المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: ما حدث في أوربرو البارحة لم يكن مجرد جريمة، ولم يكن عملاً فردياً منفصلاً عن سياقه، بل كان نتيجة حتمية لسنوات من التحريض المنهجي ضد المهاجرين. في مدرسة يرتادها القادمون الجدد، حيث كان يفترض أن يجدوا فرصة لبداية جديدة، حصدت الكراهية أرواحهم بدم بارد. أكثر من عشرة قتلى وغيرهم جرحى، سقطوا ضحايا ليس فقط لقاتل واحد، بل لخطاب كامل مهّد لهذه اللحظة، خطاب سمّم عقول الناس وزرع فيهم فكرة أن المهاجر هو المشكلة، وأن الأجنبي هو العدو، وأن الحل الوحيد هو محاربته والقضاء عليه.
هذه الجريمة لم تقع في فراغ، بل كانت النتيجة المتوقعة لخطاب سياسي وإعلامي جعل من اللاجئ كبش فداء لكل أزمة تواجهها البلاد، حتى أصبح قتله مسألة وقت لا أكثر.
لسنوات طويلة، تغذى اليمين الشعبوي على خلق عدو داخلي، على تقديم صورة مشوهة للمهاجر كسبب لكل مشاكل السويد، على تحويل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية إلى قضية “هجرة” بدلاً من الاعتراف بفشل السياسات الحكومية وسوء توزيع الموارد وانعدام العدالة الاجتماعية. أصبح من السهل على السياسيين تحميل اللاجئين مسؤولية البطالة، رغم أن سوق العمل يعاني منذ عقود من مشاكل هيكلية. أصبح من الطبيعي اتهامهم بتهديد الرفاه الاجتماعي، رغم أن التخفيضات في الخدمات كانت نتيجة مباشرة لسياسات حكومية قررت أن تمنح الأولوية لخفض الضرائب على الأغنياء بدلاً من الاستثمار في الصحة والتعليم. حتى الجريمة، التي هي نتيجة لظروف اجتماعية معقدة، تم اختزالها في “أصول الجناة”، وكأن العنف لا يرتبط بالفقر والتهميش والتمييز، بل فقط بلون البشرة وجواز السفر.
في هذا المناخ المشحون بالكراهية، لم يعد العداء للمهاجرين مجرد خطاب سياسي، بل تحول إلى قاعدة يُبنى عليها التشريع والقوانين، إلى اتجاه في وسائل إعلام، إلى مادة يومية في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى ممارسات تطال المهاجر في كل تفاصيل حياته اليومية. اليمين لم يكتفِ بتحويل اللاجئ إلى مشكلة، بل عمل على تجريد المهاجرين من إنسانيتهم، على تصويرهم كتهديد وجودي، على جعل بقائهم في البلاد مسألة يجب حسمها بالقوة. هذا هو الجو الذي نشأ فيه قاتل أوربرو، وهذا هو السياق الذي جعله يرى في طلاب مدرسة لاجئين أهدافاً مشروعة لرصاصه.
ما حدث في أوربرو ليس مجرد عمل فردي، بل هو امتداد طبيعي لخطاب التحريض الذي بات يسيطر على المجال العام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وغرف السياسة المغلقة. هو النتيجة المتوقعة عندما يتحول الحديث عن “استعادة السويد” إلى حملة ضد المهاجرين، عندما يصبح العداء للأجانب سياسة حكومية، عندما يتم إقرار قوانين تجعل من الصعب على اللاجئ العيش بكرامة، عندما تُقدَّم الإحصائيات والأخبار بشكل انتقائي لخدمة رواية أن الأجانب هم المشكلة الكبرى في البلاد. لم يكن هذا القاتل بحاجة إلى تنظيم إرهابي ليشجعه، فقد وجد في خطابات سياسيين ومقالات الصحف اليمينة وبرامج التلفزيون ما يكفي من التحريض ليدفعه إلى الضغط على الزناد.
إن الحزن والغضب الذي يشعر به المهاجرون اليوم ليس فقط على الدماء التي سالت، بل على جزء من مجتمع يتعامل مع حياتهم كأنها أقل قيمة، على حكومة تغض الطرف عن الكراهية حتى تتحول إلى رصاص، على إعلام يصنع الجناة ثم يتظاهر بالدهشة عندما يرتكبون جرائمهم. الجريمة التي وقعت أمس ليست حدثاً عابراً، بل إنذاراً شديد اللهجة بأن التحريض ضد المهاجرين لم يعد مجرد كلام، بل أصبح سلاحاً قاتلاً. والسؤال الذي يجب أن يُطرح الآن ليس فقط عن دوافع القاتل، بل عن مسؤولية من صنعوا البيئة التي سمحت له بارتكاب هذه المجزرة. هل ستستمر السويد في تجاهل حقيقة أن الكراهية تقتل؟ أم أن هذه الجريمة ستكون نقطة تحول لمواجهة الحقيقة المؤلمة بأن الخطاب الشعبوي لم يعد مجرد تهديد، بل أصبح واقعاً دموياً؟
حازم داكل