الأقلية الناطقة بالسويدية في فنلندا لديها أيضاً صعوبات بالاندماج

: 5/22/23, 11:55 AM
Updated: 5/22/23, 11:55 AM
الأقلية الناطقة بالسويدية في فنلندا لديها أيضاً صعوبات بالاندماج

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

ينتمي العديد منا إلى أقلية لغوية وثقافية وعرقية معينة، لكننا نعيش جميعنا تحت سقف السماء السويدية. نحن نعلم أن الثقافة والعادات واللغة السويدية هي معايير تحيط بنا، وتشكل هويتنا، وربما لا يزال بعضنا يشعر بالضياع أمام هذه المعايير.

غالباً ما تتطلب منا السياسة التكيف أكثر فأكثر مع الأعراف الثقافية والاجتماعية التي قد تبدو غريبة. نحن نعيش مع شعورنا بأننا أقلية، في حين أن من يتحدثون العربية منا يأتون عادة من بلدان حيث كانوا يشكلون الأغلبية. لكن في حين أن من يتحدثون العربية أو المسلمين أو القادمين من الشرق الأوسط تحديداً، قد يواجهون صعوبة في إتقان اللغة السويدية، قبل أن تصاب بالإحباط نود أن نسألك: هل تعلم أن هناك أيضاً أقليات من السويديين لديهم تجارب مماثلة؟

في جميع أنحاء البلدان المحيطة ببحر البلطيق، كانت هناك، ولا تزال، مجموعة أقليات كبيرة من السويديين والمتحدثين باللغة السويدية. وذلك لأن السويد كانت في يوم من الأيام إمبراطورية غزت وحكمت كلاً من فنلندا ودولتين على البلطيق، إستونيا ولاتفيا. لكن فنلندا كانت الدولة التابعة للسويد لأطول مدة، امتدت لأكثر من 700 عام، وانتهت في العام 1809.

خلال حروب نابليون، هاجمت روسيا فنلندا وأخذتها عنوة من السويد، فيما يعرف بالحرب الفنلندية العام 1808 كانت فنلندا آنذاك دولة تحكمها القوانين السويدية، وكان هناك إدارة سويدية موالية للحكومة في ستوكهولم، وكان حوالي 15 بالمئة من سكان فنلندا هم من السويديين. ومن آثار هذه الحرب، اعتماد البرلمان السويدي دستوراً جديداً وتأسيس آل برنادوت العائلة المالكة السويدية الجديدة في سنة 1818، والتي ما زالت على العرش السويدي حتى اليوم.

إذاً غزت روسيا فنلندا، وحولتها إلى دوقية تابعة إلى الإمبراطورية الروسية، أي أن فنلندا أصبحت تحت تاج القيصر الروسي، لكن السويديين في فنلندا استمروا في إدارة البلاد، وأصبحوا بالتالي الآن موالين لروسيا. وهذا يعني أن أمور الدولة السياسة والثقافة وكذلك الاقتصاد والإعلام بقي في الدوقية الروسية الجديدة، باللغة السويدية، واستمر الأمر على ذلك في الغالب حتى نهاية الحقبة الروسية. لكن السويديين كانوا لا يزالون يمثلون أقلية، وسرعان ما أرادت الأغلبية الثقافية واللغوية في البلاد، وهم الفنلنديون، المزيد من الحقوق.

نشأت حركة قومية فنلندية جديدة، تسمى الفنومان، Fennomanerna وطالبت بتمثيل أوسع وأكثر. أدى ذلك إلى صراع سياسي وثقافي في فنلندا، عُرف باسم “حرب اللغة”، والتي استمرت من سبعينات القرن التاسع عشر، 1870 على مراحل حتى ثلاثينات القرن العشرين، 1930 حيث حاول كل من المتحدثين بالسويدية والمتحدثين بالفنلندية تعزيز حقوقهم والدفاع عن مصالحهم.

خلال هذه الفترة، أصبح التمييز ضد السويديين في فنلندا أكثر شيوعاً، وبدأ المتحدثون باللغة السويدية يعايشون التهميش الجزئي والشعور بالضعف. بدأ الشعور القومي لدى السويديين مرتبطاً بالأيام الخوالي قبل 1809 عندما كانت السويد هي الحاكمة، عندها حدث العديد من التحيزات ضد السويديين في فنلندا حيث تم تصوير السويديين على أنهم من الطبقة العليا والأثرياء والمتغطرسين والعنصريين تجاه الفنلنديين.

