الكانتون السياسي مَقتَل للحالمين: حول تأسيس حزب جديد للمهاجرين

: 5/24/22, 1:12 PM
Updated: 5/30/22, 5:47 PM
الكانتون السياسي مَقتَل للحالمين: حول تأسيس حزب جديد للمهاجرين

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: منذ عدة سنوات و الجاليات المهاجرة في السويد تشهد حالة من التذمر وعدم الارتياح لسلوك الأحزاب السياسية السويدية التقليدية ومن مواقف تلك الأحزاب المتقلبة ونظرتها لقضية المهاجرين.

كثيرة هي الشعارات التي تسابقت على رفعها الأحزاب لا سيما على أبواب حملاتها الانتخابية، والتي كانت تهدف بها ليس معالجة جديّة ومسؤولة لقضايا المهاجرين بقدر ما هي محاولات لاستمالة هذا الجمهور الانتخابي العريض وحصد ما أمكن من أصواته لهذا الحزب أو ذاك.

لقد أبدت جميع الأحزاب بدون استثناء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، اهتماماً بالغاً في برامجها وتباينت مواقفها من مسألة المهاجرين، فالحزب العنصري مثلاً كثيراً ما توجه في برنامجه إلى الفئات غير المسلمة من المهاجرين نافخاً ببوق الإسلاموفوبيا قاصداً أن يستميل إلى جانبه جمهوراً مهاجراً لا يعتنق الديانة الإسلامية أو من أفراد قاموا بتغيير ديانتهم.

لكن معظم الأحزاب وفي معالجتها وضعت في برامجها موضوع اندماج المهاجرين في المجتمع عموماً ورصدت لذلك ميزانيات ضخمة مولتها الدولة، ليقدم مصطلح الاندماج على كل المصطلحات في خطاب السياسيين والمهتمين. مع مرور الوقت استُهلك هذا الخطاب وسقط بالممارسة أمام تناقض الأقوال بالأفعال، حيث أن الأحزاب نفسها لم تكن تمتلك رؤية أو مفهوماً عملياً لفكرة الاندماج وكثيراً ما كان يتبين لنا أثناء محاورة السياسيين بأنهم بالعمق لهم تفسيرهم الخاص والهادف إلى إذابة أبناء المهاجرين في المجتمع، وليست المسألة كيف نُجري عملية إندماج حقيقية بين جميع مكونات المجتمع الثقافية لنبني معاً وسوياً مجتمعاً مثالياً يقوم على قاعدة أن المجتمع لكافة أبنائه ومكوناته الثقافية. وإن مهمة الاندماج بحد ذاتها تقع على عاتق الجميع بدون استثناء وليس على عاتق فئة مجتمعية بعينها، وأن ما هو مطلوب من المهاجر مطلوب أيضاً من الشريك الآخر، ومن أجل الوصول إلى الهدف المنشود على الجميع أن يتكاتف ويتقدم إلى الأمام لتشييد هذا الصرح المجتمعي المتميز.

للأسف ومع مرور السنين تبيّن أن الآخر إنما أراد من مفهوم الاندماج كما سبق وبيّتت هو إذابة الآخر في المجتمع وليس دمج ثقافته بالثقافة الأخرى.

هنا سرعان ما بدأ هذا المصطلح بالتلاشي لا بل والغياب عن سلّم أولويات برامج بعض الأحزاب فيما حافظت الأحزاب الأخرى على إبقائه ولو من باب الديكور، يزين برنامجها الإنتخابي دون تلمّس تغيير جذري في مفهومه.

حزب اليسار، وهنا لا انطلق من كوني منتمياً له ولكني أحاول أن أكون منصفاً وأقرب الحقيقة، هذا الحزب كان الأكثر قرباً لا بل عمل على تطوير هذا المصطلح إلى طرح مصطلح آخر مكمّل له وهو مصطلح الأمان الاجتماعي الذي رأى فيه الطريق الأنجح لعملية اندماج واعية وسليمة يحافظ كل مكونات المجتمع من خلالها على خصوصيتهم الثقافية، ودعا إلى حماية المهاجرين اقتصادياً من خلال توفير مزيد من فرص العمل لهم. وكذلك عمل الحزب على الدفاع عن حقوق المهاجرين وحمى خصوصيات المرأة المسلمة مثلاً على حقها في ارتداء الحجاب وفتح الباب واسعاً لبنات وأبناء المهاجرين للعب دور أكبر في صفوفه وفي المجتمع عموماً. كما برز هذا الحزب في الدفاع عن القضايا العادلة للمهاجرين وحق مناصرة نضال الشعوب التي ينتمون لها، فكنت تراه ينشط في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال كما حق الشعب الأفغاني والعراقي والسوري والأوكراني والكردي وأيضاً عن حقوق المثليين وغيرهم.

أمام كل هذا بقيت حركة المهاجرين تشعر بالغبن من سياسات تبنتها أحزاب كثيرة وتمكنت من إسقاطها على برامج الحكومة والتي شعر من خلالها المهاجرين بأنها تمس حياتهم اليومية وتؤدي إلى تهميشهم وإلى إغلاق الطريق أمام تطور دورهم في المجتمع كشريك وليس دخيلاً.

