المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – زواية ولكن: من الصعب على العديد، خاصة ممن يعيشون خارج السويد وأوروبا إما جسدياً أو عقلياً استيعاب فكرة أن تدين الحكومة والمسؤولون عملا مثل “حرق المصحف” وتصف الفاعل بالأحمق والمعتوه، ولكن وبنفس الوقت تمنح هذا الأحمق والمعتوه تصريحا من الشرطة ولا تستطيع إيقافه.
وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم وقبل قليل رئيس الوزراء أولف كريسترشون وعدد من المسؤولين أدانوا الفعل والفاعل، كريسترشون قال إن حرق كتب تمثل قدسية للكثيرين عمل مشين للغاية. وأريد أن أعرب عن تعاطفي مع جميع المسلمين الذين شعروا بالإساءة بسبب ما حدث في ستوكهولم”. كذلك فعلت مجدالينا أندرشون عندما كانت رئيسة للوزراء.
ثنائية الإدانة والاستنكار والتعاطف من جهة ومن جهة ثانية منح تصاريح وحماية لمن تدينه وتستنكر أفعاله، تبدو وكأنها إما توزيع أدوار وازدواجية معايير، أو تناقض وتخبط في نظام الديمقراطية الغربية.
الحقيقة أن الموضوع أبسط من ذلك، الحكومة أو حتى الملك نفسه في السويد لا يستطيع خرق الدستور، ومسألة حرية التعبير والحق بالتظاهر، مسألة يكفلها الدستور وليست مجرد قانون برلماني، أي أن من واجب الشرطة ليس فقط أن لا تمانع بل وأن تؤمن الحماية لمن يريد أن يعبر عن رأيه.
حقيقه أدركها الأحمق بالودان وفهم أن حرق صفحات من ورق يقول إنه المصحف، عمل يمكن أن يستفز المسلمين بل ويمكن أن يثير بعضهم لممارسة أعمال شغب وعنف.
ولكن وكما يبدو أن أغلبية المسلمين في السويد، قد فهموا اللعبة ونعتقد ونتمنى أن لا يتورط أحد بأي ردة فعل عنيفة تحقق مآرب وأهداف هذا المتطرف الأرعن.
جميل أن نشاهد بيانات إدانة واستنكار من منظمات وجمعيات إسلامية فاعلة، والأجمل أن نرى أيضا أن معظم الدول العربية والإسلامية أصدرت أيضا بيانات قوية تطالب الحكومة السويدية بوقف هذه الاستعراضات الرعناء.
ولكن هناك ما هو أقوى وأهم من بيانات الإدانة يمكن للعرب والمسلمين أن يقوموا به في السويد، وهو أن يعرفوا كيف يمارسون نفوذهم على توجهات المجتمع السويدي خاصة.
المجتمع السويدي الآن يقف مع حماية دستور بلاده، ولكن هناك تقصير شديد في شرح خصوصية الرموز الدينية الخاصة بالمسلمين، هناك تقصير شديد في إيجاد اللغة المناسبة لمخاطبة المجتمع والتأثير عليه.
صحيح أن الدستور واضح ولا يمكن خرقه بمنع الناس من ممارسة حرية التعبير والتظاهر، ولكن هناك صلاحيات لدى الشرطة ممكن أن توقف منح التصاريح في حال شكل التظاهر خطر على الأمن العام.
لماذا لا تظهر الجاليات الإسلامية والعربية عضلاتها من خلال استخدام كل ما هو قانوني وشرعي، لبيان أن تصرفات بالودان وربما غيره من المعاتيه المفترضين، تصرفات تؤثر على الأمن وسلامة المجتمع، من خلال تنظيم ندوات باللغة السويدية وورش عمل ولقاءات مع الأحزاب والتواصل مع الصحافة السويدية وتشكيل مجموعات ضغط؟
هذا عمل يحتاج إلى جهد ومثابرة وتنسيق، وهو أصعب من أن نكتفي بإصدار البيانات والشكوى والتعبير عن الغضب.
لا نعتقد أن الموضوع له ارتباطات بخطة سويدية حكومية لإحراج تركيا أو بمعاقبتها، لأنه وكما يبدو من وقع بالإحراج ومن يتعاقب الآن هي فعلاً السويد وحكومتها، فيما نجد تركيا قد وُضِعت أو وضعت نفسها في المركز أو على رأس العالم الإسلامي في مواجهة فعل هو في الحقيقة مدان وشنيع وأرعن.
نحن نعيش في عالم صراعات، ولا مكان للضعيف غير القليل من الشفقة والرحمة، ولا مكان للقوي المتهور، يجب أن نعرف أيضا أن أغلبية المجتمع السويدي لا يريد التعاطف مع بالودان ولا يريد أن يشعر أي مسلم بالإهانة أو الإحباط.
الصحافة السويدية اليوم مليئة بالمقالات التي تشجب بالودان وأفعاله، إحدى الصحف كشفت أن من دفع رسوم مظاهرة حرق المصحف عن بالودان هو تشانغ فريك المحسوب على حزب الـ SD ومالك موقع الأخبار Nyheter idag ومقدم قناة SD Riks
خبر يعني الكثير، ويفسر ما يعنيه دور حزب يدير دفة الحكومة الحالية. مع أن الحزب تنصل من الشخص وقال إن تصرفه شخصي.
فيما كتبت إحدى السيدات السويديات اليوم تحت تغريدة رئيس الوزراء: “يجب أن ينفتح المجتمع أكثر في السويد على معرفة الإسلام والمسلمين من أجل ضرورات الاندماج، للأسف هناك من يربط المسلمين بالعنف والتطرف، هذا شيء فظيع ومهين خاصة للنساء المسلمات”.
لماذا لا نحول ما أحدثه بالودان من ضرر إلى منفعة لنا ونعتبر ذلك مناسبة ومبادرة لعمل مجتمعي متكامل نحو الانفتاح أكثر على المجتمع ومحاربة كل ما هو مسيء لنا وربما يؤسس لمجموعات تظهر أن المسلمين والعرب جزء من المجتمع والاقتصاد والأمن السويدي؟ سؤال لكل الجمعيات والشخصيات الفاعلة.
الدكتور: محمود آغا
رئيس تحرير مؤسسة الكومبس الإعلامية