المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
منبر الكومبس: قبل أيام وأثناء مناقشة ميزانية العام المقبل 2021 في البرلمان السويدي، الريكسداغ، مع وزيرة المالية، مارس أحد أعضاء البرلمان عن حزب الـ SD “ديمقراطيو السويد” دوره في انتقاد الميزانية، ولكن بطريقة اعتبرت غير مسبوقة في النقاشات التي تجري عادة تحت قبة البرلمان، العضو واسمه أوسكار سيوستيد استخدم طريقة السخرية من شخص معاق لإظهار استياءه من الحكومة وسياستها، خاصة بما يتعلق بمخصصات الهجرة، عن طريق التساؤل عن جدوى منح تصريح الإقامة لشاب أفغاني من ذوي الاحتياجات الخاصة، والذي يعاني من إعاقة ذهنية بسيطة.
ليس فقط فحوى كلام هذا السياسي هي التي كانت مستهجنة، ولاقت عدة انتقادات، بل حتى أسلوب إلقاءه كلمته التي لم تخلو من الازدراء، عندما قال متسائلا فيما معناه: ماذا تقولون عن سياسة هجرة تستقبل أشخاصا من ذوي الذكاء المنخفض بدل من أن تجذب الأذكياء؟
المستغرب هو تصاعد لهجة المعبرين عن التوجهات العنصرية ووصلهم إلى أعلى المنابر السياسية، وكأنهم فعلا يمثلون توجهات موجودة ومتنامية في المجتمع
من المعروف أن الفكر النازي يعتمد على التخلص من الضعفاء، وتصنيف البشر بمراتب حسب أعراقهم وميولهم. فحوى وطريقة كلام هذا السياسي قد لا تكون مستغربة، ولكن المستغرب هو تصاعد لهجة المعبرين عن التوجهات العنصرية ووصولهم إلى أعلى المنابر السياسية، وكأنهم فعلا يمثلون توجهات موجودة ومتنامية في المجتمع.
حتى المهاجرون واللاجئون يمكن أن نسمع أحاديث لها طابع عنصري بين بعضنا البعض، كأن نقول مثلا: “ما فائدة منح هذا أو ذاك أو هؤلاء الإقامة في السويد؟” أو “السويد تلم المعاقين والمتخلفين” أو “لماذا السويد تمنح هذا الشخص الملون الإقامة وأنا أبيض مثلهم تأخرت عندما حصلت على الإقامة” وهذه أقاويل للأسف سمعناها ونسمعها بعدة مناسبات.
خطورة هذا الكلام، تتمثل في الدعوة إلى أن تصبح السويد آلة مجردة من الإنسانية، تستقبل فقط الأقوياء والأصحاء و”الأذكياء” وربما يمكن أن تضم شرط فحص أن يكونوا من “الشرفاء” أيضاً حسب معايير خاصة للشرف. وهذا يعني التخلي عن الإنسانية وعن أهم شروط الحفاظ على القيم التي تتحلى بها السويد ومجتمعها.
نعم السويد تتغير، ونحن اللاجئون والمهاجرون نساهم في تغيير هذا البلد بمساهمات إيجابية، عن طريق زيادة ديمغرافيته وقوة اقتصاده الشرائية وتنوعه الثقافي وطبيعة أعمال شركاته وشبكات تواصله مع الخارج، وحتى بنمط طعامه ولباسه وغير ذلك.
الخطورة الأخرى هي في قوة آلة الترويج وغسل الأدمغة التي يتقن تشغيلها الشعبويون، عند مخاطبتهم لعواطف الناس وتصوير السويد على سبيل المثال وكأنها فعلا لا تستقبل إلا من سيصبح عالة على المجتمع، وهذا غير صحيح واقعيا، لأن الهجرة تضم نسب عالية من القوة العاملة المتنوعة التي تضخ في المجتمع دماءً جديدة.
آلة اليمين المتطرف الترويجية تجيد أيضا ربط أي فعل “سيء” يقوم به شخص من أصول أجنبية بما ينادون به ويستخدمونه للسخط على كل من هو لاجئ ومهاجر أو غير سويدي، ويتربصون بشكل خاص بما يمكن أن يقترفه أشخاص بأسماء شرق أوسطية لكي يصدرون بياناتهم التعميمية على المجموعة كلها.
