المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
مقال أكاديمي يكتبه أنس مقيد، محاضر وباحث في مجالات الأعمال والحوسبة
الكومبس – رأي: أثارت خطة الحكومة السويدية الأخيرة التي تقدم للمهاجرين ما يصل إلى 350 ألف كرون سويدي مقابل العودة الطوعية إلى أوطانهم الكثير من النقاش والجدل[1]. يوجد في السويد حوالي مليوني مهاجر يشكلون 20 بالمئة من سكان السويد. العديد من هؤلاء الأفراد والعوائل فروا في الأصل من الحروب أو الاضطهاد أو الصعوبات الاقتصادية، لكن أغلبهم استطاع الاندماج منذ ذلك الحين في جوانب مختلفة من الحياة السويدية وسوق العمل. يعمل المهاجرون كمهندسين وأطباء وعمال أساسيين، ويساهمون بشكل كبير في قطاعات مثل الرعاية الصحية والبناء والأعمال التجارية. ومع ذلك، وفي حين أن هذه السياسة يتم تقديمها كحل اقتصادي، إلا أنها تثير مخاوف جدية حول تأثيرها الأخلاقي والنفسي على المجتمعات. ينتقد هذا المقال هذه السياسة، بحجة أنها قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية وتقويض جهود الاندماج طويلة الأمد.
الآثار الأخلاقية والمعنوية
تشير العديد من الأبحاث في علم النفس الاجتماعي إلى أن السياسات التي تُعتبر إقصائية، مثل تشجيع العودة الطوعية، يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على الرفاه الاجتماعي والنفسي للمهاجرين. قد تؤدي هذه السياسات إلى شعور المجتمعات المتضررة بالتهميش والاغتراب وانخفاض تقدير الذات. أظهرت دراسة أجراها جون بيري وعلماء آخرون (2006) على حوالي 8000 مهاجر[2] أن المهاجرين من الجيلين الأول والثاني يعانون ضغوطاً نفسية متزايدة عند مواجهة سياسات وممارسات إقصائية. تشمل هذه التأثيرات السلبية الشعور بالعزلة، والارتباك في الهوية، والشعور بعدم الانتماء “لا ينتمون هنا ولا هناك”، مما يمكن أن يسهم في مشاكل الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب. وهذا بدوره يعطل عملية الاندماج الاجتماعي ويقلل من التماسك الاجتماعي العام.
خلص الباحثون بناءً على هذه النتائج إلى أنه في المجتمعات التي تستقبل المهاجرين، يجب على الحكومات دعم وتشجيع المهاجرين على اتباع مسار الاندماج، حيث أن التكيف النفسي والاجتماعي الثقافي يكون أكثر إيجابية بين أولئك الذين يوجهون أنفسهم في هذا الاتجاه. ينبغي على الحكومات تطوير سياسات وبرامج تشجع مشاركة المهاجرين في الحياة اليومية للمجتمع الوطني، حتى لا يظلوا منعزلين في مجتمعاتهم الخاصة أو مغتربين عن المجتمع الأكبر.
” من الواضح أن سياسة الإقصاء، التي تؤدي إلى تهميش الشباب، ليس لها ما يوصي بها كسياسة عامة. “
بيري وآخرون – 2006
الاقتصاد والهجرة والإنتاجية طويلة الأمد
يساهم المهاجرون بشكل كبير في الاقتصاد، وتظهر الإحصائيات تأثيرهم الإيجابي في مختلف القطاعات. في السويد، يلعب المهاجرون دوراً حيوياً في سد النقص في العمالة، لا سيما في القطاعات مثل الرعاية الصحية، والتصنيع، والبناء. على سبيل المثال، وفقًا لقاعدة بيانات الإحصاءات السويدية لعام 2020، يشكل الأطباء الممارسون الذين وُلدوا خارج السويد 34٪ من جميع الأطباء، و12٪ من جميع الممرضات. بالإضافة إلى ذلك، وُلد 26٪ من مساعدي التمريض (undersköterska) في الخارج، مما يبرز وجودهم الكبير في القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية[3].
