المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس- رأي: يقول أحد الفلاسفة الرومان “ليس كل ما يبيحه القانون يعتبر أخلاقياً”. فرغم التشابه الكبير بين فكرتي الأخلاق والقانون من حيث إن كلاهما قيم اجتماعية تهدف إلى تنظيم سلوك الفرد داخل الجماعة، إلّا أن الاختلافات بين ما هو قانوني وما هو أخلاقي تكاد لا تعد ولا تحصى. اختار الناس ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي بطرائق تتوافق مع معتقداتهم عبر التأريخ ولم يكن لهذه الاختيارات دائماً علاقة وثيقة بالقوانين. فحين أن القتل والاعتداء الجسدي والسرقة والاغتصاب والتحرش هي سلوكيات يشترك القانون والأخلاق في رفضها، وهناك الكثير من السلوكيات المرفوضة أخلاقياً لكنها غير مجرمة وفقاَ للقانون، الاستهتار والتلاعب بمشاعر الآخرين والكذب (الكذب يعتبر جريمة فقط أثناء الإدلاء بشهادة للمحكمة). لأن تحديد مثل هذه الأشياء يقتضي الدخول في نوايا الناس والبحث عن آثاره مما يجعل ذلك مستحيل قانونياً.
هناك أيضاً مجموعة كبيرة من القيم الاجتماعية التي يعرفها الناس واحترام الآخرين ومساعدتهم، الوقوف على الطابور وغيرها ذات الصلة بالأخلاق، غير ملزمة قانونياً ويمكن تجاوزها دون الخضوع للعقاب او المسائلة. هذا بالنسبة لي يبدو منطقياً، تخيل أن تعيش في بلد قانونه يجبرك على زيارة جارك والاهتمام به، أو أن تكون مبتسماً ولطيفاً مع الآخرين على الدوام!
إذاً وبسبب المرجعيات الأخلاقية المختلفة للبشر، لم يوجد عبر العصور أي نموذج قانوني اتفق عليه الجميع، لذلك عزيزي القارئ، إذا تفاجأت بأي قانون يتعارض مع الأخلاقيات والقيم التي تؤمن بها، فذلك لا يعني أنك أو أن جماعتك العرقية أو الدينية هي المستهدفة بهذا القانون، بل يعني أن ما تشعر به، يشعر به الجميع بدون أي استثناء، لا تناسب جميع القوانين مرجعيتك الأخلاقية، هناك قوانين تعتبرها صحيحة وأخلاقية وهناك قوانين تعتبرها غير صحيحة وغير أخلاقية وهذا حقك الذي يحفظه القانون. ككل الناس أيضا أنت ملزم باتباع كل القوانين حتى تلك التي لا تتفق معها، ومخالفتها تُعرّضك للعقاب، وهذا هو أحد الفروق الجوهرية بين الأخلاق والقانون.
في النقاش الذي يدور قضية حرق المصحف على يد المتطرف الدنماركي السويدي بالودان، هناك خلط كبير بين الأخلاق والقانون سواءً في وسائل الإعلام العربية والسويدية. يعتقد البعض أن كل ما هو غير أخلاقي يجب أن يكون غير قانوني – وهذه وجهة نظر قابلة للنقاش – لكن من الكارثي أن يطالب البعض الحكومة ومؤسسات الدولة بتجاهل القانون والانطلاق بدلاً من ذلك من معايير أخلاقية لتقييم هذا العمل، لأن فكرة المجتمع، الدولة والديمقراطية تقوم على مرجعية الدستور والقانون فقط. تجاوز القانون هو أيضاً عمل غير أخلاقي حتى وإن كان من أجل قيمة أخلاقية ما، ف القانون هو العقد الاجتماعي الأهم في أي مجتمع والالتزام به يجب أن يكون غير مشروط. هل الأفضل أن نعيش في بلد تقرر فيه الشرطة حقوق الآخرين بناءً على ما يعتبرونه خاطئ وغير أخلاقي؟ أليس هذا هو تعريف الدولة البوليسية؟ إذا كان جوابك نعم، فلا تستغرب أن تعاقبك الشرطة غداً أو تمنعك من حقوقك القانونية بحجج مثل خدش الحياء العام أو معارضة قيم المجتمع، كما تشتهر بذلك دول سمعنا عنها وعشنا فيها ونعرف ما تعانيه الأقليات فيها.
يتم في سياق النقاش تداول الكثير من المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك من قبل كتاب المقالات وصنّاع المحتوى وتُنبى عليها استنتاجات لا تمت للقانون والواقع بصلة، لكنها تلعب على وتر الأخلاقيات، كأن يعتبر البعض أن قوانين حرية التعبير تستهدف المسلمين فقط وأن المساس بالرموز الدينية اليهودية أو ذات العلاقة بالمثلية مثلاً أمر مستبعد. مع أن التأكد من هذه المعلومات قد لا يستغرق أكثر من ١٠ دقائق ليخبرك جوجل أن حرق علم المثليين، أو العلم السويدي، أو القانون السويدي ،او كتاب الإنجيل أو التوراة أو نجمة داود أو أي رمز ديني لا يعتبر جريمة؛ وبالتالي لا يحق للشرطة الاعتراض على ذلك أو رفض إعطاء تصريح. سيخبرك جوجل أيضا عزيزي القارئ أن مثل هذه الأحداث حصلت بالفعل أكثر من مرة، في مظاهرة بستوكهولم عام ٢٠١٧ حُرقَ علم المثليين وهناك أيضا بالكثير من السوابق التي تم إهانة الرموز الدينية المسيحية واليهودية بمستويات تتجاوز كثيرًا ما حصل تجاه مقدسات المسلمين في السويد.
