف نوع المرض ومتابعة السكر في الدم. ففي حالة داء السكري من النوع الأول يتلخص العلاج في استخدام حقن الانسولين بينما يُنصح في حالة داء السكري من النوع الثاني بتغيير نمط الحياة مثل تغيير النظام الغذائي والروتين اليومي بالإضافة إلى مراقبة نسبة السكر في الدم،و إلى تناول أدوية السكري أو حُقَن الأنسولين أو كليهما. وتختلف آلية عمل أدوية داء السكري، ففي بعض الأحيان يتم وصف أدوية تُحفِّز البنكرياس لإنتاج كمية أكبر من الأنسولين وإطلاقها. وتمنع بعض الأدوية الأخرى إنتاج الغلوكوز من الكبد وإطلاقه، الأمر الذي يُشير إلى أنك بحاجة إلى نسبة أقل من الأنسولين لنقل السكر في الخلايا. يُعد الميتفورمين (Metformin)(جلوكوفاج،جلوميتزا، وغيرهما) عامةً أول دواء يوصف للنوع الثاني من داء السكري.
الجهود المبذولة لاستبدال حقن الانسولين:
يعتبر استبدال حقن الانسولين بأدوية تؤخذ عن طريق الفم أو أي طرق أخرى كالأنف أو الجهاز التنفسي هدفاً للعلماء في قطاع الصناعات الدوائية لما في ذلك من خدمة عظيمة للإنسانية بتخفيف الألم خصوصا على الأطفال المصابين بمرض السكري.
وتجدر بالإشارة الى أن عدم إمكانية تصنيع الانسولين على شكل أقراص فموية تعود لأسباب عديدة نذكر منها طبيعة الانسولين كونه بروتيناً و لايتناسب مع البيئة الحمضية في الجهاز الهضمي بالإضافة لوجود العديد من الانزيمات في الجهاز الهضمي التي تؤدي إلى فقدان فعاليته قبل أن يستفيد منه الجسم.
في عام ٢٠٠٦م كان العالم مع موعد مع أول منتج لعلاج داء السكري عن طريق الانسولين الذي لا يتم حقنه في الدم، وذلك بعد ان أعلنت شركة بفيزر الامريكية (Pfizer) عن أول منتج لعلاج السكري بالأنسولين عن طريق الجهاز التنفسي حيث يقوم المريض باستنشاق العقار عن طريق الفم ليصل الانسولين الى الرئتين ومنها إلى الدورة الدموية وبذلك يتم حماية الانسولين من التعرض للظروف غير المناسبة في الجهاز الهضمي، ولكن سرعان ما طالبت الشركة بسحب المنتج من السوق واغلاق المشروع وسط خيبة أمل كبيرة ممن انتظر هذا المنتج الذي أطلق عليه اسم Exubera.
ومن ذلك الحين لا تزال المحاولات من العلماء في مراكز البحث والشركات متواصلة لايجاد وسيلة بديلة عن الحقن تضمن نقل الانسولين والحفاظ على فعاليته.
آخر التطورات:
قام الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وعلى رأسهم العالم روبرتر لانغر
(Robert S. Langer) بالتعاون مع علماء من شركة الأدوية الدنماركية نوفو نورديسك ( Novo Nordisk) وشركاء آخرون بتصميم كبسولة أدوية جديدة يمكنها حمل الانسولين وحمايته من البيئة الغير ملائمة في الجهاز الهضمي. الكبسولة مصممة لتقوم بنفسها بحقن الانسولين في بطانة المعدة وبعد ذلك يتم انتقالها للجهاز الهضمي.
في الفيديو المرفق شرح عن آلية عمل هذه الكبسولة التي تبلغ من الحجم ما يقارب حبة التوت البري وتاخذ شكل السلحفاة الذي يضمن لها وضعية محددة ومن ثم توجّه نفسها بحيث تتلامس الإبرة مع بطانة المعدة لذلك اطلق عليها اسم SOMA اختصاراً ل(Self-orienting millimeter-scale applicator).
عند دخول الكبسولة المعدة تقوم بحقن الانسولين بواسطة إبرة تخرج منها حيث يتم توصيل الإبرة بنابض مضغوط يتم تثبيته في مكانه بواسطة قرص من السكر. عند ابتلاع الكبسولة يُذيب الماء الموجود في المعدة قرص السكر، فيطلق النابض ويحقن الإبرة في جدار المعدة. ومن الجدير بالذكر أن جدار المعدة لايحتوي على مستقبلات للألم لذلك يعتقد الباحثون أن المرضى لن يتمكنوا من الشعور بالحقنة. التجارب على الحيوانات أعطت نتائج ايجابية ومرضية حيث تم الوصول لجرعة الانسولين المطلوبة دون أعراض جانبية على بطانة المعدة أو أعراض جانبية أخرى ومايزال العمل بالمشروع مستمراً على أمل ان يصبح منتج في الأسواق بأقرب فرصة ممكنة.
وأخيراً ننصح بزيادة الوعي حول مرض السكري والوقاية من مضاعفاته والعلامات التحذيرية للإصابة به. كما يُنصح بالتواصل بالطبيب او المركز الصحي إذا ما لوحظ أيّاً من الأعراض المحتملة للسكري وذلك أن كلما شُخصت الحالة مبكرًا، كان بدء العلاج أسرع.
الدكتور أمجد حلاوي
أستاذ محاضر في جامعة أوبسالا
