الأرقام

: 11/18/20, 4:44 PM
Updated: 11/18/20, 4:44 PM
معن حيدر
معن حيدر

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

مقالات الرأي: جاء ضمن الرسائل الخمسة لإخوان الصفا/ رسائل القسم الرياضي-الرسالة الأولى في العدد:

((وأول الرياضيات معرفة خواص العدد لأنه أقرب العلوم تناولاً … العدد إنما هو كمية صور الأشياء في نفس العاد، وأما المعدودات فهي الأشياء نفسها، وأما الحساب فهو جمع العدد وتفريقه. والعدد نوعان صحيح وكسور، والواحد الذي قبل الاثنين هو أصل العدد ومبدأه، ومنه ينشأ العدد كله، صحيحه وكسوره، وإليه ينحل راجعاً…))
الأمر الذي لفت انتباهي للحديث عن (الأرقام):
الأرقام العربية …
++ (الرقم) لغة: الرَّقْمُ خَزّ مُوَشّى. يقال: خَزٌّ رَقْم كما يقال بُرْدٌ وَشْي .. والرَّقْمُ ضرب من البُرود .. ورَقَمَ الثوب يَرْقُمُه رَقْماً ورَقَّمهُ: خططه
++ (الرقم) تعريفاً: هو الرمز الذي يمثل العدد، فالأرقام ليست أعداداً، وإنما هي أشكال وصور ترمز لها .. وعبر تاريخ البشرية اخترع السومريون والبابليون والفراعنة والصينيون والمايا في المكسيك أول رموز رقمية عملية تدل على الأعداد، وفي وقت لاحق لجأ الرومان إلى ترميز الأعداد بواسطة الأحرف اللاتينية كالتالي:
(I=1, V=5, X=10 , L=50 , C=100 , D=500 , M=1000)
ثم جاءت الأرقام الهندية والأرقام العربية، وبداية أحب أن أنوه إلى أنّ الأرقام (أي رموز الأعداد) التي تُستعمل حالياً هي:
– (۰ ۱ ۲ ۳ ٤ ٥ ٦ ٧ ۸ ۹) وهي أرقام هندية تستخدم في دول المشرق العربي
– (0 1 2 3 4 5 6 7 8 9) وهي أرقام عربية، وتسمى الأرقام الغُبَارِيَّة، تستخدم في دول المغرب العربي.
++ أصل الأرقام العربية:
استعمل العرب الأرقام قبل ظهور الإسلام وبعده كغيرهم من الأمم، وسجلوها بالكلمات، كما أنهم استعملوا حروفَ أبجديتهم للدلالة على أرقامهم، وسَمَّوه (حساب الجمّل)، وهو أن يكون لكل حرف قيمة عددية، فالأَلِفْ يعادل الواحد والباء 2 والجيم 3 والدال 4 … والياء 10 والكاف 20 وهكذا حتى يصل الى الحرف الأخير وهو الغين فتكون قيمته 1000
أما بالنسبة للأرقام العربية، فيقال إن الخليفة العبّاسي “المنصور” أمر الفلكي “محمد بن إبراهيم الفزاري”، في العام 154 هـ، بترجمة كتاب هندي مشهور في الفلك والرياضيات وفيه ذكر الأرقام الهندية التسعة، وقد ألّف “الفزاري” على نهجه كتابا أسماه (السند هند الكبير)، ونقل فكرة الأعداد من الهنود، ولكنه وضع لها شكلاً مختلفاً.
وقد أشار “أبا الريحان البيروني” إلى أنّ العرب اختاروا مجموعة من الأشكال المتعددة للأرقام الهندية، وهذبوها وكونّوا منها مجموعةً من الأرقام نسميها اليوم باسم الأرقام الهندية، واستعملها العرب في المشرق العربي وبخاصة بغداد، ثم تطورت قليلاً حتى أصبحت الأرقام التي تستعمل الآن في الشام ومصر والعراق والجزيرة.
ونشر العالم الرياضي الشهير “الخوارزمي” في عصر الخليفة العباسي “المأمون” (في عام 210هـ) رسالة أورد فيها مجموعة أخرى من الأرقام تُعرف اليوم باسم الأرقام العربية، استعملها العرب في المغرب العربي والأندلس، ومن هناك انتشرت إلى أوربا، ثم انتشرت في أنحاء العالم كله (ومنها الهند).
