المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منذ 20 يناير الحالي، وحتى اللحظة التي تقرأ فيها هذا المقال والهجوم على منى زكي أولاً وعلى صناع فيلم أصحاب ولا أعز ثانياً لم يتوقف. وتطور الأمر بعد أقل من 48 ساعة ليصل إلى بلاغ للنائب العام المصري. كل هذا بدأ بسبب لباس داخلي، ظهر أقل من ثلاثة ثواني.
قبل الدخول بالتفاصيل دعوني أعرفكم بشكل سريع على قصة الفيلم لمن لم يشاهده. تدور فكرة الفيلم حول اجتماع 7 أصدقاء على طاولة العشاء، يقررون أن يلعبوا لعبة بفتح هواتفهم وجعل كل مكالماتهم ورسائلهم مفتوحة إلى العلن فتبدأ الأسرار بالظهور. وهو من بطولة منى زكي، نادين لبكي، جورج خباز، إياد نصار، فؤاد يمين، عادل كرم. وهو نسخة من الفيلم الإيطالي Perfect Strangers إنتاج 2016.
والآن لماذا حصلت كل هذه الضجة؟
تابعت منذ اللحظة الأولى لعرض الفيلم ردود الأفعال. وفي بداية الأمر وأعني بعد ساعات قليلة من طرح الفيلم، بدأت التعليقات تنهال على وسائل التواصل الاجتماعي، فئة صغيرة علقت على العمل بشكل كامل وموضوعي. وفئات كثيرة انهالت على منى زكي بالهجوم والسباب وحتى التكفير.
وكان كل الهجوم على منى زكي متمحوراً حول أول مشهد تظهر فيه، حين تقوم بخلع سروالها الداخلي وتضعه في حقيبة يدها. ليكبر الهجوم بعدها ويصل للفيلم كاملاً، لكن أيضاً بسبب اللباس الداخلي وليس بسبب أحداث الفيلم ولينتهي هذا التطور ببلاغ من محام مصري للنائب العام ضد منى زكي بتهمة نشر الفسق والفجور حسب ادعائه. يمر بعدها يومان ويبدأ النقد بشكل واسع للفيلم كاملاً بسبب تطرقه للمثلية الجنسية والألفاظ المستخدمة وبسبب أحداث الفيلم الجريئة حسب وصفها من قبل المنتقدين.
لاحظوا معي أن خط سير الهجوم امتد ليومين كاملين حول اللباس الداخلي وصاحبته منى زكي. وحسب تحليلي فهذا لا يدل على شيء سوا أننا “أمة الترند”، بمعنى أن مجتمعاتنا وجدت حدثاً مختلفاً عما اعتادوا عليه، فبدأوا بمشاركة المنشورات من بعضهم مع إضافة سبةٍ أو لعنةٍ أو تهمة، دون مشاهدة الفيلم. وأكاد أجزم بأن أكثر من 90 بالمئة لم يشاهدوا الفيلم واكتفوا بالهجوم، لأنه ببساطة وبالمنطق، هل يعقل أن من هاجموا منى زكي بسبب هذا المشهد هم من متقبلي المثلية الجنسية؟ أو يقبلون بالألفاظ والأفكار التي جاءت في الفيلم؟
النسبة الأكبر ممن شاركوا في الهجوم على منى زكي، يرفضون المثلية الجنسية وتداول السباب المحكي في السينما.
لنكمل سيرنا في خط سير الهجوم أو “الانتقاد”، فبعد الحملة على منى زكي، بدأ الحديث عن الفيلم، عن أفكاره وألفاظه. وكما اتفقنا أن 90 بالمئة لم يشاهدوا الفيلم في أول يومين، أي يومي منى زكي، وبعد أربع أيام حين أصبح الحديث عن الفيلم، قلّت نسبة من لم يشاهدوا حسب توقعي إلى 50 بالمئة ونسبة من شاهدوا 20 بالمئة ونسبة من شاهدوا لركوب الترند 30 بالمئة. واستمرت الانتقادات ذاتها مع تنويع طرق النشر بين منشور مكتوب وآخر في صورة وغيره في فيديو أو تسجيل صوتي أو نكتة أو إلى آخره. وكما تتعدد الأسباب والموت واحد، تتعدد طرق الهجوم والترند واحد.
لو عدنا معاً للسينما قبل العقد الثاني من قرننا الحالي لوجدنا أن الجرأة كانت موجودة بشكل كبير في غالبية الأعمال، ولوجدنا أن سقف حرية التعبير كان أعلى بكثير من أيامنا الحالية. هذا ونحن نتحدث عما لا يزيد على 10 سنوات، لكن إذا عدنا بالزمن أكثر فسنجد أن سقف الحرية كان أعلى، وهذه العودة بالزمن تدل أننا “أمة الترند”.
لا أريد اليوم التطرق إلى القيم والأخلاقيات والمجتمع والبيئة، لأني أرى أن كلها مفاهيم نسبية تختلف بين شخص وآخر ولو كانا أبناء بطن واحد.
كل ما أريده ألا يهان إنسان من قبل إنسان آخر مهما كانت الأسباب، فلا أحد يستحق الإهانة أياً كان ما فعله. والهجوم يعاكس النقد، ولا يصلح أي شيء. أما النقد ومهما كان قاسياً فيُقبل ويُحترم ما دام نقداً حقيقياً.
حرية التعبير شيء مقدس، والإهانة بغطاء الحرية شيءٌ مدنس. والحكم دون المعرفة الكاملة، ظلمٌ مشين.
لنتعلم ثقافة النقد البناء، كما تعملنا ثقافة الهجوم والادعاء. حينها يمكننا التطور والتطوير في كل مجالات الحياة.