نسب المهاجرين العاملين في مجال الرعاية الصحية
يساهم المهاجرون أيضاً في ريادة الأعمال وإنشاء الشركات. وفقًا لتقرير العام 2021 الصادر عن وكالة النمو الاقتصادي والإقليمي السويدية[4]، بدأ المهاجرون 20 بالمئة من الشركات الجديدة في السويد. هذا النشاط الريادي يخلق فرص عمل، ليس فقط للمهاجرين، لكن أيضاً للمواطنين المولودين في السويد، مما يساهم في الاقتصادات المحلية ويزيد من عائدات الضرائب.
الشركات التي أسسها أشخاص وُلدوا في الخارج
أظهرت دراسات أخرى من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) [5]أن المهاجرين يسهمون في نمو الناتج المحلي الإجمالي من خلال مشاركتهم في سوق العمل. في السويد، يُقدر أن المهاجرين يسهمون بنحو 5 بالمئة إلى 10 بالمئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي سنوياً. علاوة على ذلك، ساعدت مشاركة المهاجرين في سوق العمل على التخفيف من آثار شيخوخة السكان من خلال الحفاظ على معدلات المشاركة في القوى العاملة أعلى مما كانت ستصبح عليه.
على مستوى أوسع، أشار تقرير من المفوضية الأوروبية إلى أن 17 بالمئة من القوى العاملة في السويد تتألف من أفراد وُلدوا في الخارج، و30 بالمئة منهم يشغلون وظائف عالية المهارة، ما يوضح المساهمات المتنوعة للمهاجرين عبر مستويات المهارة. تشير هذه النتائج إلى أن المهاجرين ليسوا فقط ضروريين لملء الوظائف منخفضة المهارة، بل يسهمون أيضاً بشكل كبير في المهن الماهرة، والابتكار، واقتصاد المعرفة.
بشكل عام، توضح هذه الأرقام الدور الكبير والإيجابي الذي يلعبه المهاجرون في الاقتصاد السويدي. تشجيع العودة الطوعية يعرض السويد لخطر فقدان رأس مال بشري قيّم يسهم في الإنتاجية، وريادة الأعمال، والنمو الاقتصادي طويل الأمد.
أخلاقيات الحوافز المالية والمسؤولية الاجتماعية
من منظور أخلاقي، يثير استخدام الحوافز المالية لتشجيع العودة الطوعية أسئلة حول طبيعة الاختيار الطوعي. يجادل العلماء مثل صامويل باولز، في عمله على الحوافز الاقتصادية والمعايير الاجتماعية[6]، بأن الحوافز المالية قد تقوّض القيم الأخلاقية، لا سيما عندما تُستخدم للتأثير على القرارات المتعلقة بالهوية الشخصية والانتماء. قد يُنظر إلى عرض المال للمهاجرين للمغادرة على أنه إكراهي، خصوصاً عند استهداف الأفراد الضعفاء اقتصادياً الذين قد لا يكون لديهم خيار حقيقي سوى قبول العرض.
تناقش دراسة في مجلة الأخلاقيات والرفاه الاجتماعي (2019) كيف يمكن لهذه السياسات أن تخلق معضلة أخلاقية لكل من الأفراد والدولة. من خلال تصوير عودة المهاجرين على أنها حل مالي، تعمل هذه السياسة ضمناً على تسليع مفهوم المواطنة والانتماء، وتقليص المهاجرين إلى مجرد أعباء اقتصادية بدلاً من الاعتراف بحقوقهم الإنسانية ومساهماتهم في المجتمع. وهذا يمثل مشكلة خاصة في دول الرفاه مثل السويد، حيث المساواة والتضامن الاجتماعي من القيم الأساسية.
نجاح الاندماج ورأس المال الاجتماعي للمهاجرين
على عكس الافتراض الذي يقول إن العديد من المهاجرين يفشلون في الاندماج أو المساهمة بشكل إيجابي في المجتمع، تظهر الأبحاث باستمرار أنه عند تقديم الدعم المناسب، يمكن للمهاجرين أن ينجحوا في الاندماج ويضيفوا رأس مال اجتماعياً كبيراً إلى البلدان المضيفة لهم. تُظهر دراسات مثل عمل بورتس وتشاو (1993) [7]حول “طرق مختلفة يتأقلم بها الناس للعيش في بلد جديد” أن المهاجرين، وخاصة الجيل الثاني منهم، غالباً ما يحققون مستويات عالية من التعليم والنجاح الاقتصادي بمرور الوقت، بشرط أن يتم تقديم مسارات نحو الإدماج الاجتماعي والاقتصادي لهم.
