أبجديات صناعة التطرف.. وشهد شاهدٌ من أهله!

: 7/30/22, 8:09 PM
Updated: 7/30/22, 8:09 PM
أبجديات صناعة التطرف.. وشهد شاهدٌ من أهله!

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: من الصعب أن نصف بدقة مفهوم التطرف أو نضع له تعريفاً شاملاً، لكن يُعرَّف التطرف لغة بأنه تجاوز حد الاعتدال، واصطلاحاً هو تجاوز القيم المجتمعية السائدة وتبني أفكار وسلوكيات متشددة حول قناعات معينة تعتبر مقدسة بالنسبة للمتطرف وغير قابلة للنقاش، ويراها صالحة لكل زمان ومكان، وتطبيقها واجب عليه حتى لو كان العنف هو الوسيلة.

تتضافر عدة عوامل في صنع شخصية المتطرف، منها عوامل ذاتية وأخرى اجتماعية وبيئية وثقافية واقتصادية وسياسية…الخ، وبينما يبدو صعباً أن نعرف من أين أتى كل ذلك، فمن الواضح سيكولوجياً أن التطرف فكر يتغذى على تقوية غريزة الخوف، وينمو في ظلها. الخوف من الآخر، الخوف من الاختلاف، الخوف على جماعة أو ثقافة أو بلد معين ينتمي إليها المتطرف، الخوف على قدسية أفكار معينة تبدو بالنسبة له مسلّمات يجب فرضها على الجميع، إلى أن يصبح الخوف والشعور بالخطر الدائم محركاً ماورائياً للتطرف. هذا الخوف هو الثغرة التي يستغلها المتطرف لتجييش الآخرين وهو اللغة التي يعتمدها أي خطاب متطرف لتأجيج مشاعر الناس وتحريكهم وفق غاياته.

المتطرف هو شخص يسعى إلى التجييش في إطار الهويات بشتى أنواعها، الهويات الدينية والاجتماعية والعرقية وغيرها، يرى العالم من منظور أحادي قائم على معتقداته فقط، لكنه في الوقت نفسه يقسِّم العالم إلى ثنائيات: حق وباطل، حلال وحرام، عدو وصديق، مع وضد، شجاع وجبان، قوي وضعيف، ظالم ومظلوم، جلاد وضحية، نحن و هُم، أنا والآخر…الخ. هنالك دائماً ضدان وكأنها حرب، وكل من لا يشاركه أفكاره أو قناعاته. كل من هم ليسوا في صفه هم أعداؤه في حربه.

لا يولد المتطرف متطرفاً، إنما يكتسب التطرف، ويتنامى مع مرور السنوات، وبذلك لا يمكن تحديد كل السمات المشتركة بين الشخصيات المتطرفة، لكن الشبه المؤكد هو الزاوية التي يرون العالم من خلالها، وهي زاوية الأبيض والأسود، وكذلك التقوقع على الذات والتمحور حول أفكار التطرف وهواجسه.

المتطرف ليس جاهلاً بالضرورة أو غير متعلم، فقد يكون أستاذاً في جامعة أو كاهناً أو قساً أو إماماً أو شخصاً ذا شأن ومكانة اجتماعية وأكاديمية مرموقة.

ما هي أسباب التطرف؟

يمكننا هنا أن نجد أسبابا كثيرة تتضافر وتتعاضد في جعل شخصيةٍ ما متطرفة، بدءاً من الأسباب التي تخص بيئة وطفولة الشخص نفسه، كتعرضه لصدمات نفسية معينة أو فقدان البيئة الداعمة له في مرحلة مبكرة من الحياة أو الضغوطات التي قد تُمارس عليه قبل سن الرشد، إضافةً إلى أسباب اجتماعية منها الفقر والجهل وتدني المكانة الاجتماعية والثقافية، إلى أسباب أكثر تعميماً مثل الخلفيات الثقافية المتشددة التي لا تقبل الآخر ولا تعترف بالاختلاف و يغلب عليها تعزيز الأوهام والخرافات، كذلك التحالفات القائمة على أساس الهويات. كل هذه الأسباب المنظورة وغيرها تسهم في تنشئة مضطربة، وتنعكس على شعور الشخص بالظلم والاضطهاد والخوف وتشكِّل نواة بناء الفكر المتطرف فيما بعد.

أمام مرآة التطرف

يرى المتطرف نفسه شجاعاً وصادقاً، ويرى الآخر الذي لا يشاركه أفكاره ذاتها، جبانا وكاذبا، بهذه الحديّة يقسِّم العالم، وبهذه الاندفاعية يفهم الآخر، وحتى بالنسبة للنصف الثاني من العالم الذي يمثل الأفكار و القناعات المعاكسة له ( الأعداء) فهو لا يرى إلا المتطرِّف منهم، وكأنه ينظر إلى نفسه في المرآة.

