المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
” فقط هؤلاء الموسوعيون من النخبة يمكنهم تفسير واكتشاف الحقيقة وراء المعلومات المتجمعة.”
( سو تسو , فيلسوف, محارب وبطل قومي صيني 490 قبل الميلاد)
الكومبس – ( خاص ) بقلم الدكتور توفيق آلتونجي : الشباب العنصر الأساسي في بناء مستقبل البشرية، وحولهم تتحمور كافة السياسات المستقبلية للدول والحكومات. الشباب عماد أساسي من أعمدة بناء المجتمعات وعلى عاتقهم سوف تقع مهام وتحديات الايام القادمة وعلى مهارتهم وتجربتهم ومدى وعيهم وتربيتهم وعلمهم يتوقف نجاحهم وسلامة الارض ومن عليها. هؤلاء سوف يتسنمون صولجان السلطة وحكم البلاد بعد حين لينطلقوا بالوطن وابنائه الى افاق جديدة يملؤها السلام والطمأنينة.
الشابُ المهاجر مرّ خلال عقود من التاخر والظلام وسواد افكار قادته الى سوح القتال والموت والفناء في وطنه الام. أما المسيرة العلمية فقد تأخرت كثيراً نتيجة عدم توفر المستلزمات الكافية والبيئة السليمة لانطلاق الشاب في عوالم المعرفة والابداع.
سأحاول في بحثي هذا ان اقدم تصوراتي حول مستقبل الشباب في المنفى، وتحليل نماذج معينة من السلوك واعطاء اهمية خاصة بالمؤهل الاجتماعي للشاب، على ضوء البحوث العلمية ونتائجها هنا في الغرب. مع اعطاء اهمية استثنائية الى التعليم، بالاعتماد على اسلوب حل المشاكل والمعضلات كطريقة حديثة في التعلم، ورؤية تعليمية جديدة من الناحية النظرية والعملية.
ان السياسيين سيحتاجون الى مكان لانطلاق الشباب من جديد، وسيجدون في المقاعد الدراسية ضالتهم المنشوده. الشباب هم البداية لبناء القيم الجديدة في المجتمعات. الشباب المهاجر في دول المنفى امام تحديات كبيرة والاندماج في المجتمعات الجديدة احدى اهم تلك التحديات.
لا ريب ان سياسات الاحزاب الاوربية تعطي بعض الاهتمام الى الجيل الجديد من ابناء اللاجئين، ولكن بسطحية لا تسمو الى ما يتوقعه هؤلاء من المؤسسات السياسية الرسمية. الاحزاب السياسية في الغرب بصورة عامة لا تفرق بين مشاكل الشاب من ذوي الاصول المهاجرة والآخرين من ابناء الوطن.
الحقيقة ان الشباب المهاجر بعد قدومه الى وطنه الجديد يلاقي الامرين في المجتمع، وبصورة خاصة في المدارس ومؤسسات الاوقات الحرة من ملاعب ونوادي رياضية او فنية. هذا ينطبق على الجيل الثاني من الشباب أي اللذين ولدوا في المنفى من ابوين مهاجرين.
اللغة والاندماج
تعتبر لغة اهل البلاد المعوق الاساسي على الاقل في بدايات السنوات الدراسية قبل ان تكتمل شخصية الشاب، لكن تلك المعوقات تكون جزئية ايام الطفولة في دور الحضانة حيث الجميع سواسية يتعلمون كلماتهم الاولى. ان سنوات المتوسطة تكون محورية في تكوين الشباب حيث يبدا الشاب بالبلوغ وتكوين شخصيته المستقلة. هنا يبدا الشاب بلبس ملابس خاصة والاتجاه الى المجاميع من الشباب المهاجر، وربما تعلم عادات سيئة كالتدخين والتوجه الى المخدرات او الولوج الى عالم الجريمة.
لغة البلاد من حيث الصعوبة تتفاوت بين دولة واخرى، ورغم اجادة الشباب المهاجر للغة اهل البلاد الا انهم يحاولون ايجاد لهجات خاصة بالمهاجرين. مع موازاة تلك التوجهات يبدا الشاب باختيار اسلوب خاص بالحياة وملابس خاصة واكسسورات وحتى مشية خاصة لتميزه عن الاخرين، وهذا الاخير يبدو للوهلة الاولى معوقا اساسيا لاندماج المهاجر في المجتمع.
الا ان اسلوب الحياة ذلك ادى الى ظهور ثقافة خاصة بالأفارقة الامريكيين والمنحدرين من اصول اسبانية في الولايات المتحدة. لا بد ذكر الشعور القومي الذي يبدا باخذ طاقة الشاب مما يؤدي الى انزوائه واتخاذه اصدقاء فقط من قوميته ولغته مما يزيد من عزلته وفههمه للاخرين.
الفكر القومي السلبي يؤدي الى توجه الشاب الى مقت الاخرين ممن ينتمون الى شعوب اخرى والتوجه الى الماضي والتاريخ وامجاد امة قد تكون قد انتهت ولا وجود لها الا بين الاثار والاحجار.
