السويد لم تحرق القرآن

: 7/11/23, 1:29 PM
Updated: 7/11/23, 1:29 PM
السويد لم تحرق القرآن

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: الحكم على شيء فرع من تصوره. فإذا تصورنا المشكلة بشكل خاطئ فالحلول التي سنصل إلیھا ستكون خاطئة في الغالب. تصور المتداول بأن السوید تستھدف الإسلام و المسلمین من ھذه التصورات الخاطئة التي تنتج أحكام و تصرفات لن تزید النار إلا اشتعالا. جزء من ھذا التصور الخاطئ یقوم على عدم إدراك الفروقات بین المنظومات السیاسیة في الشرق الأوسط و كثیر من الدول الغربیة.

بعد الإطاحة بمحمد مرسي في مصر على ید الجیش المصري, سارع أردوغان لإدانة الانقلاب العسكري و لیعلن عدائھ للنظام المصري الجدید الذي وصفھ بأقبح الألفاظ. و مع القمع و التنكیل الذي أصاب الإخوان وغیرھم من القوى السیاسیة المصریة كانت تركیا ملجأ الأمان لھم. وكانت قاعدة لعملھم السیاسي و لإنشاء إعلام بدیل یعارض النظام المصري الجدید. أردوغان فتح المجال أمام ھذا الإعلام وھذه القوى و دعمھا لأعوام. و مع مرور الوقت السیاسة التركیة تغیرت وبدأت حبال المصالحة تمتد بین النظام المصري الجدید و النظام التركي. وكما طالبت تركیا السوید بالتضییق على عدد من الأحزاب الكردیة, طالبت مصر تركیا بالتضییق على المعارضة المصریة في تركیا. وبین لیلة وضحاھا فقد كثير من المعارضین المصریین ذلك الدعم وھامش الحریة الذي وفرته لھم تركیا وغادرھا عدد منھم.

ھذا لیس بغریب في الشرق الأوسط . ففي كثیر من الدول العربیة التي ھي أقل دیمقراطیة و حریة من تركیا, یعي كثیر من الشعب أن سماح الدولة بخروج مظاھرات ضد جھة ما یعني أن الدولة تعمل ضد تلك الجھة و تعادیھا. وعندما ینتقد إعلام دولة عربیة ما دولة أو رئیس دولة أخرى نعلم أن ھذا یتماشى من ساسة تلك الدولة العربیة وربما كانت تلك المظاھرة أو النقد بإیعاز وتحریض من السلطة. بعبارة أخرى حریة التعبیر و الإعتراض في كثیر من الدول عربیة محدودة جدا و مرتبطة بمواقف وسیاسات النظام.

ومن جانب آخر یتم تحجیم الحریة في العالم العربي باسم المقدسات. و المقدسات تتراوح عادةً بین الرموز القومیة، و مركز رئیس الدولة، إلى قیم المجتمع و الدین. فنرى أناس تسجن، أو توقف عن العمل، أو یفرق بینھا وبین زوجھا، و أحیانا تقتل بسبب إتھامات مثل: “النیل من ھیبة الدولة ومن الشعور القومي”، “الاعتداء على مبادئ وقیم الأسرة” أو “إھانة المشاعر الدینیة”، “الإفساد في الأرض بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن وإحیاء الفتنة” و “إھانة الرئیس”. تحت تلك المسمیات تم النیل من مفكرین, مصلحین, شیوخ, كتاب, سیاسیین, فنانین وصحفیین. وحتى مساكین التكنیك یتم ملاحقتھم كما في قضیة فتیات التكتوك و قوانین التعدي على قیم الأسرة في مصر، أو كما في حادثة ترحیل بعض اللاجئین السوریین لنشرھم فیدیوھات الموز و اتھامھم بالسخریة من الأتراك.

وفوق تلك الدكتاتورية والاستبداد قضت على التمايز بین مؤسسات الدولة و مكوناتها. فیصبح رئیس أو ملك ھو الدولة والشعب وما باقي المؤسسات مثل مجلس الشعب و القضاء و الإعلام إلا دمى یتحكم بھا الحاكم. لتصبح الدولة دولة الصوت الواحد، و الحزب الواحد والرأي الواحد والرجل الواحد. لذلك نرى كثیر من الشرق أوسطیین ینسبون فعل حرق القرآن إلى السوید لا إلى ھؤلاء الأفراد و المجموعات التي قامت بذلك فعل فقط. بالنسبة لكثیر مجرد عدم منع و قمع من أرادوا حرق القرآن ھو دلالة دعم الدولة لذلك الفعل. فعلى الرغم من أن رئیس الوزراء أدان حرق القرآن بكل وضوح لا زلنا نسمع عبارات تنسب فعل حرق القرآن إلى السوید، حتى أن أحد التعلیقات قالت “السوید أعلنت الحرب على الله”.

لا شك أن حریة التعبیر لیست مطلقة في السوید. فھناك مقدسات تحد من تلك الحریة. كما أن ازدواجیة المعاییر و التمییز و العنصریة موجودة أیضا. لكن لا یمكن إنكار أن ھامش حریة في السوید و العدید من البلدان الغربیة أعلى بمراحل من كثیر من الدول العربیة والإسلامیة. السوید التي تسعى لعضویة الناتو باستماتة لم تستطع أن توقف المظاھرات التي تقف ضد الناتو و تندد بأردوغان داخل السوید. ولم تستطع إلى الآن تجریم حركة المقاومة النوردیة النازیة، و مازالت تحصل تلك الحركة المتطرفة على إذن بالتظاھر من الشرطة حتى أمام الكنیس في الأعیاد الیھودیة. وبریطانیا التي اجتاحت العراق لم تستطع أن تمنع عشرات الآلاف من النزول إلى الشوارع للتندید بتلك الحرب. وأمریكا التي تحتوي على العدید من المسیحیین الأصولیین و نفوذھم الكبیر في الحزب الجمھوري لم تمنع حرق الإنجیل و تدنیسه و السخریة من السید المسیح. أفعال الأفراد أو الأحزاب أو منظمات معینة لا تعكس بالضرورة الإتجاه الرسمي للدولة أو الحكومة. وحتى التوجھات الرسمیة لدولة ما لا تعكس التنوع الموجود داخلھا.

كما على الغربیین تفھم الشرق أوسطیین و خصوصیاتھم الثقافیة, یجب على الشرق أوسطیین تفھم الغربیین و ثقافتھم ونظامھم السیاسي أیضا. ھذا لیس لتبریر قمع الحریات في الشرق الأوسط ولا لتبریر إثارة الكراھیة ضد المسلمین في الغرب. یجب علینا بالتأكید الوقوف ضد الكراھیة التي ینشرھا الیمین المتطرف في الغرب بكل الطرق المشروعة. لكن الادعاء أن الغرب یحارب الإسلام و یھین المسلمین یشبه الادعاء أن المسلمین إرھابیون ومتطرفون و أن الإسلام دین تخلف. ھو تعمیم مبالغ بھ و قصور شدید في رؤیة الصورة بأبعادھا المختلفة. و كما اتھام المسلمین بالتطرف و التخلف أدى لمزید من التطرف و الكراھیة تجاه الغرب, فإن حرق أعلام السوید و الإعتداء على سفاراتھا و إتھام السوید بمحاربة الإسلام لن تؤدي إلا إلى المزید من الكراھیة والإسلاموفوبیا.

ماهر شيخاني

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.
cookies icon