المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: ردة الفعل التي شاهدناها في الآونة الأخيرة على حرق المصحف الشريف تدل على مستوى بسيط من الإدراك والوعي لدى البعض، لكني لست بصدد مناقشة ردة الفعل هنا إنما توضيح المشكلة وتأصيل بعض المفاهيم.
النقطة الأولى هي أن السويد اليوم تحتوي على نسبة جيدة من المواطنين المسلمين سواء المهاجرين أو المقيمين وهم جزء من المجتمع السويدي ونوع جديد من أطياف التعدد في المجتمعات الديمقراطية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مستوى الحريات الموجود في السويد. فعلى الحكومة السويدية حينما فتحت أبوابها ووافقت على استقبال طيف جديد من المجتمع، أن تقوم بالبحث والدراسة بشكل مفصل لفهم عقلية وتركيبة هذه الشريحة لكي تسهم في اندماج تلك الشريحة مع المجتمع السويدي بطريقة صحيحة وسريعة.
عند المسلمين، الاعتداء على حرمة المساجد أو حرق المصحف الشريف أو الاستهزاء بالنبي محمد جميعها سواء من المكانة والقدسية، فعلى سبيل المثال إذا أتى شخص واعتدى على شخص آخر أو على عائلته فيحق له محاسبته وتقديم شكوى عليه وفقاً للقانون.
بالنسبة لشخص مسلم فالنبي محمد يحتل مرتبة أعلى من الأم والأب والعائلة بأكملها، فالاعتداء عليه سواء باللفظ أو الرسم المشين أو حرق المصحف الذي جاء به هو بمثابة اعتداء واضح وصريح على ما هو أغلى من عائلته من وجهة تفكير وعقيدة المسلم.
النقطة الثانية وهي مفهوم الديمقراطية وتعدد الحريات، فمما لاشك فيه أن دولة مثل السويد تعد من الدول الديمقراطية التي تتميز بالحريات فترى فيها جميع ألوان وأطياف المجتمع على اختلاف ثقافاتهم ودينهم وهذا أمر جيد، فعند تعريف الحرية فهي باختصار حرية الفرد التي تنتهي عند الاعتداء على حرية الآخرين ومن هنا نفهم أن الاعتداء على حرية الآخرين لا يعد من الديمقراطية ولا حتى صورة من الصور الحضارية.
فهناك فرق كبير بين إبداء الرأي والاعتداء على حرية الآخرين، على سبيل المثال عندما يأتي شخص ويقول لي أنا لا أحب دينك وغير مقتنع فيه لكني أحترمه لأنك كإنسان تؤمن به، فهذا رأي واعتقاد مختلف عن رأيي واعتقادي وأحترمه ولا عيب في ذلك. وبين من يأتي ويشتم ويعتدي ويتطاول على الحرية الدينية، فهذا خرق واضح وجريمة بشعة ومحاولة إقصاء فئة معينة من المجتمع ويجب المحاسبة عليه. فما حدث في حادثة حرق المصحف لا علاقة له بحرية الرأي ولا حتى بصورة من صور الديمقراطية إنما اعتداء بشع واعتداء على فئة معينة من المجتمع، والمسؤول الأول فيها هي الحكومة.
النقطة الثالثة وهي ازدواجية المعايير وهنا يجب علينا التنويه أن الإسلاموفوبيا ظاهرة خطيرة منتشرة في أوروبا يجب على جميع الحكومات الأوروبية الحذر منها وعدم الوقوع في فخها.
في بلد حضاري ديمقراطي مثل السويد من النادرة ما تشاهد مظهر غير حضاري أو مظهر قمعي لحرية فئة معينة، لكنها قد خسرت الرهان في الحادثة الأخيرة لحرق المصحف، فالسائل يطرح سؤالاً على نفسه: هل يستطيع شخص ما أن يحصل على إذن ويقف في تجمع للمثليين ليحرق علم المثليين بينهم، أو هل يستطيع أن يحصل على ترخيص ويحرق الانجيل في مكان ذي أغلبية مسيحية، أو أن يعتدي باللفظ على اليهود أو التحريض عليهم دون محاسبته ضمن معاداة السامية؟
الجواب، لا يستطيع ذلك لأن مثل هذه الأمور هي اعتداء على حرية ومعتقد الآخرين، إذا فيرد السائل لماذا يسمح بإعطاء إذن وتصريح لشخص يميني متطرف بحرق كتاب ديني لأكثر من مليار ونصف! ألا يعد هذا ازدواجية في المعايير أم أن الإسلاموفوبيا لها تأثير أكبر لدرجة أن الحكومة قد وقعت في الفخ ولم تدرك ذلك!.
النقطة الرابعة والأخيرة هي منع الأفعال التي تسبب ردة فعل مضرة ونتائج سلبية، ففي علوم السياسة والمنطق أي فعل له رد فعل وهذا أمر طبيعي خاصة لدى الأوساط السياسية فعلى سبيل المثال عندما نقول إن الاقدام على خرق أو تفجير سد مائي ما يمكن أن يتسبب في كارثة بيئية وسيول مدمرة للتربة والمناطق المحيطة بها فالاولى دراسة هذه العملية قبل الإقدام على فعل ما.
كذلك ماحدث في الآونة الأخيرة بغض النظر عن ردة الفعل غير الصحيحة التي شاهدناها والتي تدل على أن ليس الجميع على مستوى واحد من الوعي والإدراك، فإن الفعل الأساسي الذي سبب جميع تلك الأضرار هو السماح من قبل السلطات بحرق المصحف رغم الإدراك المسبق بأن النتائج وردة الفعل ستكون هكذا. وهنا لا نستطيع ان نلقي اللوم على المتظاهرين وتحميلهم المسؤولية الكاملة عما حدث لأنهم ببساطة ضحية اعتداء واضح إنما هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدولة في هذا الشأن.
في النهاية كان من الممكن أن يتم محاربة الأفكار المتطرفة والمزعزعة لاستقرار المجتمعات مثل فكر راسموس بطرق أكثر حضارية مثل توقيع عريضة اعتراض إلى البرلمان، ومثل هذه الخطوات يجب على الحكومة توضيحها للمجتمع ورفع الوعي والإدراك يقع على عاتق الحكومة في حال وقوع مثل هذه الحوادث كي لا يتسبب في شق وحدة المجتمع وتماسكه.