وتبرز مجلة الهجرة والاندماج الدولية (2020) أن المهاجرين الذين يشاركون في برامج الاندماج المصممة جيداً هم أكثر عرضة لأن يصبحوا مواطنين نشطين، ويسهموا في تطوير المجتمع، بل وحتى يرشدوا الأجيال المستقبلية من المهاجرين. السياسات التي تدفع المهاجرين للمغادرة، بدلاً من الاستثمار في اندماجهم طويل الأمد، تخاطر بحرمان المجتمع من هذه الفوائد، وإضعاف الشبكات الاجتماعية، وخلق مجتمعات مهمشة.
التكاليف الاجتماعية طويلة الأمد للسياسات الإقصائية
يمكن أن تكون التكاليف الاجتماعية للسياسات الإقصائية كبيرة جداً. تؤكد أبحاث من معهد سياسة الهجرة (2019) [8]أن السياسات التي يُنظر إليها على أنها تستهدف مجموعات محددة، مثل المهاجرين، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية وزيادة كراهية الأجانب. غالباً ما تثير هذه السياسات شعوراً بالإقصاء بين المجموعات المتأثرة، وفي الوقت نفسه تعزز الشعور المعادي للمهاجرين بين السكان بشكل أوسع. ينتج عن هذا مزيد من الاستقطاب الاجتماعي، حيث تصبح المجتمعات المهاجرة أكثر تهميشاً، ويصبح المواطنون المولودون في البلاد أكثر تمسكاً بآرائهم السلبية تجاه المهاجرين.
مثل هذه الانقسامات تؤدي إلى تآكل التماسك الاجتماعي، ما يجعل من الصعب على الحكومات تنفيذ سياسات شاملة تعزز الاندماج. ومع زيادة انقسام المجتمع، يزداد احتمال حدوث اضطرابات مدنية، حيث تشعر المجموعات المهمشة بمزيد من الاغتراب عن الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يمكن لهذه السياسات أيضاً أن تؤجج الحركات الشعبوية التي تزدهر على الانقسامات وتستخدم الخطاب الإقصائي لكسب الدعم السياسي. في هذا المناخ، تصبح الآراء المتطرفة أكثر شرعية، ما يزيد من تعقيد الجهود لبناء مجتمع شامل.
يحذّر تقرير صادر عن الشبكة الأوروبية ضد العنصرية (2017) [9]من أن السياسات التي تدفع الناس إلى المغادرة، حتى لو طواعية، يمكن أن تعزز الصور النمطية العرقية والإثنية، ما يؤدي إلى زيادة جرائم الكراهية والتمييز والعزلة الاجتماعية. بالنسبة لبلدان مثل السويد، حيث كانت المساواة الاجتماعية والشمول جزءاً من الهوية الوطنية، تمثل مثل هذه السياسات خطوة خطيرة إلى الوراء.
حقوق الإنسان والاعتبارات المتعلقة بالقانون الدولي
من منظور حقوق الإنسان، يُعتبر تقديم حوافز مالية للمهاجرين للعودة إلى بلدانهم الأصلية متناقضًا مع المبادئ الدولية للكرامة الإنسانية والهجرة الطوعية. شددت وكالة الأمم المتحدة للاجئين (UNHCR) [10]باستمرار على أن العودة الطوعية يجب أن تكون طوعية بشكل حقيقي، دون إكراه مالي أو غيره. جادل العلماء بأن الحوافز المالية الكبيرة يمكن أن تخلق وضعًا يشعر فيه المهاجرون الضعفاء بأنهم مجبرون على المغادرة، حتى عندما يكون البقاء في مصلحتهم.
إعادة التوطين الطوعي: الحماية الدولية – مصدر الصورة
وفقًا لمجلة القانون الدولي للاجئين (2021) [11]، تقع على عاتق الدول مسؤولية ضمان أن سياساتها المتعلقة بالهجرة لا تضغط على الأفراد لاتخاذ قرارات تقوض حقوقهم في الحياة الأسرية، والأمان، والتطور الشخصي. تقديم حوافز مالية لإعادة التوطين، لا سيما للمقيمين لفترات طويلة أو للمهاجرين من الجيل الثاني، قد يخاطر بانتهاك هذه المبادئ من خلال خلق ظروف يصبح فيها المغادرة الخيار الوحيد الممكن.
