المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: يبدو أن السياسة السويدية في السنوات الأخيرة شهدت تحولاً كبيراً، إذ أضحت القوانين والسياسات الجديدة تشدد على التمييز بين المواطنين الأصليين والمواطنين من أصول أجنبية. هذا التحول يعكس قلقاً متزايداً داخل المجتمع السويدي حيال قيم المواطنة والمساواة التي كانت يوماً ما حجر الزاوية في النظام السياسي والاجتماعي للبلاد.
تغيرات السياسة السويدية
تستند السياسة السويدية الجديدة بشكل أساسي إلى تعزيز الفكرة بأن قيم الثقافات الاجتماعية والدينية للمهاجرين تتعارض مع القيم السويدية التقليدية. هذا الموقف السياسي أدى إلى تشديد القوانين المتعلقة بالإقامة، واللجوء، وحتى تشجيع الهجرة العكسية. من الواضح أن هذا التحول ليس مجرد سياسة هجرة متشددة، بل هو جزء من رؤية أوسع تهدف إلى خلق “اندماج انتقائي”، حيث يتم التركيز على قيم وثقافة محددة والتقليل من أهمية الثقافات الأخرى.
هذا التوجه يتناقض بشكل واضح مع المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية السويدية والمساواة التي يُفترض أن تشمل جميع المواطنين بغض النظر عن أصولهم أو خلفياتهم الثقافية والدينية. فقد بدأ تمييز واضح يظهر بين “المواطنين الأصليين” و”المواطنين من أصول أجنبية”، حيث يُنظر إلى الأخيرين على أنهم مصدر لعدم الاستقرار أو تهديد للقيم الوطنية، وهذا المفهوم بات يُستخدم لتبرير التدابير الصارمة ضدهم.
تشديد قوانين الإقامة والهجرة العكسية
أحد أهم مظاهر هذه السياسة هو تشديد قوانين الإقامة التي باتت أكثر تعقيداً وصعوبة للمهاجرين الجدد وأيضاً للأجيال التي وُلدت في السويد لكنها تنتمي إلى أصول أجنبية. يُضاف إلى ذلك تشجيع السياسات للهجرة العكسية، أي دفع بعض الأفراد الذين لم يتمكنوا من الاندماج الكامل حسب المفاهيم الجديدة إلى العودة إلى بلدانهم الأصلية. هذا التشديد لا يتوقف عند مستوى قانوني فقط، بل يمتد إلى ممارسات اجتماعية تجعل من الصعب على المهاجرين الحفاظ على هويتهم الثقافية.
مقاومة المواطنين من أصول أجنبية
من ناحية أخرى، شهدت السويد مقاومة ملحوظة من قبل المواطنين من أصول أجنبية الذين يشعرون بأن هويتهم الثقافية مهددة. تعمل هذه المجتمعات على الدفاع عن حقها في الحفاظ على ثقافتها وتقاليدها، سواء كان ذلك في الممارسات الدينية أو الاحتفالات الثقافية. كما يسعون إلى الحفاظ على حقوقهم في لم شمل الأسر، خصوصاً في ظل قوانين اللجوء الجديدة التي تعيق بشدة هذه العملية.
هذه المقاومة ليست فقط للدفاع عن الهوية، بل هي أيضاً مطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة، حيث يرون أن هذه السياسات هي شكل من أشكال التمييز العنصري. بدأ يتشكل نوع من الوحدة والتضامن بين هذه المجتمعات، إذ باتت تعتبر نفسها في مواجهة سياسات تستهدف إقصاءها وتهميشها. كما بدأت تُستخدم منظمات المجتمع المدني والحقوقية للدفاع عن حقوق هذه المجموعات والدفع ضد السياسات الجديدة.
انعكاسات السياسات على التماسك الاجتماعي
إن هذه التحولات السياسية قد تكون لها تأثيرات سلبية بعيدة المدى على التماسك الاجتماعي داخل السويد. فبدلاً من تعزيز مفهوم المواطنة القائمة على المساواة والعدالة للجميع، قد تؤدي هذه السياسات إلى خلق فجوات اجتماعية أعمق بين مختلف مكونات المجتمع. هذا التمييز الواضح بين المواطنين قد يزيد من التوترات ويعزز من نزعات الاستقطاب داخل المجتمع، مما يؤثر سلباً على استقرار الدولة.
خلاصة
السياسة السويدية الجديدة تمثل تحولاً جذرياً عن القيم التقليدية للمواطنة والمساواة التي كانت تُعتبر جوهر النظام الديمقراطي والاجتماعي في البلاد. تشديد القوانين المتعلقة بالإقامة والهجرة العكسية، إلى جانب النظرة السلبية إلى الثقافات الاجتماعية والدينية للأقليات، يُعتبر بمثابة تهديد للمبادئ التي تأسست عليها الدولة الحديثة. في المقابل، يتزايد الدفاع من قبل المجتمعات المهاجرة للحفاظ على حقوقها وهويتها الثقافية في مواجهة ما تعتبره سياسات عنصرية تتماهى مع أجندة اليمين المتطرف.
د. محمود الدبعي
مستشار قانوني وأسري