المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: يُدمن الشعب السويدي الأمن والاستقرار، منذ أكثر من 200 سنة، حقق خلالها مستوى مرتفع من الرفاهية والتقدم.
تربة الأمان والاستقرار أنبتت اقتصاد سوق قوي، ومستويات عالية في معدلات دخل الفرد، مما ساهم في ترسيخ مفاهيم ومبادئ مجتمعية قوية تضمن المساواة والعدالة والدفاع عن حقوق الإنسان، كل ذلك في ظل نظام حكم تعددي ديمقراطي.
السباق الانتخابي الذي نشهده اليوم، قد يبدو تنافساً عاديّاً ضمن اللعبة الديمقراطية بين الأحزاب السياسية للوصول إلى السلطة، ولكن المستجد في هذا التنافس، هو استخدام أسلوب تخويف المواطن السويدي العادي من فقدان رصيده الأمني الذي أدمن طعمه على مدار سنوات طويلة.
ما يحدث الآن هو استغلال غير معتاد لخوف المواطن العادي من البطالة أو من تدني الاقتصاد أو من هبوط مستويات الرفاهية.
من أهم المواد الأولية لصناعة الخوف ونشر الفزع التي تستخدمها الأحزاب اليمينية الشعبوية، قضية اللجوء والهجرة، وتقديمها على أنها قضية ترهق ميزانية وموارد الدولة، وتحرم السويديين من فرص العمل، وتؤدي أيضا إلى هبوط بمعايير الرفاهية السويدية، وهناك من يصور الهجرة واللجوء كخطر يهدد الأثنية والثقافة السويدية.
لذلك نرى أن موضوع الهجرة واللجوء، أصبح الموضوع الانتخابي الأكثر أهمية، بعد ربطه أيضا بمسائل الأمان الاجتماعي وتزايد معدلات الجريمة خاصة في الضواحي.
من أهم المواد الأولية لصناعة الخوف ونشر الفزع التي تستخدمها الأحزاب اليمينية الشعبوية، قضية اللجوء والهجرة
صناعة الخوف طالت أيضا قضايا أخرى ترتبط بالسياسات السويدية الخارجية، مثل الدعوة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وإلى انحسار دور السويد العالمي في المنظمات الأممية، مما يؤدي إلى تقليص الحضور السويدي في القضايا الدولية المشتركة مثل المناخ والبيئة وحل النزاعات والمساهمات الأممية الأخرى.
إذا نحن أمام تنافس وصل في الفترة الأخيرة إلى حد الصراع بين ارادتين مختلفتين حول الشكل الذي ستكون عليه السويد، فهناك من يرى السويد بلدا له حضور أوروبي وعالمي ومنفتح ويحافظ بنفس الوقت على استقراره وازدهاره، على ضوء الواقع العالمي الجديد الذي يربط بين بقاء وتطور الدول الصغيرة بتحالفاتها مع تكتلات جيوسياسية، مقابل من يريد إعادة السويد إلى الوراء من خلال إحياء المفاهيم القومية للحفاظ عليها “نقية” مما يحولها إلى بلد مغلق ومنعزل وغير فعال، وهذا سيؤثر أيضا على اقتصادها وحضورها الدولي.
يمكن أن يكون كل شخص منّا، مقيم هنا، مؤثرا وله دور ومشارك في حسم الصراع على شكل ومكانة السويد المستقبلية
يمكن أن يكون كل شخص منّا، مقيم هنا، مؤثرا وله دور ومشارك في حسم الصراع على شكل ومكانة السويد المستقبلية، في حال اعتبرنا أنفسنا معنيين بما يجري الآن من تغيرات، ومعنيين أن لا نكون على هامش الأحداث، ومعنيين بأن نشارك بالانتخابات ونعرف من نختار ولمن نعطي صوتنا.
مؤشرات عديدة ظاهرة وواضحة على عزل السويد والعمل على تقوقعها، من خلال اقتراحات وسياسات وتصريحات كان آخرها اقتراح بمنع الجنسية المزدوجة باستثناء المواطنين من دول شمال أوروبا، اقتراح سيضع المواطنين الآخرين المجنسين في السويد أمام خيارات صعبة إما التخلي عن جنسية بلدهم الأم أو عن جنسية بلدهم الحالي.
هذا إذا علمنا أن الحزب صاحب هذا الاقتراح هو نفس الحزب الذي يصنف المواطنين على أسس عرقية، فهو لا يعترف بسويدية من حتى ولد ونشأ وعاش في السويد، إذا كان أحد والديه ليس سويديا “أصليا” حسب تعريفهم للسويدي.
المفارقة هنا أن عدد ممن لا يعتبرهم هذا الحزب ولن يعتبرهم سويديين سيصوتون له ومعجبين بأفكاره.
الضحية تُقبل يد جلادها، في مشوار الصراع على شكل ودور السويد المستقبلي.
د. محمود صالح آغا
رئيس تحرير شبكة الكومبس الإعلامية