الفوائد المزعومة للحافز
يجادل مؤيدو حافز العودة الطوعية بأنه يمكن أن يخفف العبء على نظام الرفاه في السويد، خاصة مع زيادة معدلات الهجرة وارتفاع المخاوف. بعض المجموعات السياسية، مثل حزب ديمقراطيي السويد (Sverigedemokraterna)، المعروف بجذوره في الأيديولوجيا القومية اليمينية المتطرفة، غالباً ما يصور المهاجرين على أنهم عبء على المجتمع، ويلقي باللوم عليهم في مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية. هذا السرد يصرف الانتباه عن المشاكل الهيكلية الكبرى، مثل الفجوات في سوق العمل والخدمات الاجتماعية غير الكافية، التي تؤثر ليس فقط المهاجرين بل على العديد من السويديين أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، تواجه السويد أزمة سكن مع نقص المنازل الميسورة في المدن الكبرى، وطول فترات الانتظار للحصول على الخدمات الصحية، والفوارق التعليمية، خصوصاً في المناطق ذات الكثافة السكانية المهاجرة والدخل المنخفض. الجريمة المنظمة وعنف العصابات هي أيضاً قضايا ملحة تتطلب اهتماماً يتجاوز مجرد الخطاب الموجه نحو الهجرة[12]. على نطاق أوسع، التهديدات الخارجية، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، تسلط الضوء على الحاجة إلى دفاع وطني أقوى وزيادة التركيز على الاستقرار الجيوسياسي، حيث إن مشهد الأمن في السويد يستمر في التطور. معالجة هذه القضايا العميقة ستخلق مجتمعاً أكثر شمولًا ومرونة لجميع السويديين، بغض النظر عن خلفياتهم[13].
ومع ذلك، يثير هذا النهج تساؤلات جوهرية حول قيم السويد وأولوياتها. بدلاً من التركيز على التدابير الإقصائية، سيكون البديل الأكثر استدامة وإنسانية هو الاستثمار في برامج الاندماج التي توفر فرصاً متساوية للمهاجرين للمساهمة في المجتمع. تفخر السويد تاريخياً بكونها دولة رفاه شاملة، حيث تعد المساواة الاجتماعية قيمة أساسية. إذا ركزت الحكومة على توسيع الوصول إلى التعليم، وتدريب اللغة، وفرص العمل، فإن المهاجرين سيكونون قادرين على الاندماج بشكل أفضل في الاقتصاد والمجتمع، مما سيفيد السويد على المدى الطويل. لقد أثبتت دول مثل كندا وألمانيا، التي استثمرت في برامج اندماج شاملة، أنه عندما يُمنح المهاجرون فرصاً متساوية، يمكنهم أن يصبحوا مساهمين ناجحين في الاقتصاد والثقافة والمجتمع. يمكن للسويد أن تتعلم من هذه النماذج من خلال إعطاء الأولوية للشمولية والتماسك الاجتماعي بدلاً من الإقصاء والانقسام.
[2] Berry, J. W., Phinney, J. S., Sam, D. L., & Vedder, P. (2006). Immigrant youth: Acculturation, identity, and adaptation. Applied Psychology: An International Review, 55(3), 303–332 – source
[5] OECD. (2021). International Migration Outlook 2021. Organisation for Economic Co-operation and Development – source
[6] Bowles, S. (2016). The Moral Economy: Why Good Incentives Are No Substitute for Good Citizens. Yale University Press.
[7] Portes, A., & Zhou, M. (1993). The new second generation: Segmented assimilation and its variants. The Annals of the American Academy of Political and Social Science, 530(1), 74-96.
[8] Migration Policy Institute. (2019). The impact of immigration policies on social cohesion.
[9] European Network Against Racism (ENAR). (2017). Shadow Report: Racism and Discrimination in Sweden.
[10] UNHCR. (2021). Guidelines on Voluntary Repatriation: Ensuring Free and Informed Choice.
[11] International Journal of Refugee Law. (2021). The rights to family life and security for refugees and migrants – source.