المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
مقالات الرأي: الهجرة تعني التغيير، الذي لا يتحقق بغير العمل الدؤوب والصبور، والأهم من ذلك ان يملك الفرد الرغبة والقدرة الى ذلك.
منذ اللحظة الأولى التي نغادر فيها مجتمعاتنا الأصلية، ونقفل الأبواب خلفنا على عقود طويلة من الذكريات والأحداث، المحزنة والمفرحة، التي أوغلت جذورها عميقاً في نفوسنا وعقولنا، نكون قد طوينا صفحة من الزمن وشرعنا في صفحة أخرى، لا تمت بصلة في الكثير من الأحوال بسابقتها، حينها تبدأ رحلة مراكبنا في إعتلاء الأمواج الجديدة، التي يتطلب تحمل مخاطر مدها وجزرها، وعياً وصبراً عاليين، وصولاً الى المرافىء الآمنة.
وفي مواطن الهجرة الجديدة، يكتسب المرء سمات جديدة ويفقد أخرى ضمن رحلة، يطلق عليها “الإندماج”، ليس فيها ما يمكن تصويبه او تخطئته، قدر ما يعنيه ذلك من خلق حالة، يتمكن فيها المهاجر من خلق وضعية متوازنة بين المكتسبات التي حصل عليها في البلد الجديد بما لا يعاكس توجهات مواطنيه وحكومته وبين ما يحمله من موروث إجتماعي وثقافي، يضم ما لا يُستهان به من مزايا وإيجابيات.
الإندماج يعني التغيير. ومن بين ما يعنيه الأخير، إجراء مراجعة ذاتية بين الماضي والحاضر، وإيجاد روابط مقاربة بين الإثنين، يمكننا من خلالها البدء بنسج شكل الحياة الجديدة التي تناسب ذوق الفرد وتلاءم متطلباته سلوكياته ومفاهيمه الأساسية.
وما يحصل ان بعض المهاجرين، والحديث ينطبق هنا على أفراد او جماعات مهاجرة، يحصرون أنفسهم بين حالة من حالتين، إما التقوقع بإرث عادات وتقاليد البلد المنشأ المتكسبة، تحسباً من المتغيرات والسلوكيات الجديدة وتأثيرها عليهم او على عوائلهم، مشيدين بذلك جداراً عالياً لن يكتب له الصمود طويلاً، او المبالغة في التعبير عن إندماجهم التي قد تُنسي بعض المهاجرين السير بخطوات واضحة، فتراهم “ينسون المشيتين”، فلا هم بالقادرين على السير بخطوات مجتمعاتهم الإصلية ولا عكس سلوكيات مجتمعهم الجديد بشكل صحيح، فتراهم يتمادون في سلوكيات، تعكس مفاهيم وأفكار سطحية عن المجتمعات التي ضيفتهم، تضم الكثير من الإضافات المفيدة في حال أحسن الفرد الإختيار.
نوع ثالث من المهاجرين، يُدركون بوعي او بالفطرة، أن الماضي، جزء متأصل في شخصية الإنسان، لا يمكن تناسيه أو إغفاله، وأن الحاضر، هو ما نعيشه الآن وما علينا تقبله بفطنة ومحبة، ويتمكنون بشكل جميل من خلق حالة موازنة واعية بين ما إكتسبوه من مجتمعاتهم الإصلية والإمتيازات التي حصلوا عليها من مجتمعاتهم المُضيفة. وفي الحقيقة يعطي هؤلاء الأشخاص، إنطباعاً جميلاً ومثالاً يحتذى به، سواء عند المهاجرين او السويديين أنفسهم، الذين ينظرون الى مثل هؤلاء الأشخاص، كركيزة أساسية، للمساهمة في بناء المجتمع.
وفي بلد كالسويد، لا يُطلب من أي مهاجر، ترك خصوصياته الدينية أو القومية أو الإجتماعية أو الإيدلوجية، شريطة ان لا يكون في تلك الخصوصيات ما فيه معارضة لقوانين البلد ونظمه الإساسية، كما إنهم لا يقيمون الفرد المهاجر على أساس لونه او إنتماءه او إنحداره الإثني، بل على صدقه وسلوكه الإنساني وإحترامه لأراء الأخرين، وهي مفاتيح كفيلة بتحقيق الإندماج.
لينا سياوش