المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: الإرتجال والإدعاء بالمعرفة متجذر في حياة المهاجرين، ويصدر منا ماندعي المعرفة به دون ترو ٍاو تفكّر او صبر.
المهاجرون من البالغين وصغارهم هنا يطلقون مايرتجلونه من فتاوى سريعة دون سند شرعي، فيحللون ويحرمون دون حق. بل اننا نسمع في دول المهجر كل يوم كلمة ( حرام ) مئات المرات وهي ترمى على عواهنها اما بهدف ادعاء العلم والتقوى، اوبهدف التمييز والتخويف وادعاء افضلية العقيدة !!! حتى ادى ذلك الى عزلات كثيرة عند المكونات المهاجرة جراء مبالغة البعض فيما يفرضون من محرمات على الآخر دون علم او معرفة او دين او جراء ادعاء معرفة متعجرفة جوفاء.
اذكر صبيا في المدرسة كان ينقل للصغار عن والدته الكثير مما تحرمه ماما .. وكان يلقي على مسامع الأطفال الناطقين بالعربية فتاوى التحريم المجاني لمجرد ان ماما حرمت وحللت ماتشاء! فمن اين جاءت سلطة الإفتاء لوالدته؟ ومن اين جاءت المعرفة للصبي الصغير بما يحل او يحرم، سوى الإدعاء والجهل بالدين واستسهال الإدعاء فيه دون ضمير او خوف من رب او من نص او حديث.
والحق ان المحطات التلفزيونية الكثيرة، والدعاة ومواقع رجال الدين امام مقلديهم فتحت المجال لسهولة التحريم وتسليم طاقة العقل لرجل الدين فيقود متلقيه دون تمحيص ودون اطلاق طاقة العقل والمنطق .. فهم تابعون و مغيّبون !!. ومعروف ان حق الإفتاء لايمنح لرجل الدين حتى يبلغ درجة من العلم وفق قاعدة (( التكليف الشرعي يؤتى على قدر العقل )) اي ان من لم يبلغ درجة علمية من الوعي بأمور الدين والتفكر بنصوصه واحاديثه واصول السيرة لايملك سلطة التحليل والتحريم.
وقد تسببت هذه القضية بأرباك العلاقات بين اللاجئين بين المسلمين انفسهم ومع غيرهم من المكونات وتصدعت علاقات كثيرة وانطوت المجموعات على بعضها في اللقاءات والنوادي والإتحادات الخاصة حتى غدا لكل مكون اجتماعي او ديني او قومي عزلته عن الآخر في بلدان اللجوء وفي السويد بشكل خاص كما نراه واضحا، وان هؤلاء الذين يرتجلون التحريم انما يبعدون فرص الإندماج والتقارب من خلال تنطّعهم بما لايعرفون .
واظن ان مسؤولية كبيرة تقع على عاتق وسائل الإعلام والخطباء والدعاة ليبصروا الناس بحدود مسؤولياتهم، فلا يحق لهم الإفتاء بالتحليل والتحريم بما يخالف الحديث والنصوص القرآنية.
وفي سورة يونس * 59 * نقرأ سؤالا كبيرا على الناس :
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾
وفي سورة النحل تكرار للنص القرآني الذي لايجيز لأي كان سلطة الرأي والأفتاء كيفما اتفق ونقرا في الآية * 116*﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ كما حرم فيما تلاها من ايات على الذين يشركون غيرهم في الأفتاء وترخيص رجال او نساء يفتون لهم كما في سورة النحل *117*﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
واشير الى ان الديانات القديمة انطوت على حدود للتحريم بما يضمن عافية الناس ويقيهم المرض والعلة والموت وبشكل يبني الضمير والوعي والأدراك لدى الناس ويؤالف بينهم ويقربهم في الغربات ولاينفّر بعضهم من بعض و يجعلهم اكثر الفة وثقة ،ً واتفاقا على قواعد التعايش وقبول الآخر والرضا، ولكن بكل اسف اقول ان احساس الوصاية والتغييب اوصلنا الى مجانية مانسمع من ارتجالات في التحليل والتحريم اودت بالكثير من القواعد المشتركة للتعايش والوحدة والأيمان، وجعلتهم تحت سطوة القسر والأدعاء والتخويف.. انها مجانية وارتجال ..تتطلب علاجا وموقفا مشتركا لمواجهة الوصاية.
﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾
الأعراف – 33
الكومبس : فاروق سلوم