المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – مقالات: قدم الكاتب العراقي المقيم في السويد، سمير طاهر، عرضا مترجما إلى العربية لكتاب صدر في ستوكهولم العام الماضي2014 بعنوان: الخليج برميل بارود للمستقبل، المؤلفة: بيته همرغرين، الناشر: ليوبارد – ستوكهولم:
نص التقديم
عندما أعلنت حركة طالبان “الإمارة الإسلامية” في أفغانستان عام 1996 لم تعترف بها سوى ثلاث دول: باكستان، السعودية، الإمارات العربية المتّحدة!
لم تكن تلك هي الإشارة الأولى لتوجه الأنظمة الخليجيّة فالأمر أقدم من ذلك بكثير. في عقد الثمانينيات وحده استثمرت السعودية50 مليون جنيه إسترليني في “الإسلام البريطاني” كانت ثمرتها هذا العدد الضخم من رجال الدين في بريطانيا الّذين ينشرون التّشدد الإسلامي ويهيئون أدمغة المفجرين الانتحاريين. وكما تقول بيته همرغرين: “إنّ قسمًا كبيرًا من الأيديولوجيا ومن الأموال الّتي تؤثر في تطور الأحداث حول العالم تأتي من شبه الجزيرة العربية”. ومن هذه الحقيقة تنطلق همرغرين، الصحفية السويدية المخضرمة، لدراسة أوضاع هذه الدول وأثرها السياسي والثقافي في المنطقة والعالم دراسة مستندة على تحقيقات صحفية ومعايشة مباشرة للأحداث منذ السبعينيات وإلى اليوم، جمعتها في كتاب كبير (468 صفحة) صدر قبل أشهر في ستوكهولم تحت عنوان “الخليج برميل بارود للمستقبل”. ويشير العنوان إلى التناقضات الداخليّة والصراعات الّتي تعصف في جسد هذا الإقليم والمسارات الخاطئة الّتي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى انفجار الأوضاع الداخليّة، وعندها سيجد حكام الإقليم أنفسهم أمام كثير من الحرائق الداخليّة الّتي ستشغلهم عن إشعال الحرائق في الدول الأخرى.
من أخطر مصادر الغضب العام الّذي لا أحد يدري متى ينفجر هو الظلم بمختلف أشكاله. ويصف الكتاب التجسدات المختلفة لهذا الظلم في دول الخليج عمومًا والمملكة السعودية خصوصًا:
ظلم اقتصادي قائم على استئثار الأسرة الحاكمة بالثروات ممّا خلق تذمرًا لدى أبناء الطبقة الوسطى والدنيا، حيث تصف الكاتبة بؤس الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض كما شهدتها. وظلم قانوني فريد من نوعه يلخصه واقع أنّ السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم الّتي ليس فيها نظام عقوبات مكتوب! فنفس الجريمة يمكن أن يعاقب عليها بالإعدام ويمكن أن يطلق سراح الجاني وذلك تبعًا “لهوية” الجاني وترتيبه الاجتماعي وقرابته أو “واسطته” من الأسرة الحاكمة. وظلم اجتماعي بحقّ النّساء، وما الضجة حول حقّ النّساء بقيادة السيّارة سوى واجهة لظلم عميق عنوانه نظام الوصاية الذّكورية على المرأة واعتبار المرأة “قاصراً” مهما بلغت سنًا أو علمًا، فالمرأة في السعودية ليس من حقّها أن تعمل أو تدرس أو تسافر أو حتّى تستخرج إجازة سوق إلّا بموافقة مكتوبة من الرّجل. وظلم على أساس طائفي، وهنا تستنتج المؤلفة أن احتجاجات المواطنين الشيعة في السعودية والبحرين والكويت لا تتعلق بالدين وإنّما بالسياسة، فهو احتجاج على التمييز والفئوية وغياب المساواة. لكنّ السلطات السعودية تتّهم مواطنيها الشيعة بالعمالة لإيران عندما يحتجون على التمييز الطائفي، لتبرر بذلك سحقها العنيف لاحتجاجاتهم، هذا رغم تأكيد شيعة السعودية بأن لا علاقة لهم بإيران وأنّهم هم “أهل البلاد الأصليون” وأنّ روابطهم الأسرية والقبلية هي مع العراقيين والبحرينيين وليس مع الإيرانيين. أمّا سلطات البحرين فتستخدم التناوب في ذرائعها ما بين خطاب موجّه لسنّة البحرين يخوفهم بأن الديمقراطية ستعني هيمنة الشيعة على الحكم وبالتّالي هيمنة إيران على البحرين، وخطاب موجّه لحلفائها الغربيين بأنّ التيارات والشخصيات المطالبة بالديمقراطية في البحرين هي “إرهابية”!
