المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
في جمعتنا المباركة هذه أتخذ منحى جديدا لاستيعاب وفهم فلسفة ”السعودة”، ومن خلالها المفاهيم المشابهة الأخرى التي تثار في بلدان خليجية شقيقة لبلد الحرمين مثل ”القطرنة” و”الأمرتة”. بوصلة اليوم تستند إلى فرضية والفرضيات قابلة للبرهنة والدحض.
في جمعتنا المباركة هذه أتخذ منحى جديدا لاستيعاب وفهم فلسفة ”السعودة”، ومن خلالها المفاهيم المشابهة الأخرى التي تثار في بلدان خليجية شقيقة لبلد الحرمين مثل ”القطرنة” و”الأمرتة”. بوصلة اليوم تستند إلى فرضية والفرضيات قابلة للبرهنة والدحض.
شخصيا لا أستسيغ الاستناد إلى مفاهيم تبدأ بـ ”لو كان فلان” لفعل كذا وكذا رغم أن العرب، نتيجة موقعهم الحالي غير المرغوب فيه في سلم الحضارة الإنسانية، يحنون إلى فترات مجيدة في تاريخهم كان لهم فيها قصب السبق في شتى مناحي الحياة، مما يحدو بكثيرين منهم إلى القول ”لو كان الخليفة الفلاني أو الشخص الفلاني أو لو كنا في العهد الفلاني” لكنا بالتأكيد في وضع أفضل.
أنا أقول لكل زمان ومكان خصائصه. إن جلبنا الشخص الفلاني إلى عصرنا هذا علينا سحب مكانه وزمانه مع كل مكوناتهما معه وهذا غير ممكن، وإلا على هذا الشخص، إن حدث ووجُد بين ظهرانينا، أن يتقبل خصائص زماننا ومكاننا ويتصرف في ضوء المحيط الذي نوجد فيه.
إن استندنا إلى هذه النظرية من حيث تأثير الزمان والمكان في حياتنا لرأينا أن كثيرا من الممارسات في دول الخليج العربي – ولا سيما الاقتصادية منها – غير مقبولة على الإطلاق ضمن المفاهيم الإنسانية الشائعة في الدول الإسكندنافية، ومنها السويد.
من وجهة نظر هذه الدول مسائل مثل العمالة الأجنبية والخدمة المنزلية بالأسلوب الذي هي عليه في دول الخليج العربية تعد انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والقوانين المرعية في البلد. هناك عمال أجانب في هذه الدول، ولكن يجري توطين العمالة في فترة لا تتجاوز خمس سنوات ووجودها هو لتعزيز دور العمالة الوطنية وليس الإحلال محلها، واستقدامها محدد جدا وضمن شروط قاسية وفي اختصاصات معينة يفتقدها البلد.
ولا علم لي إن كانت لدى أي عائلة اسكندنافية خادمة من جنوب شرق آسيا أو أي مكان آخر. الأب يعمل والأم تعمل والاثنان مع مساعدة الدولة يقومان بتربية الأبناء وحدهما. هناك خدمة منزلية – مثلا أن تستقدم شخصا كي يعتني بأطفالك لفترة محددة في اليوم – ولكن القائمين بها مواطنون من البلد نفسه لهم الحقوق والواجبات ذاتها ضمن قانون العمل الذي ينطبق على الكل من رئيس الوزراء حتى النادل في المطعم.
وفي هذه الدول الشفافية هي التي تتحكم في الوضع الاقتصادي. ومن اليسر معرفة ما هو خاص وما هو عام في الدول الإسكندنافية، ومن العسر أن تفرز ما هو خاص وما هو عام في دول الخليج العربية.
غياب هذه الشفافية ربما هو واحد من الأسباب الرئيسية للشروخات الكبيرة في البنى الاقتصادية ولا سيما في بعض البلدان الخليجية الصغيرة، حيث تصل نسبة العمالة الأجنبية فيها إلى أكثر من 90 في المائة. هذا يعني أن النمو والتطور وكل البنى التحتية تقريبا وأغلبية الاستيراد والعمران منصبة في خدمة الأجنبي، أي أن عجلة الاقتصاد الوطني ستكف عن الدوران بغيابهم.
ووضع كهذا غير مشجع للاستثمار الوطني، فترى أغلبية المواطنين من السكان الأصليين في هذه البلدان – ولا سيما الأغنياء منهم – لهم موطئ قدم استثمارية – أرصدة، عقارات، ملاعب، أسهم… إلخ – خارج البلد وعلى الأخص في الدول الغربية. هذا شرخ اقتصادي لا سابق له، حيث إن عجلة الاقتصاد في الداخل تستند إلى حلقة العمالة الأجنبية وعجلة الاستثمار – من قبل الدولة والأفراد – تدور إما حولها وإما لتزييت عجلة الاقتصاد في دول أجنبية من خلال استثمارات خارجية.
وإلى اللقاء؟
ليون برخو
الاقتصادية السعودية
13 يوليو 2012