المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – خاص – بقلم سمير طاهر أتذكر نقاشاً عاصفاً جرى بيني وبين مدرّسة في دورة دراسية، عندما وصفت المدرسة شخصية الرجل العربي كما تراها، فاذا هو كائن متخلف وعنيف، فقلت لها أن وصفها لا ينطبق علي ولا على ملايين غيري من الرجال العرب وأنه مبالغ فيه وتعميمي. فكان عذرها أنها لم تعرف قط رجلاً
الكومبس – خاص – بقلم سمير طاهر أتذكر نقاشاً عاصفاً جرى بيني وبين مدرّسة في دورة دراسية، عندما وصفت المدرسة شخصية الرجل العربي كما تراها، فاذا هو كائن متخلف وعنيف، فقلت لها أن وصفها لا ينطبق علي ولا على ملايين غيري من الرجال العرب وأنه مبالغ فيه وتعميمي. فكان عذرها أنها لم تعرف قط رجلاً عربياً معرفة شخصية وأن معلوماتها هذه استقتها من الحوادث التي تنشرها وسائل الاعلام وخصوصاً الصحف
أي إن هذه المدرسة، بنت أحكاماً عامة على شعوب وأفراد لم تعايشهم لا لشيء إلا لأن الصحافة قالت ذلك مع ان مئة صحيفة لا تكفي
لنشر “كل” أخبار العرب فتلجأ كل صحيفة الى انتقاء أخبار معينة تلائم توجهها
تحضرني ذكرى هذا النقاش كلما طالعت في الصحف أو شاهدت في التلفزيون تلك التقارير والمقالات والبرامج التي تقدم للجمهور عرباً
نمطيين عصيين على التطور مهما مرت عليهم القرون! وقد يكون الاعلام طرفاً من المعادلة فيما يقع
فكأن الصورة الكاملة للعربي النمطي يجري تقطيعها الى مئات القطع الصغيرة على شكل مئات الأخبار والتقارير والعبارات المدسوسة داخلها و.. و… وهذه القطع الصغيرة يمكن أن تكون خبراً عن جريمة في السويد منفذها عربي
في طرفها الآخر المواطن السويدي نفسه فهذا النوع من الطرح ينسجم مع حذر السويدي من “الغرباء” وخوفه ممن لا يعرف، ومن ناحية أخرى فالسويديون على العموم حسنو الظن باعلامهم ويمنحونه ثقتهم
وهذه النقطة الأخيرة هي موضع الخطر في القضية، فوسائل الاعلام – في كل مكان في الدنيا – ليست جمعيات خيرية توفر المعلومات للناس بلا مقابل وإنما هي استثمارات تقف وراءها مصالح مادية وسياسية، وما دامت هي وسيلة للوصول الى عقول الجمهور فقد غدت – في وقتنا الحالي المليء بالصراعات – أهم طريقة لنشر الرسائل السياسية وغير السياسية. وبناء على هذا من الصعب أن نصدق أن رواج صورة نمطية سلبية جداً للعربي في الصحافة السويدية على اختلافها هو مجرد صدفة
الأمثلة على هذه الصورة كثيرة جداً مع الأسف وما تزال مستمرة حتى اللحظة. فكأن الصورة الكاملة للعربي النمطي يجري تقطيعها الى مئات القطع الصغيرة على شكل مئات الأخبار والتقارير والعبارات المدسوسة داخلها و.. و… وهذه القطع الصغيرة يمكن أن تكون خبراً عن جريمة في السويد منفذها عربي، أو تقريراً عن الارهاب يحشر فيه إسم المسلمين أو الفلسطينيين، أو العكس بالعكس! (فالمهم هو خلق معادلة في ذهن المتلقي بحيث ما أن يرد ذكر أحد الطرفين – المسلمين أو الارهاب – حتى يحصل ارتباط فوري بالطرف الآخر)، أو عرضاً ترويجياً لكتاب باللغة السويدية تروي فيه مؤلفته العربية حكايتها مع أخوتها الذين يريدون قتلها بسبب ارتباطها العاطفي، أو لقاء مع أحد ضحايا “الارهاب الاسلامي”، أو تحذيراً للسياح من الاختلاط بالسكان المحليين في هذا البلد العربي أو ذاك لأنهم لصوص أو محتالون… الخ. فهناك في كل قسم من أقسام الصحف مناسبة وفرصة للاساءة الى العرب، لكن لن تعثر أبداً في أي صحيفة على “الصورة الكاملة” للعربي النمطي وكل ما تراه هو هذه الأجزاء الصغيرة
فهناك في كل قسم من أقسام الصحف مناسبة وفرصة للاساءة الى العرب، لكن لن تعثر أبداً في أي صحيفة على “الصورة الكاملة” للعربي النمطي وكل ما تراه هو هذه الأجزاء الصغيرة من الصورة ثم يتكفل عقلك باعادة تجميعها بنفسه.