وقد صمّم “الخوارزمي” تلك الأرقام على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم، فالرقم واحد يتضمن زاوية واحدة، ورقم اثنان يتضمن زاويتين، والرقم ثلاثة يتضمن ثلاث زوايا … إلخ، والشكل التالي يوضح الأشكال الأصلية للأرقام العربية الغبارية مع وضع نقطة عند كل زاوية، ثم دخل بعض التعديل على هذه الأشكال فأصبحت بالشكل المعروف.
أما الاختراع العبقري الذي أضافه العرب فهو الرقم (صفر)، وهو صفة تعني في الفصحى: خالٍ أو فارغٍ، كان شكله دائرة ليس فيها أي زاوية (عدد الزوايا صفر)، ولا شك أن ما يشهده الناس اليوم من تطور مذهل في الحضارة المادية قائم على هذا الصفر السحري.
إنّ الأرقام ظهرت مع الصفر في كتب عربية أُلِّفت منذ سنة 787م قبل أن تظهر في الكتب الهندية (وفي مرجع آخر ذكر: أول تسجيل للصفر العربي يعود إلى 873م، بينما أول صفر هندي يعود إلى 876م).
وللصفر وظيفتان هما: الدلالة على معنى (لا شيء)، وملء المنزلة الخالية؛ لحفظ ترتيب المنازل
ويمكن القول: إنه لو سلمنا جدلاً بالأصل الهندي للأرقام العربية، فإن العرب هم الذين تبنَّوها، وهذَّبوها، وطوَّروها بما يناسب أقلامهم، وأحرفهم، وهم الذين أسدوها خدمة للعالم، ولا يُعرف ذلك لغيرهم. وهذه الأرقام أخذت طابعها العربي، وسايرت الحرف العربي هندسة وشكلاً طوال أربعة عشر قرناً متواصلة ملتصقة بالثقافة والتراث والهوية.
وفي هذا يقول أحد علماء الغرب: إن العرب قد وفَّقوا توفيقاً كبيراً في علوم مختلفة، وهم الذين علَّموا الناس استعمال الأعداد، ونظّموا الجبر والمقابلة على شكل علم صحيح.
++هامش 1: تُعرف الأرقام العربية كذلك بالأرقام الغُبَارِيَّة، وسميت هذه الأرقام بالغبارية لأنها كانت تُكتب في بادئ الأمر بالإصبع أو بقلم من البوص على لوحٍ أو منضدةٍ مغطاة بطبقة رقيقة من التراب، (مصطلح علم الغبار كان معروفاً في القرن الثامن الهجري بأنه أحد العلوم الرياضية لعله علم الحساب).
وورد في المخطوطات القديمة: أنّ الغبارية ليست نسبة إلى الغبار كما هو شائع، ولكن نسبة إلى (غَبَرَ) بمعنى بقي
وورد أيضاً: ثم ابتكر العرب نظام الأرقام، وكان في البداية على شكل رموز تقترب من أشكال بعض الحروف العربية، جمعها “عبد القادر السخاوي” في مقدمته عن علم الغبار فقال نظماً:
ألف وحاء ثم حج بعده … عو وبعد العو عين ترسم
هاء وبعد الهاء حرف ظاهر … يبدو كخطاف إذا هو يرقم
صفران ثامنها وقد ضما معا .. والواو تاسعها بذلك تختم
وهي تعبّر عن الأرقام المستعملة الآن في كل العالم:
ا ح حج عو عـ ه .. و
987654321
++ هامش 2: هناك من علماء العرب من يؤكد أن الأرقام الشائعة في المشرق العربي هي أرقام: آرامية أو فينيقية، فهي لذلك عربية الأصل، وليست هندية.
++ هامش 3: اعتمد الصينيون على نظام للأعداد مكون من 12 رقماً، والمايا على نظام مكون من 20 رقماً، في حين اعتمد السومريون على نظام مكون من 60 رقماً، واختار العرب النظام العشري الذي عرفوه في بيئتهم، كونه يسهّل الحساب باستعمال الأصابع العشرة، وهناك من يقول: إن النظام العشري كان بابلياً وأخذه العرب عنهم.

معن حيدر – السويد

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.