الدبلوماسية العنيدة: ترسيخ السياسة النسوية لتحقيق “الأمن الإنساني”

: 9/8/19, 9:12 PM
Updated: 9/8/19, 9:12 PM
الدبلوماسية العنيدة: ترسيخ السياسة النسوية لتحقيق “الأمن الإنساني”

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – مقالات: استقالت مارغوت فالستروم من منصبها كوزيرة للخارجية السويدية، وتبارى المحللون واجتهدوا باكتشاف السبب، وزيرة مرموقة بشخصية قوية الى حد المواجهة، تدافع عما تؤمن به بعنادة دبلوماسية، تعلن وهي في قمة تألقها ونشاطها الدولي وبعد جولة شرق أوسطية – خليجية أنها قررت الاستقالة. للوهلة الأولى تشطح أفكار أصحاب نظرية المؤامرة إلى مسافات بعيدة، في البحث عن السبب، وهم متسلحون دائما بالسؤال التقليدي المحبب لهم بمثل هذه المناسبات: لماذا الآن؟ وما هي دلالات التوقيت؟

شطحات أصحاب نظرية المؤامرة

الوزيرة العنيدة دفعت، حسب أصحاب نظرية المؤامرة ثمن ما تؤمن به من أفكار وايديولوجيات وكأنها تمشي عكس تيار السياسة العالمية السائدة. فهل تورطت بالاقتراب كثيرا من الملف الإيراني الشائك؟ وهل موضوع اليمن هو من أتعبها واصابها باليأس؟ أو هل أن اللوبي المناصر لإسرائيل في السويد، نجح أخيرا في إقصائها ومعاقبتها لأنها انتقدت على الملء إعدام الفلسطينيين كأفراد دون محاكمة ومصادرة مستقبلهم كشعب من خلال قطع الأمل على شبابهم وأطفالهم، كما كانت هي تقول وتكرر دائما؟ خاصة أنها هي من كان وراء قرار الحكومة السويدية الحالية بالاعتراف بفلسطين كدولة؟
طبعا ليست هذه هي الأسباب التي دعت الوزيرة للاستقالة، بل أن مجرد التفكير بأنها استقالت تحت الضغط، يعد إهانة لها ولمبادئها، خاصة عندما يعتقد البعض أن شخصيات ذكورية هي التي تقرر أخيرا وهي التي يقف وراء تنصيبها والآن تقف هذه الشخصيات الذكورية وراء استقالتها.

استقالت لأنها تريد الاستقالة

بعيدا عن شطحات التحليل والخوص بالمسببات، وبالعودة الى الواقع، نجد أن الوزيرة استقالت لأنها فقط ارادت ان تستقيل، لترتاح بعد خمس سنوات من العمل رئيسة للدبلوماسية السويدية، وبعد 40 سنة من العمل السياسي، فهي وبعد عدة أيام ستكمل عامها الـ 65 إضافة إلى أنها تعاني من مرض إفرازات الغدة الدرقية، غير القابل للشفاء، وهو مرض يرهق المصاب به ويزيد من متاعبه.
متاعب وزير لخارجية دولة مثل السويد، متاعب ليست سهلة، خاصة أن فالستروم وزيرة ليست تقليدية، وزيرة تحمل رؤيا عالمية وتؤمن بمبادئ ومستعدة لمواجهة خصومها في الداخل والخارج لكي لا تهادن أو تحايد عما تؤمن به.
فالستروم ساعدت على ترسيخ مكانة بلادها الدولية، وعملت عاى حصول السويد على مقعد في مجلس الأمن، وتركت بصمات قوية ضمن السياسة النسوية، كما نسقت مع دولة الكويت في دفع محادثات السلام في اليمن، وكان التنسيق جديا أيضا في عدذة ملفات إقليمية ودولية. فيما كانت ستوكهولم، في السنوات القليلة الماضية، مسرحًا، ومحطة من محطات محادثات سلام لقضايا دولية مثل اليمن وفنزويلا وكوريا الشمالية وإيران والشرق الأوسط وغير ذلك من الملفات الدولية الساخنة.

