المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات الرأي – بقلم قيس قاسم : النماذج البشرية التي أخذها البرنامج التلفزيوني «أجيال الغرب الضائعة» لا تعطي فكرة واضحة عن المشكلات التي يعاني منها الشباب في الغرب، فحسب، بل تقدم أيضاً فكرة عن ديناميكية المجتمعات وبحثها الدائم لإيجاد حلول.
ويبدو ذلك بالاستناد الى قيم وثقافات حضارية قد تساعد في تجاوز الطابع الاقتصادي للأزمة بالرجوع اليها في الأوقات العصيبة، مثل التي تمرّ بها بلدان كثيرة، بينها اليونان وألمانيا واليابان التي زارها مراسلو التلفزيون السويدي ونسقوا مع أقرانهم في تلفزيونات من تلك الدول ليجروا تحقيقات مشتركة عن واقع الشباب في الغرب وكيف تهدد البطالة مستقبله وبالتالي مستقبل الدول إذا بقيت الأزمة على حالها. وبناءً على هذا الفهم بدأ البرنامج عرض مواقف سياسيين غربيين في اجتماعاتهم الموسعة ووعودهم المستمرة لحل مشكلة البطالة في صفوف الشباب التي باتت تؤرق العالم الغربي بأسره.
وعلى المستوى العملي لم تشفع وعود القادة الغربيين في التخفيف من بطالة الشباب التي بلغت نحو ستين في المئة من نسبة المؤهلين منهم لدخول سوق العمل، ما دفع كثراً لتغيير نمط الحياة، وأثّر بدوره على نمط ومستوى رفاهية المجتمع كما في الحالة اليونانية حيث يضطر كثر للعيش مع عائلاتهم.
وفي اليابان وفي ظل قيم «تقديس» العمل تصبح البطالة فعلاً مخجلاً. وللتخلص منها يلجأ الشباب الى إيجاد عمل بديل قد لا يتوافق مع طموحاتهم ولا حتى مع مستوياتهم الأكاديمية. أما في ألمانيا البلد الأفضل اقتصادياً حتى اللحظة، فالنظام المتبع فيها لحصول الشاب على عمل بخبرة تطبيقية يأخذ وقتاً طويلاً من حياته، لكنه يؤمن عملاً في النهاية رغم أنه يضعف الحماسة عنده في تأسيس عائلة ورعاية أطفال وتأمين سنوات الشيخوخة.
الرجوع الى الإرث الاجتماعي وتماسك العائلة يمنع شباباً كثراً في اليونان من العيش في الشوارع، كحال فاسو بابوليا من مدينة تسالونيكي، فهي عاطلة عن العمل رغم تخرجها في الجامعة. ولولا مساعدات أهلها لما استطاعت مقاومة الضغوطات النفسية والاقتصادية التي تواجهها. وحالها كما أوضح البرنامج تشبه حال آلاف من الشبان الذين تعيلهم عائلاتهم رغم بلوغهم سناً يشعرون معه بالحرج من الإتكال على غيرهم في توفير لقمة العيش.
كلمات فاسو أمام معدي برنامج «أجيال الغرب الضائعة» تؤلم سامعها: «أن تعتمدي في عيشك وفي هذا السن على أهلك شيء فظيع، لكنني مجبرة على ذلك وليست أمامي خيارات أخرى».
في اليابان تساعد تقاليد العمل وروح التضامن على تخفيف معاناة الشباب العاطل عن العمل، لكنها تظل موقتة في ظل أزمة مالية لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ عشرين عاماً، ارتفعت خلالها نسبة ديون الدولة الى مئتين في المئة عما كانت عليه في أوائل التسعينات، ما انعكس سلباً على معدلات النمو وارتفاع نسب التضخم والبطالة التي ارتفعت بدورها ووصلت نسبتها بين الشباب نحو ثمانية في المئة.
واذا كانت هذه النسبة تعتبر قليلة مقارنة بأوروبا، فبالنسبة الى مجتمع عرف عنه التفوق، تمثل تراجعاً وتهديداً لنظام الرفاهية ومجتمع فرص «العمل الدائمة» الذي يعود جزء منه الى موروث اجتماعي اقتصادي خاص طبّقه اليابانيون بعد الحرب العالمية الثانية ويعتمد على مبدأ تخفيض رواتب العمال في زمن الأزمات الاقتصادية كحل موقت يفضلونه على طرد قسم منهم.
وعلى المستوى الاجتماعي يبتكر أبناء المجتمع أعمالاً جديدة كبديل عن أخرى لم تعد متوافرة كما فعل ماتساموتو هايمي الذي افتتح محلاً لبيع الخردوات والأشياء المستخدمة في منطقته معتمداً على روح التضامن والتآزر الذي يبديه سكانها لإنجاحه. وفي المانيا تلعب قوة «الضوابط» وصرامتها عملها وإن أتت على حساب الشاب نفسه، كما جاء في البرنامج الذي رافق مجموعة من طلاب معاهد تأهيل العمل في حقل السياحة والفنادق يجمعون سنتين بين الدراسة واكتساب الخبرة العملية في أحد الفنادق الفخمة ويتقاضون خلالها راتباً شهرياً قليلاً، يقبلون به لأنه في النهاية جزء من نظام «التعليم المهني» الذي طبقته ألمانيا منذ أكثر من مئة عام وحقق نتائج باهرة.
ومع كل هذا يشعر الطلاب بأن وقتاً طويلاً من أعمارهم يضيع وسط نظام تأهيل صعب، تتمنى دول غربية كثيرة تطبيقه، للتخلص جزئياً من شبح البطالة الذي يخيم عليها ويهدد أجيالاً كاملة من شبابها بالضياع.
عن صحيفة الحياة