شجعت الإدارة الروسية في فنلندا في هذا الوقت أيضاً ذلك التمييز، من أجل قطع الروابط الثقافية مع السويد وتعزيز النفوذ الروسي. خلال هذا الوقت، حدثت أيضاً تغييرات ديموغرافية كبيرة، وبدأت أكبر مدن فنلندا، هلسنكي وتوركو، اللتان كانتا تتحدثان اللغة السويدية في الغالب، بمزيد من إدراج التحدث باللغة الفنلندية.

حصلت فنلندا على استقلالها من روسيا في العام 1917، لكن الصراع بين المتحدثين السويديين والفنلنديين استمر لفترة في السياسة والمجتمع، رغم محاولات وقف هذا الصراع، من خلال عدة إجراءات منها، وضع اللغتين الفنلندية والسويدية في التساوي ضمن الدستور الفنلندي الجديد، وأن جميع المعلومات العامة يجب أن تكون باللغتين، لكن هذه الاجراءات ساعدت جزئياً فقط. واستمر التمييز ضد المتحدثين باللغة السويدية واختار العديد منهم الانتقال إلى السويد، بعد أن مكثوا عدة أجيال في فنلندا، وذلك من أجل الحفاظ على لغتهم وثقافتهم. تحسنت العلاقة بين الطرفين قليلاً خلال فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) عندما هاجم الاتحاد السوفيتي فنلندا في جولتين، وكان على جميع المجموعات الثقافية واللغوية في فنلندا التعاون، من أجل التصدي للسوفييت.

في العقود التي أعقبت الحرب، استمرت تحديات صراع المجموعة اللغوية السويدية في فنلندا جزئياً، لكنها لم تحظ بالقدر نفسه من الاهتمام بسبب الحرب الباردة والعلاقات مع الاتحاد السوفيتي. لكن اللغة السويدية استمرت في الانحدار والتهميش، وواجه من عمل على الحفاظ عليها بعض المقاومة.

من بين أمور أخرى، عندما كان بعض علماء النفس يعتبرون ثنائية اللغة مشكلة في ذلك الوقت، كان على الأزواج الذين يتحدثون لغتين مختلفتين أن يختاروا لغة واحدة فقط لتربية الأطفال، وغالباً ما أصبحت لغة الأغلبية الفنلندية. كان لدى المتحدثين باللغة السويدية أطفال أقل من المتحدثين بالفنلندية، لذلك بدأت الأرقام في الانخفاض.

انتقل العديد من المتحدثين باللغة السويدية أيضاً إلى السويد، بسبب الوظائف ولأنهم لم يعودوا يشعرون، وهم في فنلندا أنهم في وطنهم.

ماذا عن الوضع اليوم؟

يختلف وضع المتحدثين باللغة السويدية في فنلندا اليوم من نواحٍ عدة. تنص الإستراتيجية الوطنية للغة، التي اعتمدتها الحكومة الفنلندية، على أنه يجب أن يكون كل شخص قادراً على تلقي التعليم والخدمات والوظائف بكلتا اللغتين، الفنلندية والسويدية، لكن هذا في الواقع لا يحدث بالضرورة وبعيد عن الممارسة العملية.

رغم أن المتحدثين باللغة السويدية في فنلندا، محميون بموجب القانون كأقلية، فإن كثيراً منهم ما زالوا يشعرون بالتهميش أو حتى بالتمييز. ليس لدى جميع المتحدثين بالسويدية في فنلندا مستويات جيدة باللغة الفنلندية، لذلك ينتهي الأمر بمن لا يجيد اللغة الفنلندية بشكل كاف منهم في عزلة ويجدون صعوبة، على سبيل المثال، في الحصول على وظيفة أو القدرة على العمل في الحياة اليومية أو متابعة التطورات وما يدور حولهم. قد تكون السلطات الفنلندية سيئة في الالتزام بالقواعد التي تنص على وجوب توفر جميع المعلومات والخدمات المجتمعية والأشياء الأخرى باللغة السويدية. إضافة إلى ذلك، هناك حزب ” الفنلنديون الحقيقيون” اليميني اسمه بالسويدية Sannfinländarna وبالفنلندية Perusoumalaiset هذا الحزب لديه موقف سلبي تجاه حقوق المتحدثين باللغة السويدية.