بعض سياسات الأحزاب ومن خلفها الحكومة أدت بفعل توجهاتها إلى المس بحياة محدودي الدخل مثل نظام الخصخصة الذي حرم الناس من حقهم في الاستفادة من حماية ودعم الدولة لقطاعات مهمة تم بيعها إلى القطاع الخاص مثل شركات السكن، الكهرباء، المياه، المواصلات وإلخ، وأهم الأزمات التي شهدتها الحكومة ما عُرف بقانون العقار الذي لم يتردد حزب اليسار في إسقاط الحكومة لكسره وعدم إقراره والذي يمنح مالك العقار حرية رفع الأسعار، كما اتخاذ الحكومة وبدعم من الأحزاب المؤثرة قرارات تخص المهاجرين وتغلق الطريق أمامهم ولا تعطي آمالا بالإقامة المريحة للعائلات الكثيرة الموجودة في السويد من خلال إما رفض طلبات العديد منهم أو منحهم إقامات مؤقتة مما يجعلهم بحالة غير مستقرة. كما وفاحت من عديد توجهات بعض الأحزاب النافذة رائحة العنصرية والإسلاموفوبيا.

أمام كل ذلك من الطبيعي أن تشهد حركة المهاجرين حِراكات سياسية مختلفة في محاولة للبحث عن الذات ولتكوين إطارات تبرزهم وتسلط الضوء على خصوصيتهم التي يشعرون بأنها في خطر.

من هنا شهدت الساحة السياسية في السويد في خضم المعركة الانتخابية الماضية محاولة تشكيل حزب سياسي خاص بالمهاجرين أُطلق عليه اسم حزب الائتلاف الجديد ولكنه لم ير النور حينها، واليوم ونحن على عتبة الإنتخابات المزمع أجراها في أيلول القادم، تنشط مجموعة أخرى أوسع من المهاجرين إلى تشكيل حزب أطلقت عليه اسم الجديد وتعتزم من خلاله لعب دور سياسي.

أولاً لا بد لي أن أعترف بان لكل فرد حق الاختيار السياسي كما ولكل مجموعة الحق بتشكيل الأطر السياسية حسب الأصول القانونية المعمول بها في السويد.

لا يستطيع كائناً من كان أن يمنع مجموعة اختارت طريقها بإرادتها ورسمت لنفسها ما ترى به قناعة سياسية.ولكن لأن الموضوع هنا وكما سبق وقلت في قراءتي للتجربة السابقة حيث أن الموضوع هنا لا يقتصر على فرد أو مجموعة بعينها بل هو يمس في الصميم مستقبل الكل ليس فقط المهاجر وإنما أيضاً المجتمع الذي يجمعنا جميعاً، لذلك أصبح لازماً علينا أن نقول رأينا ونعتبر ذلك جزءاً من الحوار الضروري بيننا، وأرجو أن يتسع صدرنا للرأي الآخر حتى نخرج بفكرة كاملة متكاملة لبناء مستقبل أفضل لأبنائنا في السويد الذي نحن جزء لا يتجزأ منه.

إذا كنا نعاني من محاولات الآخر تهميشنا وهذا حاصل فعلاً، يتوجب علينا أن لا نُقدّم له بأيدينا مُبتغاه، ونُقدِم على عزل أنفسنا في كانتون سياسي، ونحن أمامنا فرصة أن نكون أكثر تأثيراً من خلال الانخراط بالحياة السياسية من أوسع أبوابها، وليس الانزواء في زاوية، طالما سعى الآخر لوضعنا فيها. علينا أن لا نساهم في إضعاف الأصوات الكثيرة المناضلة من أجل العدالة والمساواة في الحقوق لجمهور المهاجرين، في تشتيت أصواتنا ورميها في مكان غير مكانها الصحيح.

لم نعدَم بعد الخيارات في إبراز الشخصية المؤثرة للمهاجرين حتى نعمل على تشكيل حزب سياسي خاص بنا، لستُ مع عدم المبادرة لتشكيل حزب سياسي جديد ومثالي يجمع بين مختلف مكونات المجتمع وفي المقدمة منهم الشريك الأساسي والمهم أي السويدي، نقدم من خلال هذا الحزب برنامجاً يحمي الجميع ويحافظ على حقوقهم ويدافع عن مصالحهم.

نحن قادرون إذا ما أردنا أن نضع حداً لمحاولات البعض تهميشنا من خلال صندوق الانتخاب ترشيحاً وتصويتاً وخلفنا جمهور عظيم داعم ومساند، نستطيع أن نتقدم اللوائح الانتخابية لكافة الأحزاب كما ونستطيع معاقبة ومحاسبة مَن نراه قد خذلنا بحجب صوتنا عنه، وبإمكاننا أيضاً ممارسة حقنا في التصويت السلبي بنزع الثقة عن الأحزاب جميعها من خلال الورقة البيضاء بشكل جماعي ومكثّف ندق به جرس الإنذار للقريب قبل البعيد.

مع أصدق الأمنيات للقائمين على الحزب الجديد بالنجاح والتقدم.

سعيد هدروس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.