الكومبس – مقالات: في شتاء 1993 كتب لي الروائي الراحل عبد الرحمن منيف من دمشق رسالة جاء فيها:
أعبر عن تقديري لجهدك في التعامل مع روايتي ( شرق المتوسط ) سينمائيا من حيث الاعداد والتحضير ولم يبق الا أن تخرج .. بودي أن أطلع على معالجاتك في المراحل المتعددة وتضعني بالجو والتفاصيل وربما الاقتراحات أيضا فقد يأخذ هذا العمل صورة أضافية غير كونه نصا أدبيا .
الكومبس – مقالات: في شتاء 1993 كتب لي الروائي الراحل عبد الرحمن منيف من دمشق رسالة جاء فيها:
أعبر عن تقديري لجهدك في التعامل مع روايتي ( شرق المتوسط ) سينمائيا من حيث الاعداد والتحضير ولم يبق الا أن تخرج .. بودي أن أطلع على معالجاتك في المراحل المتعددة وتضعني بالجو والتفاصيل وربما الاقتراحات أيضا فقد يأخذ هذا العمل صورة أضافية غير كونه نصا أدبيا .
وبعد عامين عاد وكتب لي وهو أكثر حماسا لمشروع الفلم يقول :
يبدو أن شرق المتوسط قد اصبح الهاجس الذي يرافقنا طوال الفترة الماضية ولابد أن تكون قد انتهيت الى نتائج مرضية ؟.. أرسل لي المعالجة الصورية وعلى ضوئها سوف نرى ما يمكن عمله وان كانت توقعاتي مواجهتنا صعوبات كثيرة لآن الموضوع شديد الحساسية في بلادنا ! .. الامر الذي يستدعي البحث عن خيارات بديلة في حال تعذر الامر في المنطقة العربية !
أخذني الحماس أكثر حاملا عملي كاملا ويتضمن المعالجة والحلول التشكيلية للفلم المقترح وتوجهت الى الامارات العربية وعرضت هناك العمل على تلفزيون دبي فوافقوا مبدئيا وأبدوا استعدادهم لتبني المشروع !
حال عودتي الى ستوكهولم اتصلت تلفونيا بعبد الرحمن منيف أزف له الخبر وكان مسرورا وغير مصدق ! .. ذكر لي بأنه سبق أن رغب أكثر من واحد في التعامل مع هذا النص ومنهم المخرج توفيق صالح في السبعينات وكذلك سيدة فرنسية وبالتعاون مع احدى المنظمات الانسانية لكنها لم تصل الى نتيجة !
كان الروائي على حق عندما لم يصدق ما وصلت اليه .. فقد اعتذرت الامارات لاحقا ورحل عنا عبد الرحمن منيف وحلمه لم يتحقق !
رواية الكاتب كانت اطروحتي الماجستير .. كتبت لها السيناريو المتعلق باختصاصي وأنجزت تصاميم الديكورات والمشاهد والكادرات المتسلسلة اضافة الى المعالجات المتعلقة برسوم الشخصيات والملابس والماكياج والحيل السينمائية ولم يتبق سوى التنفيذ من ناحية الانتاج والاخراج !
ليس هذا العمل وحده فقد استمرت أعمالي الفنية تكثر وتتراكم في المهجر كي تخزن ! .. أتأملها ويلح علي السؤال : أما كان من المفروض أن ترى النور أعمالنا في الوطن ؟!
كم من المبدعين في الغربة أرهقهم الحلم والرجاء ؟.. في وقت ثقيل يتفرد ويتسيد في الوطن كل جاهل ومتطفل وغريب ؟! .. لا فائدة ! .. ففي الصيف ضيعنا اللبن !!
أما لماذا أخترت هذه الرواية بالذات لمشروع فلم روائي ذلك لأنني وجدتها تتحدث عن أناس عاشوا للوطن وذابت كل خصوصياتهم في رحابه ولأن الكاتب كان يريد لهذه الرواية أن ترى النور ولا تحجب من قبل الانظمة الحاكمة فهو لم يحدد لها زمنا معينا فأرادها أن تكون الماضي أو الحاضر أو المستقبل وكذلك لم يحدد لها مكانا لكنه وجه بوصلته في الخارطة صوب شرق المتوسط كي تعني أي جزء يقع في حدوده وهو ما سهل لي كمبدع عملية الاختيار الناجع والمعالجة الحرة لانجاز النص الادبي تشكيليا بلغة سينمائية فكان لابد من أن أحدد المكان والزمان فآخترت العراق نموذجا اذ بدون ذلك من غير الممكن تنفيذ مشاهد الفلم التي تتطلب بالطبع الدقة في الواقعية والاقناع فالممثل لا يتحرك كفرد أو مجاميع في الفراغ وهو جزء من المحيط والحيز وكل مفردات الحياة الطبيعية اليومية المادية والمحسوسة في الزمان المحدد.
ثبت الكاتب في مقدمة روايته سبعة بنود من لائحة الاعلان العالمي لحقوق الانسان كجزء أساس من مضمون الرواية مثل المادة الاولى التي تنص : يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الآخاء .. وفي مادته الرابعة عشرة تقول : لكل فرد الحق في أن يلجأ الى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء اليها هربا من الاضطهاد .. وأخيرا اختتم مقدمته بسطور من شعر نيرودا تقول : ليحتفظ دمي بنكهة الظل الذي لا يستطيع السماح بالنسيان !
– د . عبد الرحمن منيف 1933 – 2004 ولد في الأردن من أب سعودي وأم عراقية درس الحقوق في بغداد تخصص في مجال اقتصاديات النفط تولى تحرير مجلة النفط والتنمية في العراق تنقل بين القاهرة ودمشق وبيروت وباريس بدأ كتابة الرواية في سبعينات القرن الماضي صدرت له 15 رواية من بينها رواية مدن الملح في خمسة اجزاء رواية شرق المتوسط هي الثالثة له وصدرت عام 1975
– د . فؤاد الطائي فنان تشكيلي سينمائي عمل في مجال التلفزيون كمصمم ومقدم برنامج مارس النقد التشكيلي والتصميم في الصحافة العراقية مصمم ديكورات للسينما والمسرح أفام 11 معرضا شخصيا في مجالات الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي .
د . فؤاد الطائي