هذا بالإضافة إلى القمع الفكري والسياسي الّذي يسود معظم دول الخليج حيث تعرض الكاتبة لمفارقة أنّ تقدم قطر نفسها كمدافعة عن “الرأي والرأي الآخر” بينما تلقي بشاعر شاب في السّجن لأنّه عبّر عن “رأي آخر”.
إنّ انتشار الوعي بأشكال الظلم هذه هو مصدر قلق كبير لدى الأوساط الحاكمة في دول الإقليم. فالإحصاءات الّتي يوردها الكتاب تشير إلى ارتفاع نسبة الشباب بين السّكان، وكثير من هؤلاء ذوو تعليم عال ومتواصلون مع العالم، الأمر الّذي يجعلهم يطمحون إلى أن يكون لهم حضور وفاعلية في مجتمعاتهم، وقبل هذا أن يعتبروا مواطنين كاملي الحقوق بدون تمييز. وتصف الكاتبة كيف إن أوساط الطبقة الوسطى المتحضرة متشبعة بالتّذمر من كون حكامهم يتعاملون مع اقتصادات بلدانهم على أنّها أملاكهم الخاصّة، وكيف تتزايد المطالبة بتوزيع السلطات وببرلمانٍ منتخب له سلطة التشريع. إنّ الأنظمة الحاكمة في دول الخليج تستمد شرعيتها من البيئة الثقافيّة لبواكير القرن العشرين وما تزال إلى اليوم تدعو نفسها “الأسر المالكة” بينما الجيل الحالي لا يفهم كيف يمكن لأسرة أن تملك بلدًا بناسهِ!
تؤكد تحقيقات الكاتبة أنّ الأنظمة الخليجية تعتمد أسلوبًا مشتركًا لإطفاء المطالب السياسيّة وهو أن تشتري الدولة صمت مواطنيها. فالمواطن يحصل على طاقة رخيصة وإعفاءات ضريبية ومنح مالية وخدمات مجانيّة مقابل عدم المشاركة السياسية. لكنّ الإحصاءات الاقتصاديّة المتداولة تدقّ ناقوس الخطر: فالتبذير في الطاقة بكل أنواعها، وبالمشتقات البترولية خصوصًا، يجري بأرقام هائلة، والاستمرار فيه يمكن أن يؤدي إلى تناقص مبكر للبترول، أمّا إذا جاء وقت نضوب البترول أو إذا انهارت أسعاره لوقت طويل فلا تمتلك هذه الدول أيّ حل بديل سواء للاستمرار في “شراء صمت” مواطنيها أو حتّى لإعاشتهم.
فيما يخصّ دور الأموال والإيديولوجيا القادمتين من الخليج في البلدان العربية فقد يكون كثير من معلومات الكتاب حول سوريا والعراق بات مكشوفًا الآن، أمّا التحقيقات الخاصّة بمصر فتكشف عن أنّ اهتمام دول الخليج بمصر يتجاوز كونها ساحة أخرى من ساحات نشر التّشدد المذهبي. فمصر السياسيّة والثقافيّة لها طابع إلهامي في الوجدان العربي، وهذا الطابع بالذات هو الّذي أثار الذعر في الأوساط الحاكمة في الخليج عند قيام ثورة 25 يناير 2011، ودفعهم إلى أن يرموا بكلّ ثقلهم المالي والسياسي من أجل إفشال الثورة وسحق الحركة الديمقراطية وبالتّالي منع انتقال نموذجها الملهم إلى شعوب الخليج، وكانت قيادات الجيش المصري هي الذراع المنفذ للإرادة الخليجية لتحقيق هذا الهدف.
وهنا يصف الكتاب دور قيادة الجيش في مصر في إنقاذ “الدولة العميقة” من السقوط في أيدي الثوار وذلك بالتضحية برأس النظام وإجراء تبديلات سطحية وإسمية لامتصاص الزّخم الثوري. أمّا الأخوان المسلمون، التنظيم الّذي يكرهه معظم حكام الخليج بسبب سعيه إلى استلام السلطة وبسبب مشروعهِ “دولة الخلافة” العابر للحدود، فقد تمّ إيقاعه في فخّ الحُكْم الأعزل– إن صح التعبير – حيث ظلّت عناصر القوّة الرئيسية (الجيش والأمن والمخابرات) بيد النظام القديم وأعطي الأخوان سلطات شكليّة وميزانية فارغة وتركوا يتخبطون في أخطائهم وتعطشهم للسلطة وانعدام كفاءتهم حتّى تعفنت ثمرتهم ليسقطها الجيش بسهولة. وبسقوطهم استراح حكام الخليج من آخر أثر يذكّرهم بكابوس ثورة 25 يناير.
موقع الأوان
المقالات المنشورة على موقع الكومبس تعبر عن رأي من يكتبها، وليس بالضرورة أن تتوافق مع رأي الكومبس