السياسة النسوية وتحقيق هدف “الأمن الإنساني”

فالستروم لم تكن وزيرة تقليدية لأنها أمنت وعملت ضمن سياسة خارجية مناصرة للنسوية ولم تفصل قضية تحرر المرأة عن أي قضية تحرر أخرى، بالنسبة لها قضايا الحرية غير قابلة للتجزئة او المهادنة.
نضال المرأة لنيل حقوقها في أي مكان في العالم، هدف يتعدى المفهوم الضيق للنسوية، إلى مفهوم تحقيق “الأمن الإنساني” .
التركيز على الأمن الإنساني بدل العمل فقط من أجل “أمن الدول”، أصبح غاية ملحة، لان العالم يضيق يوما بعد يوم وليصبح كقرية صغيرة، ولأن الأمن الإنساني منظور يشمل أيضا المشكلات البيئية ووضع حلول لأسباب تدفق اللاجئين وتفشي الإرهاب والأوبئة والأمراض.
فالستروم أمنت بسياسة خارجية تؤكد على حقوق المرأة، ضمن التركيز على تحقيق الأمن الإنساني، لأن تحقيق الأمن في العالم، يبدأ بمعالجة جذرية للمشاكل البيئية والاجتماعية وتحقيق المساواة ومحاربة الفقر وجميع أنواع ما تبقى من استعمار وديكتاتوريات والتصدي للمشاكل البيئة، مما جعل السويد أن تكون الدولة التي تطرح السؤال التالي: “أين النساء؟ وأين دورهم؟”

خسرت معارك لكنها ربحت حربا

فالستروم وراء اعتراف السويد بفلسطين العام 2014

فالستروم التي ظهرت وكأنها وزيرة مُتعبة ومُشاكسة خاصة في الفترة الأولى لتوليها منصبها، لم تحيد عن مبادئها، مع أنها ظاهريا تعثرت ويمكن لخصومها أن يقولوا بانها فشلت فيما كانت تسعى له، ويستند الخصوم على بعض الحقائق منها:
اعتقدت فالستروم أن السويد إذا ما اعترفت بفلسطين كدولة يمكن أن تتبعها دول أخرى أوروبية وعالمية… لكن ذلك لم يحدث.
تسببت فالستروم بأزمة كبيرة مع السعودية عندما انتقدت الوزيرة السويدية الرياض ووصفت أسلوب تعاملها مع مدون معارض، بأنه “أسلوب ينتمي للعصور الوسطى”.
فالستروم استبعدت على أثر هذا الخلاف مع السعودية من إلقاء كلمة كانت مقررة أمام جامعة الدول العربية في القاهرة.
فالستروم متهمة أيضا من قبل معارضيها بإثارة أزمة مع إسرائيل، عندما انتقدتها لأنها تنكل وتقتل الفلسطينيين، فأنهال عليها غضب بعض أحزاب المعارضة وسخط الحكومة الإسرائيلية واللوبي المناصر لها، ونشبت أزمة دبلوماسية ألغت تل أبيب على أثرها زيارة كانت مقررة لـ فالستروم ضمن جولة شرق أوسطية.
فيما تتهمها المعارضة أيضا بأنها لم تلاق الحماس والتأييد الواضح في الترويج لسياستها النسوية الخارجية.
قد تكون هذه إخفاقات، في معارك دبلوماسية قادتها فالستروم لكنها وفي النهاية أدت الى تحقيق انتصار من خلال ترك أثر كبير في حرب طويلة لتحقيق الأمن الإنساني، فقد كانت مارغوت فالستروم ثابتة ولم تستسلم، لذلك حازت على الاحترام بسبب دفاعها عن مواقفها، فهي لم تفصل بين قضية المرأة في بلادها وفي أي بلد آخر، هي لم تجزأ الحرية، ووقفت أمام الحق الفلسطيني مثلما أدانت العداء للسامية…

“واحدة من السياسيين القلائل غير المنافقين في العالم”

مع الأمين العام للأمم المتحدة

الآن ومع مغادرة فالستروم لمسرح السياسة، ينهال عليها المديح حتى من خصومها ومن المعارضين لها.
في العام الماضي، وصفت الشبكة العالمية Apolitical فالستروم بأنها واحدة من أكثر الأشخاص نفوذاً في العالم، في مجال المساواة بين الجنسين. ووصفها نيكولاس كريستوف، الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز، بأنها واحدة من السياسيين القلائل غير المنافقين في العالم. فيما أشادت مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy بـ “فالستروم” لأنها أسست لسياسة نسوية خارجية للسويد يمكن أن يبقى أثرها لفترة طويلة. فيما تبنت حكومات أوروبية وعالمية سياسات خارجية مماثلة للسياسة النسوية التي انتهجتها فالستروم مثل فرنسا وكندا.
بعد خمس سنوات من العمل كوزيرة للخارجية وبعد 40 عاما من العمل في السياسة، تقول فالستروم إنها تريد أن تقضي وقتا أطول مع عائلتها، وان تفسح لغيرها بأخذ مكانها، لذلك ولهذا السبب فقط استقالت الوزيرة.

رئيس تحرير شبكة الكومبس الإعلامية
د. محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.