التغير خاصة من الدرجة الثانية، أي الجذرية منها، وهنا اريد تبسيط الموضوع باعطاء مثال بسيط يوضح ما اربو اليه من كلمة التغير الجذري، فاذا قام الشاب بتغير لون شعره او تغير ملبسه، فتلك تغيرات هيكلية لا تؤدي الى تغير في السلوك، اما اذا تغير الشاب جوهريا، وبدا بالتفكير والتخطيط على طريقة جديدة ونبذ ما كان يفعله في الماضي، فتلك تغيرات جوهرية سلوكية.
الاندماج لا ياتي ابدا عن طريق امر سياسي او قانون دولة وقرار حكومي، الاندماج ياتي في فهم المجتمعات الجديدة والتعامل معها على اسس جديدة تعتمد على فهم تلك المجتمعات واحترام عاداتها وتقاليدها واعرافها، دون الدخول الى جدال عقيم عن ماهية تلك العادات ومساوئها او سلبياتها، بل تجاوز ذلك بقبول الاخر المختلف.
هذا المبدا الاخير أي قبول الاخر المختلف ينطبق على كلا الطرفين، فالشباب المهاجر يجب أن يقبلوا اسلوب حياة ابناء البلد دون المحاولة لتغير تلك العادات بل احترام وجودها وابناء البلد الاصليين يجب ان يحترموا وجود اسلوب اخر للحياة لدن الشباب المهاجر.
نرى ان تطور ادوات الاتصال من انترنت وتلفونات خلوية قد فتح بابا جديدا للتواصل عن طريق الرسائل النصية وصفحات التواصل الاجتماعي، مما يقرب من وجهات نظر الشباب ويبعد عنهم هيمنة الفكر السلبي والتقوقع والجري وراء الافكار المطلقة الرافضة لوجود “حقيقة” اخرى خارج المنظور الفكري الذي يؤمنون به.
الدكتور توفيق آلتونجي
التطهير والانسلاخ
التطهير العرقي الذي تنادي به الاحزاب العنصرية في اوربا تعني فيما تعنيه تغيرا من الدرجة الثانية، ولكن عن طريق سلخ شخصية الفرد من ماضيه، وإعطاءه هوية جديدة مخالفة لجميع اعرافه وفكره وتقاليده، وحتى احيانا دينه وعقيدته. هذا النوع من التغير مرفوض تماما ولكن هذا لا يعني بان العديد من الشباب قد لجأوا الى هذا النوع من التغير ضنا منهم بانهم يجارون المجتمعات الاوربية فخسروا كل شئ. بالدرجة الاولى خسارتهم لشخصيتهم واحترام الاخرين لهم من ناحية وخسرو كذلك احترام اهل البلاد الذين ينظرون اليهم كطفيليين يعيشون على حساب الاخرين.
هذا التغير الاخير يُعد من اهم معوقات انسلاخ مجموعة من الشباب قد تم تبنيهم من قبل السويديين ولكنهم اكتشفوا لاحقا بان لهم ابوين وعائلة في بلادهم الاصلية. هؤلاء يعيشون في حالة نفسية سيئة جدا لكونهم من ناحية يحملون كافة مكونات الشخصية لهوية اهل البلاد من ثقافة ولغة واسلوب حياة ولكن وجوههم تدل على اصولهم الاصلية اسوية كانت ام افريقية.
طبعا علينا ان لا ننسى بان المجتمعات الاوربية بصورة عامة تتكون في الاساس من تعددية عرقية وقومية قلما تجد هناك دولة يتكون نسيج سكانها القومي والاثني والعقائدي من عنصر واحد كما كان يدعي النازيين في المانيا.
الاحزاب العنصرية المتطرفة ترى في هؤلاء ايضا معوقا من معوقات العنصر النظيف والانتماء الى امة واحدة، فهم يرون بان على اهالي البلاد الاصليين من سامر في بلاد الاب لاند في القطب الشمالي ترك ثقافتهم وهجرها والتحول الى الثقافة السويدية تماما والانسلاخ من قوميتهم الاصلية. لا ريب بان شباب المنتمين الى الاقليات العرقية هم ابناء البلاد الاصليين ولكنهم يعانون ايضا من التميز.
التطهير العرقي مرفوض تماما حتى لو كان بعض ابناء اللاجئين قد جربوا تغير اسمائهم وانتمائاتهم وأسلوب حياتهم لكنهم فقدوا احترام المجتمع وأبناء جلدتهم كذلك.
الاعتدال سيد الاحكام
الشباب المهاجر يجب ان يعمل جاهدا للتعلم والاستفادة من المجالات المفتوحة امامه للرقي بعلمه ومعرفته وتجاربه دون الحاجة الى تغير شخصيته، بل احترام الاخرين والانتماء الى الوطن الجديد الذي فتح له باب العلم والمعرفة على مصراعيه دون أي تميز. هنا يجدر الاشارة الى العديد من ابناء المهاجرين تمكنوا من الرقي الى مواقع مرموقة في المجتمع، ولم يعطوا أي تنازل وكسبوا احترام الجميع في المجتمع وباتوا مثالا يقتدى بهم. هؤلاء هم حملة الفكر النير والمعتدل والذي يقبل بوجود الاختلاف ويرى فيه اغناء للثقافة والمعرفة والابداع.
السويد
2012-12-15