من الصورة ثم يتكفل عقلك باعادة تجميعها بنفسه!
من المفهوم أن يتعرض الاعلام للظواهر السلبية والمشاكل العامة ومن بينها تلك التي يكون للمهاجرين دور فيها فهم جزء من المجتمع، ولكن الأمر يأخذ في أحيان كثيرة طابعاً متحاملاً إن لم نقل خبيثاً، مثلما يحدث في تقارير صحفية تُزرع بين سطورها ألغام عنصرية لا علاقة لها بالموضوع الأصلي، أو حين يجري وضع رسالة الاحتقار العنصري داخل ظرف وردي جميل. كمثال على الحالة الأخيرة أذكر تقريراً تلفزيونياً عن شبان من أصول غير سويدية أنقذوا فتاة من الاغتصاب فراح معد التقرير يتصنع الدهشة وكأنه عثر على أعجوبة عندما عثر على مهاجرين لا يغتصبون الفتيات (حسب الصورة النمطية) وإنما هم الذين ينقذون الفتيات من المغتصب! في البلاغة العربية يدعى هذا الفن ذماً بما يشبه المدح! لكن الفتيان المعنيين كانوا بسطاء ولم يفهموا الغرض الخفي لمندوب التلفزيون وهو يمتدحهم بكونهم “مهاجرين لكن طيبين!”، فأجابوه ببراءة: نعم جميل أن تكون مهاجراً وتفعل الخير!!
مثل هذا الاعلامي الخبيث يوجد كثيرون وفي مختلف الأقسام الاعلامية: سياسة، ثقافة، فن، مجتمع، وحتى سياحة.. وعلى ذكر السياحة لن أنسى الصورة الكبيرة التي احتلت ثلثي صفحة السياحة من مجلة مترو المجانية الشهيرة لصبي رث يعتلي كومة هائلة من الأزبال مرزومة على عربة يجرها حمار، تحت عنوان: نصائح قبل السفر الى مصر! توقعت وقتها أن كثيرين من السويديين ممن خططوا لرحلة الى مصر لابد أنهم ألغوا خططهم بعد قراءتهم هذا الموضوع أو حتى بمجرد رؤيتهم الصورة. وأنا أرى هذا الموضوع مثالاً جيداً لتوضيح كيفية تعامل الصحف السويدية مع العرب: فالكاتب هنا التقط من مصر بضعة ظواهر ونماذج سلبية ثم قال: هذه هي مصر. أي إنه نظر الى هذا البلد بعين واحدة عن قصد وأغفل ذكر الأشياء المهمة والأفراد المهمين في مختلف المجالات. وهذه بالذات هي الطريقة التي تتبعها الصحافة السويدية في تقديم الفرد العربي: النظر إليه بعين واحدة ترصد سلبياته وتغمض العين الأخرى عن إيجابياته. لكني لن أفعل مثلها وأغمض عيني عن أقلام منصفة كثيرة وعن مجلات ثقافية وصحف شعبية وإعلاميين كتبوا وتحدثوا عن العرب والمسلمين بكل احترام، وبعضهم ضحى بالكثير في نصرة القضايا العادلة للعرب.