فمثلاً حين يتحدث اليميني السويدي المتطرف عن المهاجرين فهو لا يشير إلا إلى المجرم، أو ذلك الذي يتحايل على القانون. ولا يرى من الإسلام إلا سلوكيات المتطرفين فيه، داعش والقاعدة مثالاً. ولا يرى في الفكر الإسلامي سوى الترجمة الحرفية لآيات القتل والعنف ( ويا للمصادفة الترجمة المعتمدة لدى داعش ذاتها!). وبالطريقة ذاتها، حين يتحدث المتطرف الشرق أوسطي عن السويد ك بلد والسويدين كشعب ف هو لا يشير سوى للمتطرفين السويدين منهم.

وهكذا، لا يؤمن المتطرِّف السويدي بوجود مهاجرين أو مسلمين يعيشون بشكل مسالم، وينشغلون بحياتهم اليومية ومستقبل أطفالهم، فكل المهاجرين أو المسلمين في نظره متطرفون يسعون لتدمير الثقافة والقيم السويدية و حتى من هم ليسوا كذلك، ففي قناعته أنهم كذلك في داخلهم، لكنهم ينتظرون اللحظة المناسبة فحسب، ليظهروا وحشيتهم. المتطرف الشرق أوسطي ايضاً ينكر – بشكل أو بآخر – وجود سويدين مسالمين ومنفتحين ومرحبين بالآخرين المختلفين عنهم، ففي قناعاته أن الآخرين كلهم عنصريين وحاقدين ويتربصون بنا شراً.

صناعة خطاب التطرف

كيف يستطيع اليميني المتطرف أن يستقطب يمينياً متطرفاً آخر؟ غالباً ما يستخدم المتطرف وسائل مختلفة للدعاية لإنتاج خطاب كراهية ضد الآخر المختلف والمغاير، ليبرر للآخرين من أبناء مجتمعه ودينه وعرقه سبب نزوعه إلى التطرف، وليسهل عليه إقناعهم واستمالتهم إلى صفه. بالإضافة إلى أن المتطرف عنده إحساس عالٍ بالخطر يجعله نشطاً في نشر أفكاره وقناعاته بكل الوسائل والمناسبات الممكنة.

أول تلك الاستراتيجيات هي بناء صورة ذهنية سالبة عن ذلك الآخر، بواسطة الشائعات والتضليل والتدليس، وغالباً ما يسيء استخدام ما هو متاح من المعلومات عن ذلك الآخر، ويشرع في تفسيرها وتأويلها وفق رؤيته المتطرفة حتى يعمل على تنميط الآخرين ومن ثَمَّ شيطنتهم وتبرير استهدافهم.

ومن أبرز ما يستخدمه المتطرف ليستقطب متطرفاً آخر من داخل مجتمعه وثقافته، هو تضخيم الاختلافات الثقافية أو الدينية الموجودة في ثقافة الآخر المختلف والمغاير، الآخر الذي خطط لإقصائه واستبعاده، ويعمل على إبراز تلك الاختلافات بشكلٍ مبالغ به، بحيث تصبح مخاوف وهواجس مرعبة للمجتمع لا يمكن التعايش معها. وهكذا تنمو الكراهية والبغضاء في أعماق كثيرين من البسطاء إلى الحد الذي يدفع الكثير من الناس إلى أن يلغي تفكيره، وينحاز نفسيا إلى خطاب التطرف، ويشرع في تمويل خطاب التطرف ودعمه دفاعا عن النفس.

وفقاً لقاعدة “وشهد شاهد من أهله” يحتاج المتطرف لأدلة على تؤكد مصداقية أفكاره التي يطلقها ضد الطرف الآخر. فمثلا: يستخدم المتطرف السويدي، ملحداً من خلفية إسلامية، كارها للإسلام، يخبره أن الإسلام خطر على البشرية، وأن المسلمين كلهم متطرفون وخطرون. ويجعل من أقوال هذا الملحد مثلاً حجة على أن كل المسلمين متطرفين طالما ان الشاهد ينتمي للضفة الآخرى.

كذلك يستخدم المتطرف الشرق أوسطي أقوال سويدي مكتئب كاره للغرب ومؤمن بنظرية المؤامرة، ليخبره أن العالم يتكوَّن من طرف عنصري وظالم، وهم هنا السويديون البيض عمومًا، وطرف آخر هو الضحية أي أنت وأنا وكل الأقليات. فهنا القائل سويدي ولابد ان كلامه صحيحاً، يردد المتطرف الشرق أوسطي.