هنا نجد أن المتحدثين باللغة السويدية يشكلون أقلية تاريخية في فنلندا، رغم أن عددهم انخفض بشكل ملحوظ، من حوالي 15 بالمئة إلى أن أصبح اليوم حوالي 7 بالمئة من إجمالي سكان فنلندا. ومع ذلك، هناك العديد من الجهات الفاعلة التي تحمي حقوق الناطقين باللغة السويدية في فنلندا، منها منظمة برلمان الشعب (www.folktinget.fi) هو منظمة سياسية تعمل على تعزيز وحماية الثقافة واللغة السويدية. فيما يعمل حزب الشعب السويدي في فنلندا (SFP) (www.sfp.fi) أيضاً على تعزيز مصالح المتحدثين باللغة السويدية وتمثيل المجموعة اللغوية السويدية في السياسة الوطنية. الناطقون باللغة السويدية في فنلندا لديهم مؤسسات إعلامية بلغتهم أيضا مثل مؤسسة Yle التي تنتج الأخبار وتعزز الثقافة باللغة السويدية، كما توجد صحف كبيرة مثل Hufvudstadsbladet (www.hbl.fi) تستهدف المتحدثين باللغة السويدية. كما أن معهد اللغة موجود ويحاول الحفاظ على اللغة السويدية. ومع ذلك كل هذه الجهود لا تقدم دائماً التأثير المطلوب. في فنلندا، هناك أيضاً مركز أبحاث Magma (www.magma.fi) والذي يركز على مصالح الأقلية الناطقة باللغة السويدية، وكذلك موقع Barometern (www.barometern.fi) الذي يعمل في Åbo Akademi، ويقيس المزاج الاجتماعي والمواقف تجاه المتحدثين باللغة السويدية.

من بين أمور أخرى، أظهرت القياسات في أحد التقارير، أن واحداً من كل اثنين من المتحدثين باللغة السويدية في فنلندا قد تعرض للتمييز بسبب الانتماء اللغوي والثقافي. أي أن نصف المتحدثين السويدية في فنلندا قد تعرضوا للتمييز بشكل أو بآخر، كما ينقل التقرير قول العديد من المتحدثين باللغة السويدية بأنهم لا يشعرون بأن فنلندا وطنهم، وأن ثقافتهم وعرقهم غالباً ما تكون موضع انتقاد وتشكيك.

نشر مركز Magma تقارير (من بين أمور أخرى عن استطلاعات بين الشباب) التي تُظهر أن الشباب الناطقين باللغة السويدية يشعرون بالسوء، وغالباً ما ينتقلون إلى السويد بسبب، على سبيل المثال، معرفتهم الضعيفة باللغة الفنلندية والشعور بأنه سيكون من الصعب جداً الحصول على مستقبل جيد في فنلندا كمتحدث باللغة السويدية. كما يذكرون، في تقارير أخرى، صعوبة وعقبات التأقلم في المجتمع الفنلندي لأولئك الذين لا يتعلمون الفنلندية جيداً بشكل معقول. لعل العديد من الشبان المتحدثين بالعربية في السويد لديهم نفس الشعور، وأمامهم نفس التحديات.

العرب في فنلندا والاندماج عبر اللغة السويدية

في الوقت نفسه، هناك انتقادات للأقلية الناطقة بالسويدية في فنلندا. لقد منحهم وضعهم كأقلية هوية لغوية وثقافية قوية، لكن حسب المنتقدين أصبحت هذه الهوية إقصائية، وقد تشعر مجموعات أخرى أنها تجد صعوبة في دخول مجتمعها. إنه تحد يجب على المتحدثين باللغة السويدية العمل معه أيضاً، مع الأخذ في الاعتبار أنها كأقلية قديمة، لديها العديد مما تقدمه للأقليات الجديدة في البلاد على شكل خبرات مهمة. توجد بالفعل فرص، على سبيل المثال، للناطقين باللغة العربية في فنلندا، لاختيار الاندماج في اللغة السويدية، حسب القانون الفنلندي، يمكن أن يكون خياراً جيداً أمام الناطقين بالعربية في فنلندا للحصول على إرشادات في إدارة الحياة والحياة اليومية في مجتمع يختلف تماماً عن المجتمع الذي يعرفونه. لكن الأمر الإيجابي أيضاً هو أنه مع تجربة السويديين في فنلندا كأقلية يأتي تفهمها للأقليات الأخرى، وهو أمر لا يمتلكه كثير من السويديين في السويد، لكن السويديين في فنلندا لديهم، هذا التفهم لذلك، يجدر البحث عن التفاهم والتعاون بطريقة تعود بالفائدة على المجتمع بأكمله.

جبريل فودور

كاتب سويدي

خاص للكومبس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.