الاعلام المرئي له أيضاً دور في هذه الظاهرة على الرغم من ان عدداً من المثقفين يقومون بعمل جيد في تعريف المشاهد السويدي بجوانب مضيئة من الثقافة العربية قديمها وحديثها. وكذلك المدارس لها دور أيضاً في هذه الصناعة العنصرية. وتؤكد أدلة وثائقية أن هذه الحالة شهدت تصاعداً واضحاً منذ وصول الائتلاف البرجوازي الى الحكم (2006)، ومن بين هذه الأدلة تقرير مجلس حقوق الانسان التابع لهيئة الأمم المتحدة لسنة 2009 حيث اعتبر السويد بلداً مليئاً بكره الأجانب والتمييز العنصري، بل واستدعى الحكومة السويدية للتحقيق (وهي حالة نادرة) في مقر المجلس في جنيف. ويبدو أن الأمر يستحق إذا ما تمعنا في حقيقة واحدة فقط مما تضمنه التقرير: أن من بين 155 حالة اعتداء لدوافع عنصرية، تم التحقيق في 5 حالات فقط!! وينتقد التقرير بوضوح تساهل الحكومة مع الدعاية العنصرية المتزايدة عبر
تكريس صورة العربي الارهابي الهمجي ومقارنته بالغربي المتحضر ربما يكون زيتاً يسهّل حركة دواليب الدعاية الصهيونية عن شعب متحضر ومسالم تنتمي دولته (إسرائيل) الى الثقافة الغربية لكن محاصر بشعوب إرهابية وهمجية تتربص به
الانترنيت وفي المدارس.
لكن لماذا يا ترى كل هذه الجهود والأموال لتشويه العربي؟ هل الأمر يقتصر على دوافع عنصرية وحسب؟ هل ان انتشار هذه الحالة بين معظم الصحف الكبرى على اختلافها هو مصادفة؟ رغم إنني لا أحب أن أنغلق في داخل افتراضات سياسية مسبقة إلا أن طبيعة ما تنشره هذه الصحافة يثير الشك في أن القضية ربما تكون أبعد مدى وأعمق، وأن تكريس صورة العربي الارهابي الهمجي ومقارنته بالغربي المتحضر ربما يكون زيتاً يسهّل حركة دواليب الدعاية الصهيونية عن شعب متحضر ومسالم تنتمي دولته (إسرائيل) الى الثقافة الغربية لكن محاصر بشعوب إرهابية وهمجية تتربص به، وبالتالي فكره العرب حب لاسرائيل. لكن المضي بهذا التفكير سيقودنا الى قضية “من يمتلك الصحف في السويد” الذي يثار كثيراً بين الشباب وخصوصاً في داخل الانترنيت لكن الجميع لديهم من النظريات أكثر من الأدلة. وعلى أية حال فبالاضافة الى ان الاساءة المتعمدة المتواصلة الى صورة العربي والمسلم في الصحافة السويدية هي ممارسة عنصرية إلا إنها أيضاً سلوك غير مسؤول لأنه يمكن أن ينتج تبعات خطيرة بل كارثية، فنشر الكره لا يمكن أن يؤدي الى السلام بين الشعوب. لقد شوه هذا التوجه أفكار الشباب ودفع بالبعض منهم الى ارتكاب جرائم بشعة. في 22 تموز (يوليو) 2011 قام النرويجي أندرس بهرينغ بريفيك بمجزرة راح ضحيتها 77 شخصاً معظمهم شباب، أعدمهم بدم بارد في مخيم الشبيبة العمالية السنوي الذي ينظمه اتحاد الشبيبة الاشتراكي الديمقراطي في النرويج انتقاماً من هذه المنظمة على نشرها ثقافة التعددية وتسامحها مع المسلمين الذين حسب اعتقاده يتآمرون لأسلمة البلاد. قد لا تدعو الصحافة السائدة صراحة الى قتل المقيمين في البلاد من العرب أو المسلمين وكل ما تفعله هو إنها تقدمهم بأقذر صورة وأخطرها ثم تتبرأ من المسؤولية لو أن هذا التقديم دفع أحدهم الى حمل سلاحه وقتل المسلمين أو المتضامنين معهم، كما فعلت الصحافة النرويجية بعد جريمة بريفيك!
لا أتوقع انخفاضا في معدل الاساءة الى العرب والمسلمين في الصحافة السويدية وعلى الأخص في ظل الائتلاف الحاكم الذي يتساهل معها باسم حرية التعبير! ولكن أتمنى أن تلقى هذه الاساءات مجابهة قوية من إعلام شعبي مضاد ينشر روح التسامح وثقافة التعددية والمساواة بين البشر واحترام الشعوب والأديان جميعاً. من الخطأ والخطر أن نترك العنصريين وحدهم في ساحة الاعلام فنجاحهم في نشر الكره العنصري بين الناس سيؤدي في المستقبل الى كوارث وحتى حروب، كما فعل دوماً في الماضي.
للتعليق على الموضوع، يرجى النقر على ” تعليق جديد ” في الاسفل، والانتظار حتى يتم النشر .