الأداة الثانية التي يستخدمها المتطرف اليميني أيضًا هي المصادر المكتوبة والموثوقة والمعترف بها، ليجتزئ منها أو ينتقي ما يؤكد سرديته عن الآخر، فمثلا يأخذ آيات من القرآن تدعم أحاديثه أو تدور في نفس سياقها، لكي يؤكد للآخرين أن الإسلام والمسلمين خطر على السويد.

بالمقابل يستخدم المتطرف الشرق أوسطي دراسات وكتابات لكاتب مشهور في- دراسات “ما بعد الاستعمار” مثلًا، من جامعات معترف بها ليستشهد بها ويثبت أن هذا المجتمع عنصري؛ ويؤكد للآخرين أن السويد والسويديين عنصريون وخطر كبير على ثقافتنا وديننا.

في كثير من الحالات يستخدم المتطرف السويدي والمتطرف الشرق أوسطي نفس المصدر لكن يفسرها كل منهم بطريقة مختلفة – خارجه عن السياق في معظم الحالات. لنفترض ان هناك إحصائيات تثبت أن أن نسبة الأجانب العاطلين عن العمل أكثر من غيرهم. هذه الإحصائيات عادة يتم فهمها من قبل الباحثين بشكل معقد، فأسباب البطالة مثلاً عديدة جداً تجعل بشكل او بآخر ان بعض الجماعات تكون عرضة لها أكثر من غيرها. لكن المتطرف سواء كان سويدياَ او شرق اوسطياً لا يهتم لهذه التفاصيل ولا يبحث عن إجابات معمقة ومفصلة وإنما هي غالباً إثبات لافتراض معين موجود مسبقاً. مثلا السويدي المتطرف يمينياً يتخذ من زيادة البطالة بين الأجانب دليلا على أنهم جاؤوا إلى بلده ليسرقوا أموالها وأنهم يشكلون خطراً كبيراً على أموال الضرائب التي تدفع وعلى نظام الرفاه الاجتماعي كله. بالنسبة للشرق أوسطي المتطرف يمينياً يتخذ هذه الأرقام دليلا على تفشي العنصرية في المجتمع السويدي. وعلى أن السويديين لا يريدون المهاجرين ان يعملوا وينجحوا وانما أن يبقوا في البيوت كي “يختطفوا أولادهم مثلا”.

ولإحداث تأثيرٍ بالغ يستخدم المتطرف كل المؤثرات البصرية والسمعية، ويحشد عددا من المغالطات التي تبدو منطقية فمثلا يستخدم أدلة مُصورة، أو مشاهد حية، مثل فيديوهات تنشر كيف تعرض رجال الشرطة للقصف من قبل إسلاميين متطرفين أو عصابات إجرامية، لكي يؤكد للآخرين أن المهاجرين والمسلمين خطر على السويد ومؤسساته. وبالطريقة نفسها، يستخدم المتطرف شرق الأوسطي فيديو يصوِّر عنصريا سويديا وهو يؤذي فتاة محجبة أو شخصًا ذا بشرة داكنة؛ لكي يؤكد على تطرف السويد والسويديين ويشير إلى خطرهم على الأقليات.

في الخلاصة نجد أن المتطرف سواء كان هنا أو هناك فهو ذلك الشخص الذي يبحث دائما عما يفرِّق ويمزق، ذلك الذي يسعى إلى شيطنة الآخر المختلف عنه، ويجعل من الاختلاف سببا للتحريض عليه. المتطرف يبذل جهداً كبيراً في جعل الحياة مشحونة بالتوتر، فهو لا يبحث عن المشترك بينه وبين الآخرين المختلفين عنه ثقافيا أو دينيا أو عرقيا، ليبني مجالا عاما للتواصل والتكامل. المتطرف خطر على مجتمعه قبل أن يكون خطراً على نفسه والآخرين لأنه يدمر قيم التعايش ودائما يبحث عن عدو ليجعله هدفا لكراهيته، وأخطر ما تعانيه المجتمعات من أولئك الذين يتطرفون بزعم الدفاع عنها أن تطرفهم يرتد داخل المجتمع فيتهمون كل من لا يوافقهم بالعمالة والخيانة، ويشيعون حالة من الشعبوية والفرز والتهييج إلى درجة قد لا يمكن السيطرة عليها فتنزلق الأوطان إلى الفوضى والخراب.

أنور العقاب

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.