يبقى أن نقول إن المجتمع السويدي لا يزال يرفض النزعات العنصرية ويحاربها بشدة، وهذا ما نلاحظه من خلال الصحافة ووسائل الإعلام التي تحارب وتحاصر المسيئين وتكشفهم، وحتى تضغط عليهم للاستقالة من وظائفهم السياسية والإدارية.
وحتى نبقى نجد من يدافع عنا بوجه العنصريين ويحافظ على القيم السويدية النبيلة، يجب أن يكون لنا دور ونساهم نحن أيضا بالدفاع عن المجتمع الذي نعيش به، ليس فقط بالمشاركة بالحياة السياسة والنقابية ومنظمات العمل المدني، بل على الأقل بأن نوجه أنفسنا وأولادنا ومن نستطيع التأثير عليهم، نحو الابتعاد عما يعتبر غير مقبول هنا.
صحيح أن كل شخص هو مسؤول عما يفعله، ومن الخطأ أخذ أحد بجريرة الآخر، ولكن ولأننا مستهدفين من قبل المتطرفين، ولأن بعضنا لا يزال جديدا هنا، يجب أن ننتبه إلى أهمية معرفة المجتمع الذي نعيش به.
هناك من يريد تصوير أخطاء بعضنا على أساس أنها أخطاء مرتبطة بثقافتنا ونوع عرقنا ومعتقداتنا، وهناك من يحاول تغيير السويد وقوانينها وقيمها لمواجهتنا وعزلنا وجعلها سويد مغلقة وفقط لهم
منذ أيام وضمن برنامج تلفزيوني، كشفت سياسية منتخبة عن حزب الاشتراكيين الديمقراطيين في مدينة سوديرتاليا جنوب ستوكهولم عن تزايد حالات الاحتيال التي تُمارس في المدينة للحصول على المساعدات الحكومية، مثل تقديم
الشهادات المزورة وحالات الطلاق المزيفة والإيجارات السوداء، التي وصفتها السياسية بالسمة الشائعة بشكل متزايد بين جزء من سكان المدينة، وحذرت من خطرها ومن إمكانية استفحالها.
البعض فسر ذلك تحولا في صراحة السياسيين خاصة المنتمين لليسار، وسابقة قد تكون لها عواقب عنصرية خطيرة، فيما وجد البعض الآخر هذه المقابلة على أنها جزء من الشفافية التي يجب أن يتمتع بها المجتمع، خاصة أن السياسية لم تربط أفعال الاحتيال بقومية أو عرق أو دين معين، ولكن ربطتها بحالة اجتماعية عامة.
حتى نبقى نجد من يدافع عنا بوجه العنصريين ويحافظ على القيم السويدية النبيلة، يجب أن يكون لنا دور ونساهم نحن أيضا بالدفاع عن المجتمع الذي نعيش به
نعم السويد تتغير، ونحن اللاجئون والمهاجرون نساهم في تغيير هذا البلد بمساهمات إيجابية، عن طريق زيادة ديمغرافيته وقوة اقتصاده الشرائية وتنوعه الثقافي وطبيعة أعمال شركاته وشبكات تواصله مع الخارج، وحتى بنمط طعامه ولباسه وغير ذلك.
ولكن هناك من يريد تصوير أخطاء بعضنا على أساس أنها أخطاء مرتبطة بثقافتنا ونوع عرقنا ومعتقداتنا، وهناك من يحاول تغيير السويد وقوانينها وقيمها لمواجهتنا وعزلنا وجعلها سويد مغلقة وفقط لهم.
هذا المجتمع قوي بتنوعه وبديمقراطيته وبقيمه، وأيضا بشفافيته وحرية الكلمة والتعبير التي يتمتع بها، لذلك ولأن مصادر قوة المجتمع هذه هي التي تحمينا كأقليات عرقية أو دينية، يجب أن نحافظ عليها كلها كمجموعة موحدة وليس باختيار ما يعجبنا وترك ما لا يعجبنا، لذلك علينا أن لا نتذمر من السويد لأنها منحت إقامة لجنسيات أخرى، أو لذوي الاحتياجات الخاصة، أو للمثليين أو لغيرهم من البشر. لذلك علينا ألا نقلد ما يقوم به اليمين المتطرف، فنحن أول ضحاياه حتى وإن حاول البعض منا التغاضي عن هذه الحقيقة
د. محمود صالح آغا
رئيس تحرير مؤسسة الكومبس الإعلامية