التسولُ في المدن السويدية مهنةٌ منظمة أم ظاهرة إنسانية
المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
د. محمود الآغا*
الكومبس – المنبر: يؤكدُ المهاجرون العرب القدماء في السويد، أنهم وقبل عشرة سنين فقط، لم يكن يلاحظوا وجود متسولين إطلاقا في شوارع ستوكهولم، أو في المدن الكبيرة الأخرى، مع أن مكافحة التشرد والسعي إلى إيواء المشردين hemlösa كانت ولا تزال موجودة على قائمة أولويات البلديات والمحافظات.
ظاهرة التشرد القديمة بعض الشيء، قد تختلف كثيرا عن ظاهرة التسول tiggare التي باتت منتشرة خاصة بالقرب من محطات القطارات والمترو أو في داخلها، وأمام المراكز التجارية وأماكن العبادة.
وتعود أغلب أسباب التشرد إلى حالات إدمان أو عدم مبالاة في البحث عن عمل أو ممارسة أية نشاطات في المجتمع، قد تؤدي إلى إهمال كامل في دفع الفواتير مثلا أوالتفاعل مع المجتمع إجمالاً.
يقول خالد عبد الواحد، وهو مساعدٌ اجتماعي يعمل في بلدية ستوكهولم لـ ” الكومبس ” إن البلديات في السويد تسعى إلى إعادة تأهيل هذه الفئة من المجتمع، وتقدم لهم إما مساعدات مؤقتة، وتفرز أحيانا سكنا خاصة للبعض، تحت إشراف ومراقبة الجهات العاملة في الشؤون الاجتماعية، بينما لا تستطيع البلدية التعامل مع ظاهرة التسول، والتي بدت تظهر وكأنها مهنة منظمة يقوم بها على الأغلب أجانب قادمين من دول أوروبية دخلت حديثا إلى الإتحاد الأوروبي، كما يقول عبد الواحد.
وعما إذا كان التسول ممنوعا أو مسموحا به في السويد، يقول عبد الواحد ” إن المشكلة هي في تطبيق نصوص القانون، لأن الشرطة أحيانا لا تستطيع إثبات أن الشخص المتسول يمتهن التسول كمهنة له، وبنفس الوقت لا تستطيع منع شخص من أن يمد يده لطلب مساعدة لكي يشتري الطعام مثلاً”.

” أنا جائع ” في ميترو ستوكهولم ( عدسة الكومبس )
وكانت الشرطة السويدية ألقت القبض على متسول، قبل سنتين تقريبا، وهو يتسول في شوارع ستوكهولم وقامت بتسفيره إلى البلد الأوروبي الذي أتى منه، لكن منظمات حقوق الإنسان اعترضت وتابعت موضوعه إلى أن عاد مجددا إلى السويد.
ومع أن المتسولين يستخدمون طرق عديدة لكسب عطف المارة وشفقة ركاب المواصلات العامة، إلا أن القليل يقوم فعلا بفتح محفظته وتقديم شيء للمتسول، ومن الطرق التي يتبعها المتسولون، كتابة عرض حال مختصر عن أبن أو ابنة لهم بحاجة إلى عملية طبية، أو عن حالة طارئة تستوجب جمع نقود للعودة مثلا إلى الوطن، أو عن حاجة لشراء طعام، حيث يرفع المتسول ورقة أو قطعة كرتون كتب عليها “أنا جائع”.
وهناك من يعتبر العزف على آلة موسيقية في الشوارع أو وسائل المواصلات نوع آخر من أنواع التسول خاصة إذا كان العزف رديئا، وعلى آلة متواضعة.
ظاهرة التسول منتشرة في عدة دول أوروبية قبل السويد، خاصة في مواسم السياحة والمناسبات الدينية. أحد الصحفيين العرب في فرنسا لاحظ كثرة من يرتدي الملابس والزي الإسلامي مع اللحى الطويلة للرجال والحجاب للنساء، في أيام رمضان والأعياد، وعندما دفعه فضوله الصحفي الى الحديث مع أحد المتسولين ممن يرتدي ثياب الحجاج استطاع أن يكتشف أن هذا المتسول المسكين شخص ليس له علاقة بالإسلام ولا باي دين أخر، بل أن من أرسله ووضعه في هذا المكان هو من ألبسه هذا الزي، كما شرح لي هذا الصحفي لاحقا.
كما تزداد مجموعات المتسولين في المناسبات الدينية المسيحية أمام الكنائس والأديرة أو عند زيارة المقابر، خاصة في روسيا.
وفيما يعتبر البعض التسول مهنة منظمة ويقف وراءها عصابات ومافيات كبيرة، تنادي أصوات عديدة بمد يد المساعدة للمتسولين والعمل على مساعدتهم باتباع طرق جذرية للحد من هذه الظاهرة والتي يخشى ان تؤثر على السوق السياحية في السويد، وعلى سمعة هذا البلد الذي طالما عرف بتقاليده الانسانية وتكافله الاجتماعي.
ففي مقال نشرته صحيفة ” داغسنيهتر” حذرت كاتبة، من خطورة غياب الشعور بالإنسانية في المجتمع السويدي عندما تنظر إلى شخص يجلس القرفصاء يمد يده كالذليل في طقس بارد جدا، فيما يمر الناس من أمامه غير مبالين به.
* رئيس تحرير ” الكومبس “.
ملابس إسلامية لكن للتمويه ( عدسة الكومبس )
أمام محطة وقوف الباصات ( عدسة الكومبس )