لكن لماذا هذه المقارنات؟ لماذا المثليين واليهود يتم ترديدهم أكثر من غيرهم بالرغم من وجود مئات الديانات والأقليات العرقية في السويد؟ يبدو لي أن هذه المقارنات ليست بريئة – حتى وإن كان البعض يرددها ببراءة – وإنما تنبع من خطاب كراهية تجاه المثليين واليهود الموجودين في السويد عن طريق تصويرهم على أنهم أشرار و يتحكمون بمفاصل البلد، بل وفوق القانون. هو أيضا خطاب كراهية تجاه مؤسسات الدولة السويدية عن طريق تصويرها على أنها مؤسسات فاسدة تحركها أيادٍ خفية، من اليهود والمثليين، وبالتالي لا تحترم القانون.
باختصار شديد، إذا أردت أن تكون بمستوى أخلاقيات راسموس بالودان وأردت إحراق رموز ومقدسات الأقليات الأخرى فأنا أضمن لك أن هذا حق مكفول قانونياً ودستورياً، أما أخلاقياً، فهذا يعود إليك.
تبدو لي الخارطة الاجتماعية في السويد كالتالي: هناك الغالبية السويدية وهناك العديد من الأقليات ذات الخلفية المهاجرة، غالبية السويدين هم مواطنون عاديون مشغولون بحياتهم المهنية والعائلية ولديهم مستوى عالٍ من التسامح والتعايش مع الآخرين المختلفين عنهم ثقافياً ودينياً، لكن هناك أقلية سويدية تنتمي لليمين المتطرف وتستهدف بسياقات كثيرة الأقليات المختلفة كالمهاجرين وخصوصاً المسلمين، اليهود والأقليات الجنسية وتتمتع بمستوى سخط عالي تجاه مؤسسات الدولة. هذه الأقلية تروٍّج كثيراً أن المسلمين واليهود والمثليين خطر كبير على السويد والقيم السويدية، وأن هناك مؤامرة من قبل الحكومة لنشر المثلية، وتمكين اليهود وكذلك “لاستيراد المسلمين وأسلمة المجتمع” ولذلك يستغلون كل خطأ يقوم به أحد أفراد هذه الأقليات لتأكيد نظريتهم.
في الطرف الآخر هناك مجتمع الأقليات ذات الغالبية المشغولة بحياتها المهنية والعائلية ممن نجوا من الحروب والموت والمجاعات والدول البوليسية، ولذلك يشعرون بسعادة تجاه فرص الحياة الكثيرة التي توجد أمامهم ويسخرون طاقاتهم لجعل حياتهم أفضل. هناك أيضا قلة من اليمين المتطرف الشرق أوسطي ذات المشاريع الدينية أو العرقية والذين يتميزون بكرههم للسويد والسويدين ككل، مؤسسات الدولة وقوانينها وكذلك كراهية كبيرة لليهود والمثليين. هؤلاء المتطرفين يستغلون كل مناسبة للتأكيد على أن الدولة ومؤسساتها والشعب السويدي – وبالطبع اليهود والمثليين – يحيكون المؤامرات ليلاً ونهاراً للنيل منا ومن معتقداتنا.
ومع كل حدث عنصري أو خطأ معين يتم نشره بصيغة “هذه هي السويد وهؤلاء هم السويديين الأعداء”. بالطبع لن يخبرونك أن الغالبية العظمى من السويديين يعتبرون حرق المقدسات الدينية عمل سخيف ومقزز، لن يخبرونك أيضاً أن وظيفة الشرطة هي تنفيذ القانون وفقط وبالتأكيد لن يخبرونك عن الفرق بين ما هو قانوني وما هو أخلاقي. فاليمين المتطرف الشرق أوسطي يسعى جاهداً لعزلة المهاجرين وتخويفهم من السويديين بوصفهم كائنات صعب التعامل معها بهدف خلق صورة نمطية لتسهيل تمرير الأجندة السياسية لاحقاً.
سيبذل اليمين المتطرف السويدي كل جهده كي يؤكد للسويدي العادي المتسامح بأننا خطر عليه وأن التطرف هو الحل كي الحل يتم حمايتهم مننا. سيبذل اليمين المتطرف الشرق أوسطي كل جهده كي يجعلك تشعر بالغضب والكره، ويغرسون ذلك في أولادك حتى تفقد كل ذرة أمل ويتأكدوا من عزلتك التامة، وحين يتسع الشرخ وتكون أنت ضحية وأطفالك ضحايا هذه العزلة، سيتاجرون بك كدليل جديد على صحة نظرية المؤامرة الخاصة بهم ولكسب المزيد من الضحايا الجدد.
المتطرف السويدي سيخبر السويديين أن الذين اعتدوا على الشرطة ليس بعض الأفراد وإنما كل الأجانب، كل المسلمين، وكذلك سيحرص المتطرف الشرق أوسطي على التأكيد أن من قام بحرق المصحف ليس فقط راسموس بالودان وإنما كل السويد، كل السويديين، وسيتفق المتطرف السويدي والمتطرف الشرق أوسطي على أن اليهود والمثليين ومؤسسات الدولة هي الخطر والعدو الأكبر الذي يجب الخلاص منه.